تدخل فريق التحالف الاشتراكي في المناقشة العامة لمشروع قانون المالية لسنة 2013
خصصت جلسة يوم الاثنين 24 دجنبر 2012 لمناقشة قانون المالية 2013 فكان تدخل فريق التحالف الاشتراكي في المناقشة العامة لمشروع قانون المالية لسنة 2013 بلسان المستشار عبد اللطيف أعمو على الشكل التالي:
نص تدخل فريق التحالف الاشتراكي
في المناقشة العامة لمشروع قانون المالية لسنة 2013
السيد الرئيس،
السادة الوزراء،
السيدات و السادة المستشارون،
يسعدني أتقدم أمامكم، باسم فريق التحالف الاشتراكي، بهذه المداخلة في إطار المناقشة العامة لمشروع القانون المالي لسنة 2013، للتعبير عن موقفنا ورأينا وتحليلنا لهذا المشروع.
1– منطلقاتنا في مناقشة مشروع قانون المالية
لابد في البداية أن نذكر بمنطلقاتنا في مناقشة هذا المشروع، وأول منطلق هو كوننا جزء من الأغلبية التي تتحمل أعباء السلطة التنفيذية في وضعية جد صعبة، وهو منطلق يلزمنا، سياسيا و أخلاقيا، بدعم مشروع الحكومة الذي ساهمنا في بلورته عن طريق ممثلي حزبنا، حزب التقدم و الاشتراكية ، على المستوى الحكومي، و ساهمنا في تعديله وإغنائه وتطويره على المستوى البرلماني.
و المنطلق الثاني كوننا جزء من مجلس المستشارين وبالتالي ممثلين للأمة ، وطبيعة هذه التمثيلية مرتبطة بالمساهمة في تنفيذ الديمقراطية التشاركية، وتمثيل الجماعات الترابية و الفئات السوسو/مهنية، مما يجعل من رأي مجلس المستشارين، ككل وبكل مكوناته ، مطلوب من الحكومة اعتباره، ومن المفيد لها و للبلد الأخذ به. وكل ذلك يجعل دعمنا المبدئي متكامل مع ملاحظاتنا و مقترحاتنا، كشكل آخر للدعم و المساندة، لأنها تهدف إلى إغناء مشاريع الحكومة وتطوير أدائها، و بالتالي نجاحها في مهامها، الذي نعتبره نجاحا لبلدنا، في ظل ظروف سياسية ينبغي الانتباه لصعوباتها بل ولمخاطرها.
وننطلق من جهة ثالثة من برنامج الحكومة وميثاق الأغلبية، و التساؤل حول مدى ارتباط المشروع، الذي نحن بصدد مناقشته بهذا البرنامج، ومدى تجاوبه مع ميثاق الأغلبية، من حيث مواصلة الإصلاح في إطار الاستقرار، و استمرارية الجوانب الإيجابية في السياسات العمومية، و تدارك النواقص، و تجاوز عناصر كبح التنمية و التقدم، وبشكل خاص الفساد المالي و السياسي و اقتصاد الريع..
وننطلق، أخيرا ، من كون قانون المالية أداة مهمة أساسية لتنفيذ السياسات العمومية وبرنامج الحكومة، لكنه ليس الوحيد بل يتكامل مع مبادرات و تدابير أخرى ذات طبيعة سياسية، غير متضمنة في المشروع، لكن لها تأثير أكيد على تنفيذ ما يتضمنه من مشاريع وفرضيات، سواء بالإيجاب أو السلب.
2– السياق العام : تأثيرات الأزمة العالمية و صعوبة الوضعية الاقتصادية و سياق سياسي يطرح تساؤلات.
السيد الرئيس،
لسنا بحاجة إلى التذكير بالتحولات العميقة التي عرفها المغرب، بتفاعل قوي ورزين، مع ما عرفته المنطقة العربية من انتفاضات وثورات بسبب تفاقم الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية لشعوب المنطقة، وشعورها “بحكرة” قوية لما نالها من ظلم حكامها، وسياسة الإستبداد والتحكم، واحتكار الحياة السياسية والإقتصادية، والإقصاء، وفرض أساليب ديمقراطية مشوهة.
