?>

ميزانية وزارات العدل وحقوق الإنسان والإصلاح الإداري ماي 2010

3

لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان

مداخلة فريق التجديد والتقدم الديمقراطي حــــــــــــول

في إطار مناقشة مشاريع  الميزانيات القطاعية  لمشروع القانون المالي للفترة الممتدة من فاتح يوليوز إلى 31 دجنبر2001 تدخل الرفيق عبد اللطيف أعمو باسم فريق التجديد والتقدم الديقراطي أثناء مناقشة مشاريع ميزانيات قطاعات لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان لعرض رأي الفريق. وفيما يلي النص الكامل لتدخل ذ.أعمو.

إن تتبع مسار تنفيذ الإصلاحات الواردة في التصريح الحكومي من خلال القوانين المالية منذ سنة 1998 إلى الآن يسمح بملاحظة أن السمة البارزة للقانون المالي الذي نحن بصدده يتجلى في الإرتباط بالعهد الجديد وما يحمله من مؤشرات تتقاطع في تجلياتها السياسية والإقتصادية الظرفية منها والعامة باسقاطاتها على الجانب الإجتماعي الذي يحظى بكامل الإهتمام والعناية مع إعتماد  مرجعية جديدة  بالإرتباط مع المخطط الخماسي للتنمية.

وفي هذا الإطار يمكن فهم حرص الحكومة على الإستمرار في سياسة ضبط التوازنات لتحسين الأداء الإقتصادي في ظل الإكراهات الظرفية الصعبة وبالخصوص التي لها علاقة باستمرار ظاهرة الجفاف وارتفاع كلفة الطاقة وتقلبات أسعار العملة .

– I – ومن خلال نفس المسار، تبقى مع ذلك أوراش الإصلاحات الكبرى دون مستوى الطموحات ومتطلبات العهد الجديد .  فعلى مستوى التزام الحكومة بالعمل على تخليق الحياة العامة, يبدو أن الأزمة المعنوية التي تخنق المجتمع وتحد من عمل آلياته مازالت تتفاقم، رغم ما عرفه المغرب خلال هذه المدة من انتعاش ديمقراطي ملحوظ في اتجاه دولة المؤسسات : فما زال ثقل الفوارق الإجتماعية وتزايد الفقر وانتشار البطالة والأمية يسحق المجتمع، وما زال التهميش والإقصاء يحكم عمل الطبقات السياسية وأحزابها .  وتعد الإنتخابات التي عرفها المغرب في المدة الأخيرة برهانا ساطعا على مدى الإنحطاط والتسيب وانحدار القيم الأخلاقية والمساومة في الضمائر والكرامة والحريات .

لقد كان رد فعل صاحب الجلالة في خطابه الإفتتاحي للسنة التشريعية الحالية واضحا ومؤثرا يدعو الجميع  لتحمل مسؤولياته. فهل هيأت الحكومة وسائل لترسيخ معاني هذا الخطاب الملكي وترجمته إلى إجراءات فعلية جادة ؟

إن فريقنا أصبح يرى أنه لو أعطيت الأولوية للإصلاحات الكبرى لما تعقدت الأزمة ووصلت إلى ما هي عليه اليوم. وما زلنا حتى هذه اللحظة نسمع عن الأجواء والحسابات التي أحاطت  بإنتخاب رؤساء الجهات .

وفي نظرنا، فإن الأمر يتطلب إحداث رجة شجاعة  قادرة على تعبئة كل مكونات المجتمع وعلى اختراق مكامن الضغط ومقاومة التغيير، وهو ما يقتضي كذلك بجانب ضرورة التسريع بوضع آليات التشريع من قوانين جديدة  للإنتخابات وقانون الحريات العامة وميثاق الجماعات المحلية وإخراجها إلى حيز الوجود، مع  وضع آليات جديدة للمراقبة وتنشيط الآلة القضائية برجال أكفاء  نزهاء  مستقلين وبالأدوات الكافية .

كما أن الأمر يتطلب إعطاء بعد جديد لعمل وزارة حقوق الإنسان نحو العناية بالحقوق الإجتماعية والإقتصادية للمواطنين ونشر ثقافة الوعي بها ضمن البرامج الوطنية للتربية على حقوق الإنسان وبتنسيق وانسجام مع الميثاق الوطني للتربية والتكوين، وتوظيف ما تحقق خلال السنوات الأخيرة من تقدم ومن تراكم إيجابي في مجال الحقوق السياسية والحريات العامة .

