اليوم العالمي للمرأة 2025 : بدفاعنا عن حقوق المرأة، نبني مستقبلًا أفضل للجميع

اليوم العالمي للمرأة 2025 :
بدفاعنا عن حقوق المرأة، نبني مستقبلًا أفضل للجميع
عبد اللطيف أعمو
لتحميل النص بصيغة PDF انقر فوق الصورة أسفله
يحل اليوم العالمي للمرأة ليكون مناسبة سنوية نحتفي فيها بالإنجازات التي حققتها المرأة على مر العقود، ونستحضر فيها النضالات المستمرة من أجل تحقيق المساواة الكاملة بين الجنسين.
ولقد اختارت المفوضية السامية لحقوق الإنسان شعار: ”اليوم الدولي للمرأة 2025، حقوقها، مستقبلنا، الآن ” للاحتفاء باليوم العالمي للمرأة لهذه السنة.
فبمناسبة اليوم العالمي للمرأة، نقف اليوم مجددا لنحتفي بسيدات صنعن التاريخ، وأخريات يصارعن لضمان قوت يومهن وتربية أبنائهن وبناتهن، وأخريات يناضلن كل يوم ليصنعن المستقبل. هذا اليوم ليس مجرد محطة احتفال، بل هو دعوة متجددة لترسيخ مبادئ العدل والمساواة، وتأكيد على الدور الحيوي الذي تلعبه المرأة في بناء مجتمع أكثر إنصافًا وتقدمًا. ففي هذا اليوم، نحتفي كل سنة بإنجازات المرأة، ونؤكد بأن المساواة ليست مجرد مطلب، بل هي أساس لمجتمع أكثر عدلاً وازدهارًا.
لقد أحرزت الحركات النسائية و النضالات المستمرة تقدمًا ملموسًا، باعتبار المساواة بين الجنسين هي جوهر جميع حقوق الإنسان، ومهد الكرامة الإنسانية، وأساس بناء مستقبلنا المشترك.
ومع ذلك، لا يمكن اعتبار هذه الإنجازات أمرًا بديهيا أو مفروغًا منه، إذ أصبحت الحاجة إلى تعزيز حقوق المرأة والمساواة بين الجنسين أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى. والطريق لا يزال طويلًا أمام تحقيق العدالة الكاملة. فلا تزال النساء في العالم يواجهن تحديات كالعنف القائم على النوع الاجتماعي، والفجوات الاقتصادية، والتفاوت في الفرص.
فمنذ أن أقرّت الأمم المتحدة الاحتفال باليوم الدولي للمرأة في سنة 1977، والعالم يشهد حراكًا متزايدًا للمطالبة بالمزيد من الحقوق. لكن، رغم كل المكاسب، لا تزال المرأة تواجه عقبات متعددة تعرقل وصولها إلى المساواة الكاملة.
فهل وصلنا إلى المرحلة التي يمكننا فيها القول إن حقوق المرأة أصبحت غير قابلة للانتقاص والتراجع؟ وأين نحن الآن؟ وهل لا تزال معارك الأمس قائمة؟ وما هي حقوق المرأة التي لا تزال مهددة؟ وما العوائق التي يجب تجاوزها لتحقيق المساواة بين النساء والرجال؟
I – بدفاعنا عن حقوق المرأة، نبني مستقبلًا أفضل للجميع
إن تعزيز وحماية المساواة بين الجنسين ضروريان لتحقيق العدالة وضمان مستقبل أفضل لنا جميعًا. ومع ذلك، نشهد في جميع أنحاء العالم تراجعًا متزايدًا في حقوق المرأة والمساواة بين الجنسين، وهي حقوق تحققت بشق الأنفس على مدى عقود من الكفاح والنضال.
وفي جميع أنحاء العالم، تلعب النساء والفتيات دورًا حاسمًا في تعزيز المساواة بين الجنسين، حيث يتبنين حلولًا عملية ومبتكرة من أجل مستقبل أفضل للجميع. كما أنهن في طليعة الجهود المبذولة لحماية الفضاءات الرقمية من التهديدات والعنف. وتشكل الوقاية من العنف القائم على النوع الاجتماعي ومكافحته التزامًا أساسيًا في إطار حقوق الإنسان.
II – بضمان حرية الاختيار للمرأة ، نبني مجتمعًا أفضل
يعدّ التعليم والصحة والحقوق الإنجابية أساسية لضمان قدرة النساء والفتيات على ممارسة جميع حقوق الإنسان الأخرى، وتحقيق المساواة بين الجنسين.