لقد تعاملت بلادنا مع هذه التحولات برزانة وتعقل، أدى إلى وضع دستور توافقي أعاد هيكلة الدولة على أسس اللامركزية والجهوية الموسعة، ووسع من اختصاصات الحكومة واستقلالها، وعزز موقع السلطة التشريعية بسلطات واسعة، كما أسس للسلطة القضائية المستقلة، ووضع أصول الحكم الديمقراطي الذي يسمح بالتطور في ظل الملكية الديمقراطية البرلمانية، بناء على قاعدة المسؤولية والمحاسبة.
وفي ظل هذا الدستور، جرت الإستحقاقات التشريعية للسنة الماضية، والتي أفرزت الحكومة الحالية وفقا للدستور، هذه الحكومة التي تسلمت زمام السلطة التنفيذية بناء على برنامج نال تزكية البرلمان، وعلى تحالف مبني على ميثاق ملزم لأطرافها.
في هذا السياق المتطور، واحتراما لإرادة الشعب، قرر حزبنا، حزب التقدم والإشتراكية، بدون تردد، المشاركة في الحكومة الحالية للدفاع عن برنامجه بتوافق مع المكونات الأخرى لتحالف الأغلبية، ومن أجل إنجاح مرحلة الإصلاحات وتطويرها وتقدمها، في اتجاه عقلنة التدبير الحكومي، وإرساء قواعد الحوار والنقد الخلاق. كل ذلك من أجل إعطاء الوضعية الإجتماعية الأولوية، ولأوضاع الطبقات الشعبية الكادحة والمحرومين الأسبقية، لضمان خلق انسجام اجتماعي واسع، والدفع نحو تحقيق أكبر قدر ممكن من العدالة الإجتماعية والحد من الفوارق المجالية والترابية، مقتنعين بأن السبيل الوحيد هو محاربة الفساد واقتصاد الريع وهدم قلاعه وتفتيت مراكزه، ورفع الحجر والوصاية على المجتمع، من اجل خلق جو من التكافل واحترام المواطن وحرياته، وترسيخ المساواة بين الرجال والنساء في أفق المناصفة.
في ظل هذه الأجواء، هيأت الحكومة القانون المالي، الذي نناقشه اليوم، كتعاقد بين الحكومة والمجتمع، وتعاقد للتعاون مع السلطة التشريعية والبرلمانيين وكل الفاعلين داخل المجتمع وكل القوى الحية في البلاد.
هذه الوثيقة التي هيات في ظروف اقتصادية واجتماعية جد صعبة ومؤثرة، بارتباط مع الظرفية الدولية، بسبب ارتباط اقتصادنا بمسألة التقلبات المناخية وتفاقم الأزمة العالمية، وبالخصوص اتجاه الدول التي تربطنا بها علاقات اقتصادية منذ القدم، وتؤثر بشكل مباشر على اقتصادنا الوطني، مثل دول الإتحاد الأوربي.
هذا الوضع زاد في عجز الميزانية والعجز التجاري وكذلك عجز في ميزان الأداءات، مما أدى إلى صعوبة التحكم في المؤشرات، وعدم استقرارها، إضافة إلى ما تعرفه الأسواق الدولية من عدم استقرار و ارتفاع الأثمان، خاصة فيما يتعلق بالمواد الأساسية، كالنفط والحبوب.
هذا الوضع يتطلب قدرا كبيرا من اليقظة والاجتهاد والتحليل، للبحث عن نموذج ملائم يضمن الإستمرارية في الأوراش الإصلاحية، وتعزيز الإستقرار، وخلق ديناميكية تشاركية تعزز الثقة والآمال لدى الجميع، خصوصا وأن بلادنا في تجربة جديدة جديرة بالحماية والدعم لضمان نجاحها. ونعتقد أن مشروع الحكومة يسير في هذا الإتجاه.