ويتعين التذكير هنا بمسار تسوية مخلفات الماضي وما ترتب على الإختفاء القسري والإعتقال والتعذيب من آثار وخيمة على الحرية والكرامة والإعتبار يتطلب تسويتها وتصفيتها شجاعة أدبية تضمن رد الإعتبار وإذكاء ذاكرة الأمة وتاريخها كحصيلة لحصانة قيم النضال واستمرارها، وذلك بإعلان الحقيقة وتقرير المؤسسات بجانب التعويض للضحايا .

كما يجب التذكير بواجب اعتبار المرأة ككيان يتمتع بكامل المساواة والقدرات وواجب إدماجها في التنمية بجميع مقوماتها المادية والمعنوية، وهو ما يتطلب إخراج الخطة الوطنية لإدماج المرأة إلى حيز التنفيذ وإعمال الإتفاقية الدولية المتعلقة بمناهضة كافة أشكال التمييز ضد النساء التي صادق عليها المغرب .

– II –يعد الإصلاح الإداري من أهم الأوراش الكبرى التي يجب أن تحظى بالأولوية لدى الحكومة، غير أنه لا بد من التذكير بأن هذا الإصلاح يجب ألا ينحصر في تتبع سلاليم الوظيفة العمومية ولوائح وحركات موظفيها، وإنما هو ضرورة تطوير الإدارة باعتبارها العمود الفقري لمؤسسة الدولة بكاملها.  وهو ما يقتضي في ظروف الإقلاع التي يعيشها المغرب حاليا إعادة هيكلة جهاز الدولة بجميع مكوناته لكي ينسجم مع متطلبات المهام المستعجلة لدور الإدارة في التنمية وخدمة المواطن، وما يقتضيه تجديد وظائف الدولة كقاطرة دافعة لنمو البلاد وانسجام المجتمع وتطويره بإشراك الفاعلين .

لقد أعدت الحكومة، حسب ما جاء في تقرير السيد وزير الوظيفة العمومية والإصلاح الإداري ما يقرب من ثلاثين  نصا تشريعيا و تنظيميا في إطار عملية الإصلاح، إلا أننا نخاف أن تؤدي كثرة القوانين وتعقيدها إلى انتشار البطء والتعدد والفساد الذي يطبع الإجراءات الإدارية. لذلك فإن على الحكومة واجب فرض احترام أدبيات المهنة والإشراف على حركته الإدارية وتتبع سيرها ومراقبة التسيير عن طريق حملات تفتيشية مستديمة صارمة ونزيهة وتفادي تعدد الإجراءات والمكاتب. كما أن من واجبها التصدي بالتدخل لمواجهة سلوكات من قبيل الإرتشاء وعدم الإستقامة .

ومن جانب آخر، فإن على الحكومة أن تضمن للجميع الإستفادة من الخدمات التي تمنحها الإدارة وبشكل عادل ومنصف.  وفي نفس الوقت، فإن من واجبها قلع جذور أكبر شر للإدارة ألا وهو البيروقراطية – حسب تعبير المغفور له جلالة الملك الحسن الثاني- وهي التي تقف حاجزا مانعا في طريق العمل الخلاق وتعرقل المبادرة وتحد من العزائم وتولد الإحباط .

إن الإصلاحات الجزئية والتدابير التي اتخذتها الحكومة أو التي ستقبل على اتخاذها ستبقى محدودة وربما غير مجدية إذا لم تصاحبها تدابير حازمة وإجراءات عمودية خارقة لمواطن الخلل وأسبابه، وهو ما يتطلب إيجاد صيغ جديدة لتفعيل ميثاق حسن التدبير، حتى يستشعر المواطن مكانته الإعتبارية والرقي بالإدارة إلى مستوى دولة المقاولة القاطرة كإطار مؤسساتي لتنفيذ البرامج السياسية والإقتصادية المهيأة، وتعتمد في أدائها على معيار المسؤولية الشخصية والدرجة العليا من الإحترافية والمهنية بجانب الخبرة والإستحقاق، مع استحدات آليات الضبط والتقييم المستمر على غرار الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات، ووضع مخطط لإدماج عمل الإدارة في وظيفة شمولية للإدارة العمومية .

– III –الكل يعلم أن إصلاح الإدارة هو مسلسل طويل وشاق ومرتبط أشد الإرتباط  بإصلاح القضاء وترسيخ الممارسة الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان.