هذه الحقوق جوهرية لتحقيق المساواة والاستقلالية، إذ تضمن للنساء والفتيات حق اتخاذ قراراتهن الخاصة بشأن أجسادهن وحياتهن، بما في ذلك اختيار إنجاب الأطفال من دونه، ومتى يتم ذلك، وبأي عدد، دون تمييز أو عنف أو إكراه.
فلكل شخص حق غير قابل للتفاوض في اتخاذ قرارات بشأن جسده وحياته. فعندما تمتلك المرأة حرية الاختيار، نبني مجتمعًا أفضل. وقد ناضلت الحركات النسوية من أجل إحداث تغييرات في هذا المجال. ومع ذلك، لا يزال مفهوم المساواة بين الجنسين يواجه تحديات كبيرة، على مستويات عدة:
المساواة في صميم حقوق الإنسان
فالمساواة بين الجنسين ليست مجرد هدف، بل هي جوهر الكرامة الإنسانية وركيزة أساسية لتحقيق التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية. ورغم التقدم المحرز، فإن المكتسبات التي تحققت عبر عقود لا تزال بحاجة إلى حماية مستمرة، لأن التراجع عنها ممكن في أي لحظة.
ففي سنة 2025، تم تقدير المسافة الفاصلة لتحقيق المساواة بين النساء والرجال وفقا لمعطيات المنتدى الاقتصادي العالمي، في 134 سنة .
لذا، فإن تعزيز حقوق المرأة لم يعد مجرد التزام أخلاقي، بل ضرورة مجتمعية تضمن مستقبلًا أكثر ازدهارًا للجميع. فهل يمكننا تسريع الخطى بقصد تحقيق المبتغى؟
العنف القائم على النوع الاجتماعي: معركة لم تُحسم بعد
لا تزال النساء والفتيات يواجهن تحديات جسيمة، على رأسها العنف القائم على النوع الاجتماعي، الذي يستمر ويتفاقم ويتزايد، لا سيما في الفضاء الرقمي. وهو ما يهدد أمنهن وسلامتهن الجسدية والنفسية.
ويحق للنساء والفتيات العيش في أمان، دون قيد أو شرط، بعيدًا عن العنف الذي يؤثر على صحتهن الجسدية والعقلية ورفاهيتهن، وكذلك على مشاركتهن في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
وبديهي، أن المجتمعات تزدهر وتنمو عندما يتم القضاء على هذا العنف ومحاربته بفعالية، وعندما يكون الجميع قادرًا على العيش بحرية وطمأنينة.
حرية المرأة.. أساس مجتمع متوازن
لا يمكن الحديث عن حقوق المرأة دون الإشارة إلى الحقوق الإنجابية والصحية، التي تتيح للنساء حرية اتخاذ قراراتهن المصيرية. حق الاختيار هو حق أساسي، سواء تعلق الأمر بالتعليم، أو العمل، أو تكوين الأسرة. فالمجتمعات التي تحترم خيارات النساء هي المجتمعات التي تتجه بثبات نحو التقدم والازدهار.
نضال مستمر من أجل غدٍ أكثر إنصافًا
لولا استمرار التمييز والعنف وعدم المساواة، لما كنا بحاجة إلى الاحتفال رمزيا بهذا اليوم. ولولا وجود الصور النمطية حول دور المرأة في المجتمع، والتعدي على أجساد النساء، والتحرش في الشوارع، والفجوات غير المبررة في الأجور، والعبء النفسي غير المتوازن… لما كانت هناك حاجة ليوم عالمي للمرأة.
ولولا وجود التمييز الجنسي “اليومي”، والنظام الأبوي “المؤسسي”، والذكورية “العادية”، … لما كانت هناك حاجة ليوم خاص بحقوق المرأة.
ونظن جازمين بأن التعليم يلعب دورًا حاسمًا في مسار التصدي لجميع أشكال التمييز. فإذا نشأ الأطفال منذ الصغر دون استيعاب الأفكار النمطية، فهناك أمل في أن نشهد تراجعًا في الفجوات وعدم المساواة مع الأجيال القادمة.
III – الحق في العيش بسلام وأمان، بعيدا عن التهديد والترهيب
على الرغم من الحملات التوعوية والمرافعات القضائية البارزة، فإن الوضع لم يتغير كثيرًا على الصعيد الدولي. فإذا أضفنا جرائم العنف الأسري، تُقتل امرأة كل 10 دقائق وفقا لتقديرات الأمم المتحدة . وفي فرنسا، مثلا، تظل هذه الأرقام مخيفة منذ 20 سنة، حيث تُقتل امرأة كل 3 أيام على يد شريكها أو شريكها السابق.