ونلاحظ أن هناك من يسعى إلى التقليل من أهمية هذا المشروع وطابعه المتجدد إلى درجة التبخيس والاستهتار، لأنه يمس بعض المواقع لدى فئة معينة، في الوقت الذي كان من الواجب أن تذهب بعيدا لتشمل مواقع أقوى، كتضريب الثروات، وقلاع الريع العقاري والخدماتي، حيث أن بعض المؤشرات السلبية في المدة الأخيرة توحي بالرغبة في العودة إلى الغموض، وتمييع المشهد السياسي، كما كان الشأن قبل خطاب 9 مارس التاريخي لجلالة الملك محمد السادس،الذي أدخل المغرب في مسار جديد مكنه من تجنب عدم الاستقرار وتطورات يصعب التحكم في مسارها…
لقد نادينا في حزب التقدم والإشتراكية، قبل هذه اللحظة المفصلية في تاريخ بلدنا السياسي وبعدها، إلى ضرورة إرساء حياة سياسية سليمة، وتحكيم الإرادة الشعبية و القواعد الديمقراطية في العمل السياسي، بعيدا عن التحكم، وعن المناورات السياسية التي لم تعد مجدية مع تطور الوعي السياسي لشعبنا، وعن صناعة خرائط سياسية، ، وصناعة أحزاب وزعامات وهمية. المفروض أننا تجاوزنا هذه المرحلة، مرحلة الغموض و التمييع، و أننا ننتقل إلى تنافس برامج ومشاريع سياسية واضحة ومعلن عنها، مشاريع تنفذ في أجواء سليمة و حسب ما يحدده الدستور الجديد، إن كانت مشاريع الأغلبية، أو مشاريع تحمل بدائل وبرامج مضادة، واضحة، ويتم الدفاع عنها بالوسائل السياسية، في جو سياسي سليم، في جهة المعارضة…
إلا أننا مع الأسف نلاحظ تزايد مظاهر الشعبوية، و المزايدات، والإرتجال في العملية السياسية، وهو ما قد يعرقل نجاعة الحكامة السياسية سواء لدى الأغلبية أو المعارضة.
إننا نخشى، بناء على بعض المؤشرات، أن يكون البعض قد اعتقد أن الظروف التي أنتجت دستور جديد ومتقدم، وحكومة ذات مصداقية وسند شعبي ،قد انتفت، ومن ثمة عودة حليمة إلى عاداتها القديمة كما يقال… إننا ننبه إلى أن وطننا يواجه إكراهات و تحديات حقيقية. فتأزم الوضع الاقتصادي و الاحتقان الاجتماعي سوف لن يستفيد منه أحد، ومواجهة هذه التحديات تتطلب وعيا بخطورتها على مستقبل بلدنا، ونضجا، وممارسة سياسية جادة و مسؤولة. ونذكر أن قضيتنا الوطنية الأولى تحتاج، لمواجهة المناورات المتجددة، إلى استقرار سياسي، واقتصاد قوي، وتماسك اجتماعي فعلي ، كما تحتاج إلى نخب سياسية تضع مصلحة الوطن فوق الاعتبارات الحزبية الصغيرة، ونخب خلاقة غير أنانية مستعدة لدعم المجهود الوطني، لضمان الاستقرار و قوة الجبهة الداخلية…
و بارتباط مع ما سبق، نعتقد أن السياق السياسي العام لمشروع قانون المالية، يتميز كذلك بمقاومة وشك، مقاومة شرسة أحيانا، وشك يستهدف النيل من الثقة في علاقة الحكومة بالمواطنين، ويستهدف الإصلاحات التي تتجه لدعم الطبقات الفقيرة وإصلاح المجتمع، وإصلاح التفاوتات داخله . فقوى الفساد لم تستسلم لإرادة الإصلاح، و تقاوم بمختلف الأشكال الممكنة، سياسية و إعلامية و حتى اجتماعية، كل المبادرات الحكومية لمحاربة الفساد و الريع. وما يعرفه قطاعا النقل و الصحة، كمثالين، من تدابير جريئة، يعبر عن مدى شراسة هذه المقاومة. وعلى الحكومة أن لا تستسلم للوبيات الفساد و الريع، وأن لا تنشغل بالمعارك الصغيرة و المصطنعة، و أن تواصل عملها وتنفذ مشروعها المتمحور حول محاربة الفساد و الريع، و حول العدالة الاجتماعية و خدمة أوسع فئات الشعب المغربي.. نحن ندعم الحكومة لهذا السبب بالذات، و الشعب يساندها لتوجهها الإصلاحي،وجلالة الملك يثق بها وفي قدرتها على ضمان الاستقرار السياسي والاجتماعي، الذي يحتاج إليه الجميع في هذه الظروف التي يعرفها وطننا و المنطقة التي ننتمي إليها…
أيتها السيدات و السادة،
ونحن نناقش مشروع قانون المالية لسنة 2013 لابد كذلك أن نسجل قدرة الحكومة على تنشيط الحوار السياسي داخل قبة البرلمان الذي أعطته قيمة و أهمية ، حوار حقيقي عبر عنه تجاوب الحكومة مع مقترحات التعديلات التي تقدمت بها الفرق البرلمانية، أغلبية و معارضة، وتبنيها لعدد هام من هذه التعديلات، في إطار مقاربة تشاركية لإقرار قانون المالية.
