مناقشة ميزانية وزارة العدل باسم فريق التجديد والتقدم الديمقراطي للسنة المالية 1998 – 1999
قطاع القضاء في حاجة إلى تضافر الجهود ليضطلع برسالته كسلطة ساهرة على احترام القانون وسيادته.
السيد الرئيس،
السادة الوزراء،
السيدات والسادة النواب،
اسمحوا لي قبل أن أبدي وجهة نظر فريق التجديد والتقدم الديمقراطي أن أعرب للسيد وزير العدل وجميع الاطر المساعدة له عن التقرير الخاص على ما ابدوه من حنكة وشجاعة امام لجنةالعدل والتشريع وتحملهم حدة مناقشة اوصاع القضاء والعدل ببلادنا خلال أربع جلسات تجاوزت مجة كل واحدة منها أربع ساعات.
كما أغتنمها فرصة لأحيي من هذا المنبر كل القضاة النزهاء المخلصين الذين ما لبثوا يدافعون عن مشعل العدل والانصاف وتحمل بعضهم ثمن الدفاع عن استقلال القضاء وصيانته.
لقد كانت المناقشة مناسبة لنا جميعا للوقوف عند الانجازات والتعرف على الاوراش التي لازالت قيدالانجاز, والتي ما زالت تنتظر وتدخل كلها ضمن مشروع مخطط إصلاح القضاء ببلادنا.
هذا المشروع الذي يعتبر محور تأهيل البلاد وتجديد وتفعيل دورها في المسار التاريخي إن دور القضاء في ميدان الفعل والاداء يفرض وضع اختيارات استراتيجية شمولية تذكي حماس الجميع وترفع من امكانيات العمل الايجابي والفعال .
ولا يجادل في كون القضاء العادل والنزيه شكل على الدوام دعامة أساسية للدولة المغربية منذ قيامها وهو ما جعل تاريخ القضاء حافلا بالمواقف الشجاعة والمشرفة وخصوصا في مراحل الشدة وصعوبة الاحداث والمتغيرات، فليس ببعيد عنا موقف القضاء والقضاة في مواجهة المخطط التجزيى الاستعماري وكذلك مسيرتهم الرائدة اثر استقلال البلاد لتسريع وحدة القضاء وتحديثه دون المساس بالثوابث المتأصلة، تلك الثوابت التي عمل الدستور الاول البلاد ومنذ 1962على تأصيلها تأكيدا لمبدإ نزوع المغرب وتشبثه بالنظام القضائي القائم على قرينة الاستقلال والحصانة كعنصرين حاسمين في العلاقات مع السلطة.
ولا غرابة اذن وبلادنا تسير نحو تحقيق دولة الحق والقانون، أن يكون لقطاع العدل حيويته وتأثيره القوي على مختلف المناحي الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، هذه الحيوية التي تحتاج إلى تظافر جهود كل الفعاليات ليضطلع هذا القطاع من جديد بأعباء رسالته ويحقق الثقة والطمأنينة المتوخاة من أعماله كسلطة ساهرة على احترام القانون وسيادة سلطاته.
لقد أصيب القضاء خلال العقدين الأخيرين وبالخصوص منذ إصلاح سنة 1974 بتأثيرات سلبية كادت أن تقضي على كل مقوماته وبات من الضروري تسريع وتيرة الإصلاح بما يقتضيه الأمر من آليات وأدوات قوية فاعلة وشجاعة تستطيع أن تخترق المحميات والعقليات التي مازالت تقاوم كل إصلاح.
إننا نؤكد أن لا قضاء ولا عدل في ظل وضع مادي ومعنوي مختلف وصعب لرجال القضاء، وأن لا قضاء بدون حماية حقيقية للقاضي ورعاية لمحيطه.
وأن لا قضاء بدون العمل على رفع المعاناة على القاضي، القضاء بدون فرض احترام أحكام القضاء ومقرراته، وأن لا قضاء بدون تحقيق فعلي واحترام استقلال تام للقضاء وحصانته، وأن لا قضاء بدون رفع المستوى العلمي والقانوني وتأهيل القاضي وتقوية مناعته الداخلية لمواجهة كل الاغراءات والمضغوطات.
إن مسؤولية الحكومة تقتضي العمل على فسح المجال لاصلاح القضاء وتطهيره من كل الشوائب التي تحط من قيمته وقدراته. وبالفعل فإن التجارب أثبتت أن الإصلاح لن يقع بالقرارات الفوقية والدورات الإدارية والمراسيم الحكومية بل إن مدخله هو تصحيح القاضي وموقعه ماديا وخلقيا وعلميا ومعنويا، وكما قال السيد الوزير الأول مؤخرا، فرجال القضاء وكل من شارك في صنع العدالة يكونون أسرة القضاء معهم وعلى يدهم وبصنعهم نستطيع أن نرسي قضاء يحقق العدل ودفاعا يشارك في صنع العدل وهذا هو كله الإصلاح.
ومن جهة أخرى فإن على القضاء أن يوفر كل المؤهلات والمقومات ليحمي استقلاله ويبادر الى فرض احترام كلمته ويحصن عطاءه برصيده الثقافي العميق ويزيل ما يمكن أن يقف أمامه من حاجز ومعوقات أو دهشة أو خوف ويرجع بذلك مجده الأصيل الذي يشهد به تاريخه المغربي العربي الإسلامي.
وهذا وحده هو الذي سيمكنه من الاضطلاع بأعباء رسالته ويحقق الثقة والطمأنينة المطلوبة منه، سواء من حيث جودة الأحكام وفعاليتها أو سرعة البث في القضايا أو مرونة الإجراءات أو من حيث ربط أواصر الانسجام وتثبيت دعائم الثقة والجدية والمصداقية بين مختلف الأطراف المساهمة في أعمال القضاء.