كما تعرضت الفتيات والنساء دوليا لهجمات تستهدف تعليمهن، خصوصا في مناطق الصراعات عبر العالم، وما أكثرها، مثل قصف مدارس الفتيات، والعنف الجنسي في المدارس والجامعات أو خلال الطريق إليها. فبين عامي 2022 و2023، تعرض تعليم الفتيات لهجمات مباشرة في 10 دول حسب أرقام التحالف العالمي لحماية التعليم من الهجمات.
ووفقا للجهاز المركزي الفلسطيني للإحصاء، تواجه المرأة الفلسطينية تحديات جسيمة، وواقعا مريرا، بسبب عدوان الاحتلال، وتداعياته على محيطها الاجتماعي، لا سيما أن أكثر من 70% من الأطفال والنساء كانوا ضحايا حرب الإبادة الجماعية في قطاع غزة، حيث بلغ عدد الوفيات في صف النساء 12.316 ضحية من إجمالي 48.346 ضحية. كما شكلت النساء والأطفال ما يوازي 69 % من إجمالي الجرحى البالغ عددهم 111.759 جريحا، كما أن 70% من المفقودين في قطاع غزة نتيجة العدوان هم من النساء والأطفال، حيث بلغ عددهم 14.222 مفقوداً. كما تواجه 13.901 امرأة فلسطينية واقعاً مأساوياً بعد فقدان أزواجهن نتيجة حرب الإبادة الجماعية، ليصبحن المعيلات الوحيدات لأسرهن.
IV – الإصلاحات القانونية في المغرب: خطوات نحو التغيير
على المستوى الوطني، شهد المغرب سلسلة من الإصلاحات القانونية لتعزيز حقوق المرأة، خاصة في العقود الثلاثة الأخيرة. وفي سنة 2024، استمرت الجهود عبر تعديلات مهمة في مدونة الأسرة (16 تعديلاً)، تهم تقييد تعدد الزوجات وإلغاء تزويج القاصرات بجانب حقوق الحضانة والوصاية وتبسيط مساطر الطلاق وتعزيز ضمانات تقاسم الممتلكات المكتسبة خلال الزواج، إضافة إلى إصلاحات أخرى في مجالات متعددة.
هذا بجانب إصلاحات في قانون الشغل بفرض مساواة الأجور بين الجنسين في القطاعات المختلفة مع توفير حماية أكبر للأمهات العاملات، من خلال تمديد إجازة الأمومة وتحسين ظروف العمل، بجانب إدماج النساء في القطاعات غير التقليدية مثل الطاقة والصناعة. إضافة إلى تعزيز التمثيلية السياسية للمرأة.
وهناك نقاش مجتمعي متزايد حول مراجعة قوانين الإرث لضمان إنصاف أكبر للنساء، خاصة فيما يتعلق بتقسيم التركة بين الأبناء والبنات. مما يعكس التزام المغرب بتمكين النساء وإرساء مبدأ المساواة.
منسوب العنف ضد المرأة يرتفع
تظل العديد من المؤشرات مخيفة في المغرب. فرغم اعتماد القانون رقم103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء (2018) ، فقد كشف تقرير صادر عن شبكة النجدة لمساعدة النساء ضحايا العنف بشراكة مع اتحاد العمل النسائي استمرارَ تعرض النساء المغربيات للعنف بمختلف أنواعه، مبرزا أن مراكز النجدة استقبلت خلال الفترة ما بين فاتح نونبر 2023 وأكتوبر 2024 ما مجموعه 2.254 حالة عنف.
ومن حيث النوع، تصدر العنف النفسي قائمة أنواع العنف الذي تعرضت له المغربيات بنسبة 26 %، ثم العنف اللفظي والاقتصادي والاجتماعي بـ 20 %، فالعنف الجسدي بنسبة 19 %، تلاه العنف القانوني بنسبة 7 %، وبعده العنف الجنسي بنسبة 6 %.
ويشير التقرير إلى أن الفئة العمرية الأكثر عرضة للعنف من الشابات، اللواتي تتراوح أعمارهن ما بين 18 و34 سنة، تليها النساء ما بين 35 و50 سنة، بمعنى أن النساء المعرضات أكثر للعنف هن الأكثر نشاطا اجتماعيا ومهنيا. ومن مظاهر العنف: التغرير بقاصرات عبر الإنترنت، التمييز الجنسي، معاناة المهاجرات، والتهميش القانوني. مما يستوجب حماية أكبر للنساء في جميع الفضاءات.