إنها مقاربة نريدها أن تتعمق عبر قانون تنظيمي جديد للمالية، يجعل الحوار الحكومي/ البرلماني أكثر فائدة و قدرة على إغناء مشاريع قوانين المالية.وفي هذا الإطار نسجل المجهود الكبير الذي بذلته الحكومة على مستوى إمداد البرلمان بوثائق وتقارير مصاحبة،وإن كان الزمن المتاح للمناقشة لا يسمح بدراسة عميقة لكل هذه الوثائق، وهو ما نتمنى أن يتجاوزه القانون التنظيمي الجديد للمالية.
3– ميزانية إرادية تفاؤلية و تضامنية.
إننا، أيها السيدات و السادة، أمام ميزانية إرادية و تفاؤلية، إنه مشروع يعبر عن اختيار سياسي، عبرت عنه الحكومة بالاختيار الثالث. فهي ليست ميزانية تقشفية ، رغم صعوبة الوضعية الاقتصادية و المالية دوليا و وطنيا، فلم تلجأ الحكومة إلى تخفيض الأجور و المس المباشر بالقدرة الشرائية للمواطنين، و لا إلى تخفيض الإنفاق العمومي بالقدر الذي يؤثر على أدائها، كما قامت به بعض البلدان لمواجهة تداعيات الأزمة. كما أنها ليست ميزانية إنفاقية قد تخلف أثارا وخيمة على مستقبل الاقتصاد الوطني، ولا هي ميزانية انتقالية لما سبقها من مجهودات إعدادية خلال السنة الحالية 2012. إنها في نظرنا ميزانية تضامنية متفائلة، ويحضر فيها الهاجس الاجتماعي بوضوح، خاصة من خلال صناديق التضامن والتماسك الاجتماعي. إنه توجه ندعمه بقوة، لأننا نجد أن الانشغال بالفئات الاجتماعية الفقيرة و السير في اتجاه إعادة توزيع الثروات الوطنية لضمان حد أدنى من العدالة الاجتماعية، هو من صميم هويتنا الفكرية و السياسية. ومهما تكن درجة تأثير هذه الصناديق وبرامج أخرى مشابهة ، فإن الحكومة تعبر عن توجهها الاجتماعي، و نأمل أن تستمر في هذا الأفق من خلال إصلاح عميق لصندوق المقاصة، وهو ما وعدت به، ليقوم بدوره التضامني بنجاعة .
ونسجل ضمن هذا الانشغال، ما تم رصده للعالم القروي، وما تقوم به الحكومة من إصلاح لقطاع الصحة لتوفير الخدمات الصحية ذات جودة لكل الشعب، و إرادة إصلاح قطاع التعليم كما ونوعا، وحضور هاجس الجودة ورد الاعتبار للمدرسة العمومية. كما أن المشروع يتضمن تدابير ذات طبيعة اجتماعية في قطاع السكن، سواء من خلال دعم البرامج القائمة المتعلقة بمدن الصفيح و السكن الاجتماعي، أومن خلال المنتوج الجديد المتعلق بالفئات الوسطى، و الاهتمام بوضعية المدن العتيقة.
وحتى تتمكن الحكومة من السير قدما في هذا التوجه الاجتماعي فإنها بحاجة إلى موارد مالية، وهو ما يقتضي مراجعة شاملة للسياسة الجبائية حتى تساهم الفئات الغنية في المجهود الوطني، ونذكر بالخصوص ضرورة تضريب الفلاحة التجارية، ومواد الترف، وتخفيف العبء الضريبي على الفئات الضعيفة. فينبغي أخذ الموارد حيث توجد، وبوفرة.
وبهذا الخصوص فإننا ندعو إلى وقف ما نعتبره ” هدايا جبائية” التي تتم على شكل دعم أو إعفاءات أو تسهيلات، دون ربطها بالمردودية. لابد من وقفة لتقييم نتائج هذه ” الهدايا”، و ما فائدتها للاقتصاد و المجتمع، ليتم الاحتفاظ بالإعفاءات ذات المردودية الاقتصادية و الاجتماعية، و إلغاء الدعم و التسهيلات ذات الطابع الريعي و المكلفة، عمليا، لخزينة الدولة دون جدوى .