لا يمكن لأي ذي رأي موضوعي أن ينكر المجهودات المبذولة خلال السنوات الثلاث الماضية من طرف السيد وزير العدل والأطر المحيطة به، وما تحقق خلالها من منجزات، تكفي على رأسها الشجاعة في فتح مسألة المؤسسة القضائية للحوار العام والتمحيص التقني بجميع أبعادها الحضارية والتقليدية وجدورها وارتباطاتها التاريخية والدينية والمؤسساتية،  في أفق تحديثها وعصرنة أدائها كأداة تنموية تتناغم مع محيطها السياسي والإقتصادي، وكمؤسسة  ضامنة للحقوق والحريات وضابطة للمصالح والتوازنات في ظل القانون والمشروعية.

إلا أنه رغم ذلك، فإن مسألة إصلاح القضاء ما زالت مطروحة وبإلحاح من طرف كل مكونات المجتمع، ونسجل أن كل ما أنجز إلى حد الآن لا يتعدى حدود هيكلة الإدارة المركزية وتنظيمها, وإحداث بعض المحاكم وتحسين بعض البنايات وإضافة بعض التجهيزات وبداية مشوار التكوين والتأهيل وخلق بعض فضاءات التواصل .

أما الإصلاحات التي تستهدف المؤسسة القضائية ووظائفها المتعددة وخدماتها النزيهة والعادلة كمؤسسة مستقلة عن الجهاز التنفيذي بفضائها الجذاب والمغذي لانتعاش ثقة المواطن وتجسيد سمو العدالة وقدسيتها بأحكامها المنصفة والعادلة والبعيدة كل البعد عن مراكز التأثير السياسي والإقتصادي وصراع المصالح في مراكز النفوذ .

هذا الإصلاح المنشود لم تظهر بوادره  بعد بالنظر إلى الحالة الراهنة  للمؤسسة القضائية التي تشكو من غياب الإستقلال الفعلي والحقيقي لها ولقضاتها، والتي تنهكها مختلف أشكال الفساد والإرتشاء، زيادة على استمرار إهمالها وتزايد ارتفاع درجة الخوف الإداري لدى القضاة .

إن استمرار هذه الوضعية أفرز مفارقة بين ثبوت الإرادة السياسية لدى الحكومة للإصلاح استجابة لرغبة جلالة الملك وعجزها بوسائل وإجراءات جريئة ونافذة قادرة على رفع هذه المفارقة .

وهذا ما يرجح استمرار غياب أي إصلاح لدى الرأي العام ويحرم في نفس الوقت الحكومة والمواطنين على حد سواء من الإستفادة من ثمار المجهود المبذول  حتى الآن، ويعطل مسار الرقي بالتكوين القانوني إلى مستوى الفكر القضائي المهني الخلاق الذي يعد دعامة للتنمية بجانب التشريع والقانون .

ومن شأن استمرار حالة المؤسسة القضائية وحالة قضاتها وكل المتدخلين في عملية صنع العدالة على ما هي عليه، التشكيك في سلامة مخطط الإصلاح الذي اعتمدته الحكومة. لذلك نعتقد أنه حان الوقت إلى المبادرة بتعزيز هذا المخطط بإصلاح دستوري ينص على وجوب استقلال القضاء كسلطة عن السلطتين التنفيذية والتشريعية مع وجوب التنصيص على أن استقلال القضاة وحصانتهم ضمانتان أساسيتان لحماية الحقوق والحريات، وأن المحاكم هي التي تتولى السلطة القضائية على اختلاف درجاتها وتصدر أحكامها وفق القانون .

وما يجعلنا نؤكد على هذا الجانب هو كون الوضع الراهن لا يخلو من إحراج بين في العلاقة القائمة حاليا بين السلطتين التشريعية والقضائية إلى درجة التشابك والتعانت في بعض الأحيان غالبا ما تكون آثاره سلبية على حساب الخدمات الصحيحة والمستقيمة للعدالة وعلى حساب المصلحة العامة ومصلحة المواطن، وتزيد من الصعوبة في تحديد المسؤوليات. في الوقت الذي كان على الحكومة أن تبادر إلى تنقية الأجواء وتطهير المؤسسة القضائية وتأهيلها أخلاقيا، لكي تلعب دورها الكامل في تخليق الحياة العامة وحماية الحقوق والحريات .