كما يؤكد التقرير أن “النساء اللواتي لا يمارسن نشاطا اقتصاديا أو يشتغلن بقطاعات تتميز بالهشاشة وعدم الاستقرار، مثل الخادمات المنزليات والعاملات في القطاع الفلاحي، هن من الفئات الأكثر عرضة للعنف والتمييز.
وأشار التقرير من جهة أخرى إلى أن 57 % من حالات العنف صادرة عن الأزواج، بينما 20 % من النساء مهددات بالطرد من المنزل. وتتصدر هذه القائمة المخجلة، رباتُ البيوت بنسبة 41%، تليها فئات العاملات المنزليات والمستخدمات والمعطلات بنسبة 13% بالتساوي. في حين إن الموظفات واللواتي يشتغلن في مهن حرة يمثلن فقط 8 و 6 % على التوالي من مجموع حالات العنف.
كما تشير بعض التقارير الصحفية إلى أن العديد من الأحكام الصادرة في حق مدانين باغتصاب فتيات قاصرات يشوبها الكثير من التساهل. مما يحيل إلى نوع من التصغير من جسامة الجرم في حق براءة الطفولة، وعدم الاكتراث بحقوق الضحايا.
وهنا، وجب الانتباه إلى أنه في العديد من الحالات الشاذة كهاته، لم يعد الأمر يتعلق بمعاقبة الجناة، بل بحماية المجتمع. فنحن نسمع عن ” يوم المرأة “، أو حتى عن “عيد المرأة”، كما لو أن مجرد الاحتفال بالنساء ليوم واحد يكفي لإعادة الاعتبار لهن في المجتمع. لكن عندما تُنتهك الحقوق، لا يجب فقط أن نحتفل بها، بل أن ندافع عنها!
ورغم هذه الأرقام المرعبة والإشارات الدالة، فإن العنف القائم على النوع الاجتماعي يمكن تفاديه! ونؤمن بأن التربية والتعليم يظلان أفضل وسيلة للقضاء عليه. وأن محاربة الصور النمطية يعتبر ” ورشا وطنيا ” يتعين علينا جميعا الاشتغال عليه لتصحيح المفاهيم.
التحديات مستمرة
على الرغم من هذه الجهود، لا تزال المرأة المغربية تواجه تحديات في مجالات متعددة. وفقاً لتقرير صادر عن مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان في ديسمبر 2024، يبلغ معدل البطالة لدى النساء 16.8% مقارنة بـ 10.9% لدى الرجال. كما أن 37 % من النساء يعانين من الأمية، مع ارتفاع نسبة الفقر بين النساء في المناطق القروية إلى 5 % مقارنة بـ1.7 % في المناطق الحضرية.
V – مواصلة المسيرة.. مسؤوليتنا جميعًا
يُظهر لنا التاريـخ ومسار الحركات المدافعة عن حقوق المرأة بأن الطريق حافل بالانجازات وكذلك بالانتكاسات والتراجعات. وأن الأمل معقود على رباطة الجأش والاستمرار في درب النضال الطويل من أجل تحقيق التقدم وانتزاع المزيد من الحقوق. وهو ما سيحفز ويشجع ويلهم ملايين النساء والفتيات حول العالم اللواتي يطالبن بحقهن في المساواة.
فنحن نسمع أحيانًا عن “يوم المرأة” وكأنه مناسبة للاحتفال فقط، لكن الحقيقة أن هذا اليوم هو محطة لتقييم الإنجازات، وتسليط الضوء على التحديات التي لا تزال قائمة. فالنضال من أجل حقوق المرأة ليس مهمة مقتصرة على النساء وحدهن، بل هو مسؤولية مجتمعية تتطلب وعيًا وتضامنًا مستمرين.
وأن بناء مستقبل أكثر إنصافًا يبدأ من الآن، وينطلق من سياسات أكثر شمولًا، وتشريعات أكثر إنصافًا، ومجتمع يؤمن بأن تحقيق المساواة ليس امتيازًا، بل حقًا أصيلًا لكل إنسان.
كل عام ونساء العالم أكثر قوة، وحقوقهن أكثر ترسيخًا، ومستقبلهن أكثر إشراقًا !
أضف تعليقاً