ونسجل أن الحكومة اتخذت عددا من التدابير لترشيد النفقات خاصة من خلال مراجعة نمط حياة الإدارة. إنها تدابير لابد من ضمان تطبيقها من طرف كل المصالح الإدارية مركزيا ومحليا، مما يتطلب المتابعة و المراقبة الجدية، لكن دون أن يؤثر ذلك على السير العادي لهذه المصالح..
ومجال الصفقات العمومية مجال آخر لتبذير المال العام، بل و أحيانا مصدر للريع والربح السريع. وإذ نسجل وعي الحكومة بذلك من خلال تدابير و إرادة في الإصلاح في هذا الجانب لحماية المال العام، فإننا ندعوها إلى اعتماد معايير لتقييم التكاليف الفعلية للمشاريع المعروضة للإنجاز، وتحديد حد أدنى وحد أقصى لأثمان مشتريات الدولة، وهي تعد بالملايير، علما أن المساطر الحالية تسمح بتحمل الدولة لتكاليف ضخمة بالإمكان التخفيض منها. ونسجل بهذا الخصوص توجه الحكومة نحو الشفافية في مجال الصفقات العمومية، وتخصيص نسبة منها للمقاولات الصغيرة أو الناشئة، وهذا من شأنه أن ينهي الاحتكار الفعلي، ويفتح باب المنافسة لتلقي عروض أفضل، إضافة إلى دعم المقاولات المتوسطة والصغيرة، و التي يتضمن هذا المشروع تدابير إيجابية بخصوصها ستسمح بتطوير حيوية النسيج الاقتصادي و تنويعه…
ونلمس في المشروع مقاربة جديدة للاستثمار من خلال مفهوم جديد للاستثمارات العمومية، وربطها بالمردودية من جهة، وتشجيع الشراكة بين القطاعين العام و الخاص من جهة أخرى. ورغم صعوبة الوضعية الاقتصادية فإن مجهود الاستثمار العمومي مستمر، رغم انخفاضه النسبي في هذا المشروع مقارنة مع ميزانية السنة الجارية. فالأوراش الكبرى المهيكلة مستمرة، بل ويتم دعمها بأوراش جديدة ، وننوه بهذا الخصوص بالإستراتيجية الجديدة للموانئ التي عرضها السيد وزير التجهيز و النقل أمام أنظار جلالة الملك مؤخرا بالناظور، وضمنها ميناء الناظور غرب المتوسط كمشروع ضخم وإستراتيجي، لسنا بحاجة إلى تأكيد أهميته في الاقتصاد الوطني لكن كذلك أهميته في التنمية الجهوية….
غير أنه لابد أن نثير ، مرة أخرى، مشكلة نسبة إنجاز التي لا تتعدى 60% أحيانا، و 70% في أحسن الحالات، مما يجعل الاعتمادات الفعلية للاستثمار غير حقيقية على أرض الواقع ..
5– ملاحظات ومقترحات
السيد الرئيس
هذه بعض الملامح الإيجابية التي تجعلنا نطمئن على جدية الحكومة و سياساتها العمومية، المنسجمة مع برنامجها و التزاماتها الواضحة بالإصلاح، وتجعل موقفنا المساند مبني على أسس ومعطيات ملموسة، في ظل غياب مشروع بديل سياسيا و اقتصاديا واجتماعيا، مشروع فعلي و ليس مجرد شعارات للإستهلاك و المزايدة..
غير أن دعمنا للمشروع لا يعني أنه يحقق كل طموحاتنا، بل وحتى طموحات الحكومة نفسها. و حرصا على تطوير أداء الحكومة لتكون أكثر جدارة بالثقة و المساندة الشعبية، فإن لدينا ملاحظات نرى فائدة في الإدلاء بها، من باب المساندة.
فإضافة إلى ما ورد سابقا في ثنايا هذه المداخلة من ملاحظات و اقتراحات تخص بعض المجالات ، فإننا نؤكد على بعض الملاحظات التي نأمل أن تأخذها الحكومة بعين الاعتبار عند إعدادها لمشروع الميزانية المقبلة، وهي ميزانية نريدها أن تكون ميزانية إقلاع، ونعتبر أن المشروع الحالي يتضمن مبادرات تهيئ لذلك.
ونريد أن تأتينا الحكومة في السنة المقبلة بوثيقة تقييم للإعفاءات الضريبية، و النتائج المترتبة عنها ماليا و اقتصاديا و اجتماعيا، وكذلك إلى تقديم تقارير حول ظروف إنجاز وتنفيذ جميع عمليات الخوصصة التي عرفها المغرب منذ سنة 1999 إلى سنة 2011، وتقييم مدى مساهمتها في هيكلة وتقوية الاقتصاد الوطني،وجدواها ومردوديتها، وإيجابياتها وإخفاقاتها.