إن بقاء هذه العلاقة تحكمها ضوابط غير واضحة من شأنها تعريض الجهود المبذولة إلى المزيد من البطء والتعطل. كما سيستعصي معها إعمال مبدإ استقلال القضاء بمفهومه الدستوري واستمرار تعريضه إلى المزايدات، وكثيرا ما تؤدي إلى إفراغه من مضمونه الحقيقي .

أما الإجراءات التشريعية المتخذة إلى حد الآن، فإنها ستبقى في نظرنا جزئية، وهي في طبيعتها ما زالت في حدود الملامسة الهيكلية للإصلاح، وما تقتضيه ضرورة الملائمة. أما الإجراءات الأخرى، كالمبادرة إلى وضع القانون الداخلي لعمل مؤسسة المجلس الأعلى للقضاء، فإنه رغم أهمية هذا الإجراء يظهر أنه سيبقى غير كاف لتسريع وثيرة الإصلاح والتخليق أمام حدة الأزمة التي تخنق نشاط هذه المؤسسة، والكيفية التي تكونت  بها وتعمل بها حتى الآن.

إن دوام كثير من هذه المفارقات سيجعل- بالتأكيد- من الصعب ترقب إنجاز الإصلاح الجوهري للمؤسسة القضائية على الأقل في الأمد المتوسط.

وما عبر عنه الرأي العام والمواطنون في المدة الأخيرة، ومن خلال الإستجوابات والتساؤلات الموجهة إلى السيد وزير العدل خلال البرنامج التلفزيوني الذي بثته القناة الأولى في الأسبوع الماضي لدليل على أن المواطن المغربي لم يستشعر بعد في حياته أي تغيير جوهري في المؤسسة القضائية، وفي سلوكها وخدماتها، ولم يعبر بعد عن ثقته فيها .

إن الإصلاح الذي وعدت به الحكومة الشعب المغربي في تصريحها أمام البرلمان هو إصلاح يرمي إلى رد الإعتبار للقضاء كسلطة مستقلة بسمعته ومكانته وهبته، وكقضاء قويم متخلق قوي باستقلاله وحصانته الدستورية وبآليات جادة لضمان استمرارية ودوام مقوماته وأدائه النوعي والعادل والحازم في تنفيذ مقرراته.

هذا الإصلاح، ما زال في نظر البعض بعيد المنال، لأسباب ما زالت غامضة، الشئ الذي يتطلب الإفصاح للرأي العام عن الأسباب الحقيقية، حتى لا يبقى مجهود الحكومة دون المردودية المتوخاة .

وفي نظرنا، فإنه لا يجوز أن يبقى هناك أي عذر لتأخير إصلاح القضاء أو إخضاعه إلى وثيرة لا تنسجم مع طموحات البلاد والرهانات التي تخوضها. وعلى الأقل توسيع شمولية الإصلاح ليشمل المرفق المؤسساتي للعملية القضائية .

فعلى الحكومة أن تبادر وباستعجال إلى اقتحام هذا الورش من بابه الواسع، انسجاما مع رغبة المواطنين والمجتمع، بكل مؤسساته ومقاولاته. وما يتطلب ذلك من إجراءات وتدابير جريئة للحماية والتقويم والتخليق والرفع من المستوى المادي والمعنوي لرجال القضاء، وإقرار دور السلطة القضائية واستقلالها وحصانتها دستوريا، وتقنين ذلك تقنينا شموليا واضحا، يخرج السلطة القضائية من كل البدع والأوهام، ويعترف لها بالوجود كسلطة قائمة الذات و مستقلة عن باقي السلطات.

ونظن أن ذلك ليس على الحكومة بعزيز، وهي تعمل في ظل العهد الجديد  بقيادة  ملك شاب يتميز بطموح ديمقراطي واجتماعي واضح، أقدم على خطوات جريئة وإشارات قوية نحو تحديث المجتمع وتقوية دولة المؤسسات، وفي ظلها  تصدر الأحكام القضائية وتنفذ  باسمه.

وشكرا.









الرجاء من السادة القراء ومتصفحي الموقع الالتزام بفضيلة الحوار وآداب وقواعد النقاش عند كتابة ردودهم وتعليقاتهم. وتجنب استعمال الكلمات النابية وتلك الخادشة للحياء أو المحطة للكرامة الإنسانية، فكيفما كان الخلاف في الرأي يجب أن يسود الاحترام بين الجميع.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

الموقع الرسمي للمستشار البرلماني عبداللطيف أعمو © www.ouammou.net © 2012