كما نؤكد على ضرورة أخذ ورش الجهوية بعين الاعتبار في التوزيع الجهوي للاستثمار ، حيث لا نرى في المشروع الحالي مؤشرات على هذا المستوى، بل وجدنا أن جهات محدودة تستحوذ على النصيب الأكبر من إعتمادات الاستثمار، وجهات توقف فيها الاستثمار العمومي بشكل كامل. فما ننتظره من الحكومة، في مشروعها المقبل، هو تنزيل الميزانية جهويا، ومراعاة جانب الإنصاف و العدالة في التوزيع الجهوي للاستثمارات العمومية، وفي هذا الإطار نعتبر أن 30%، يجب أن تذهب للجماعات المحلية لأنها مأخوذة من حقوقها على مستوى الضرائب.
كما ندعو الحكومة إلى اتخاذ مبادرات ومساطر جديدة بخصوص تنفيذ المشاريع الاستثمارية لتجاوز التأخر وضعف نسبة الإنجاز، و العمل على رفع هذه النسبة إلى 80% على الأقل، علما أن هناك قطاعات حكومية، أكثر تنظيما و تأطيرا، تنفذ بشبه كامل، إن لم يكن كاملا، ما خصص لها من إعتمادات.
ندعو الحكومة، كذلك، إلى مراجعة توجهات و أهداف مخطط المغرب الأخضر، وربطه بالأمن الغذائي بالدرجة الأولى، بالنظر إلى الصعوبات التي يمكن أن نواجهها مستقبلا بخصوص توفير المواد الغذائية الأساسية، اعتبارا للارتفاعات التي تعرفها أثمان هذه المواد في السوق العالمية، و للتقلبات المناخية التي تعرفها بلادنا، مما يفرض تغيير التوجه من التركيز على دعم الفلاحة الموجهة للتصدير إلى إعطاء الأهمية القصوى للمواد الغذائية، خاصة الحبوب و السكر و المنتوجات المستعملة في إنتاج الزيوت، وغيرها من المواد….
وفي الأخير لابد أن نؤكد على أولوية محاربة الفساد و اقتصاد الريع. ونحن نسجل المبادرات و التدابير الحكومية بهذا الخصوص، خاصة ما يتعلق باعتماد دفاتر التحملات، وإرادة مراجعة مساطر الصفقات العمومية، وترشيد النفقات. لابد من دعم هذا التوجه بالمرور إلى الفعل، فالفساد والريع ينخر جسم الدولة على كل المستويات، وغير محصور في الرخص بكل أشكالها، بل يشمل مجالات متعددة لابد أن تشملها سياسة محاربة الفساد والريع و تخليق الحياة العامة.
وندعو الحكومة إلى التعامل الإيجابي مع تقارير المجلس الاقتصادي و الاجتماعي، والمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، ومجالس الحكامة: مجلس المنافسة، مجلس الوقاية من الرشوة،المجلس الأعلى للحسابات. والعمل على تنفيذ توصياتها ومتابعة تقاريرها بتدابير و إجراءات حسب الحالات.
وعلى الحكومة ، كذلك ، أن تتجاوز الترددات و الإنتظارية على مستوى الشروع في بعض الإصلاحات الكبرى، مثل إصلاح صندوق المقاصة، وصناديق التقاعد، والقضاء والإدارة و النظام الجبائي…
لقد تأخرنا كثيرا بسبب الإنتظارية و التردد، وقد آن الأوان، مع حكومة سياسية بصلاحيات دستورية واضحة وسند شعبي، وبكفاءات وطنية مخلصة لقضايا الوطن والشعب ، آن الأوان أن يبدأ جيل جديد من الإصلاحات الكبرى التي انتظرناها، و انتظرها شعبنا عقودا من الزمان.
السيد الرئيس
تلك بعض المواقف و الآراء و المقترحات التي ارتأينا المساهمة بها في هذا النقاش حول مشروع قانون المالية لسنة 2012، مؤكدين، مرة أخرى، على دعمنا لهذا المشروع المعبر عن اختيارات و توجهات ّإصلاحية دافعنا عنها منذ سنين، داخل البرلمان وخارجه.
شكرا على انتباهكم
أضف تعليقاً