لقد أصبح العالم يعيش متغيرات وتحولات لا تعرف الحدود وكجزء من هذا العالم يتأثر بلدنا بقوة هذه المتغيرات، ويخضع لحدة الصراعات الاجتماعية والاقتصادية والتنموية المتناسقة أحيانا والمتناقضة أحيانا أخرى تلك الصراعات التي تتطلب قضاء عادلا قادرا على القيام برد الفعل القوي لضمان التوازنات لكل الأطراف ليساهم بذلك في ترسيخ بنية اقتصادية قوية ومتطورة وبنية اجتماعية أكثر عدالة وأكثر تماسكا، كعامل أساسي يساهم في تعميق الديمقراطية في المجتمع المغربي وتقوية تماسكه وتطهير المناخ الافتصادي كما قال جلالة الملك في خطابه يوم 13 أبريل 1997 الموجه الى المجلس الأعلى بمناسبة الاحتفال بالذكرى 40 لتأسيسه. وهذا يقتضي بالفعل ضرورة إعادة النظر في أداء وعطاء جهازنا القضائي بما يتطلب ذلك من وسائل لتمكين هذا الجهاز من توفير مناهج جديدة وحديثة لفك النزاعات وحل الخلافات بسرعة بعيدة عن التسرع وبتفكير متأن بعيد عن البطء وبمهارة كبيرة بعيدة عن الارتجال وبنظرة موضوعية خلقية سامية.
وفي هذا الاطار نذكر بأن التشريع يجب أن يساير هذا الطموح وأن يكون في مستواه ، وهو ما يتطلب من السلطتين التنفيذية والتشريعية أن تعقلنا ميدان التشريع وأن ترتقيا به إلى قوة الاستجابة للمطالب الحقيقية للمجتمع لمعالجة أوضاعه المستعجلة، وأن يكون تشريعا ملائما في ميدان التطبيق كما حصل في مدونة التجارة وقوانين الشركات مثلا. لأن للتشريع في العمل القضائي دور أساسي وخطير وتنعكس قواعده ومبادئه على حقوق المواطن.
فلا بد أن ينظر إلى التشريع من منظار حديث وعصري متجدد بكل ما تفرضه المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية في البلاد التي تستوقف القاضي كل يوم في مجرياتها المتعددة.
وفي هذا الصدد نشير بأن الضرورة تدعو إلى ترشيد الدلالة الدستورية والغاية المثلى لمبدإ استقلال القضاء ما يقتضيه ذالك من تفكير وتمعن عميقين في المجلس الأعلى للقضاء، وما إذا كان بتركيبته الحالية يستجيب للحاجيات الإصلاحية وقادرا على المساهمة في الوصول الى الإصلاح المنشود.
كما أن حصر تكوين المجلس الأعلى من قضاة منتخبين وحدهم لم يعد يساير متطلبات تفعيل هذه المؤسسة كمؤسسة حمائية ضامنة لاستقلال القضاء وحصانته، إضافة إلى أن طريقة انتخاب أعضائها لم تعد ملائمة ومناسبة، بل إنها أفرغت دور هذه المؤسسة من محتواها إلى مؤسسة شكلية ليس إلا، وهو ما يستدعي مراجعة عميقة لهذه المؤسسة، وذلك بتحويل الإشراف المباشر عليها نيابة عن رئيسها إلى القضاة أنفسهم وانتداب شخصية قضائية سامية مرموقة لهذا الدور، مع ضرورة وضع ضمانات فعلية بين أيدي القضاة ليباشروا اختياراتهم للممثلين لهم بكل حرية، وفرض الحياد على المسؤولين القضائيين، واحترام مبدإ السرية في التصويت.
كما أن إصلاح هذه المؤسسة في نظرنا يتطلب يد سلطة الحكومة في كل ما يتعلق بصلاحية المتابعة والعقوبة، الادارية منها والتأديبية سواء منها المتخذة عن طريق الانتداب أو عن طريق استشارة المجلس الأعلى للقضاء.كما أننا نرى أن كل إصلاح لا يعترف للقضاء بالحق في فعاليات حقوقية وثقافية وتنشيط مهني يضمن لهم حق بلورة الرأي المهني والحقوقي والقانوني بشكل حر ومسؤول لا يمكن أن يكون إصلاحا ناجعا.
وما زالت آثار تجميد رابطة القضاة لسنوات جاثمة على الاوضاع الصعبة التي تعيشها مؤسسة القضاء. إن إعادة النظر في قضاء المقاطعات والجماعات أصبح أمرا يحظى بالإجماع وذلك في اتجاه توحيد المنازعات كيفما كانت قيمتها، كما أن تعميم نظام القضاء الجماعي يقتضي أن يكون عاما ليشمل كل أنواع المنازعات، لما ثبت من فشل القضاء الفردي ودوره المباشر في الوضع الراهن.
إن التجربة التي عرفها المغرب أخيرا في ميدان العدل من تجديد بعض النصوص التشريعية وتجميع بعضها وإحداث المحاكم الإدارية والمحاكم التجارية يعد خطوة إيجابية في مشروع إصلاح القضاء العام والواجب يقتضي حماية هذه التجربة ودعمها بكل ما تستلزم متطلباتها المادية والبشرية والعلمية، وتوسيع نطاقها وتقريبها أكثر إلى المتقاضين خصوصا وإن تجربة المحاكم الإدارية أكدت من خلال مدتها القصيرة التي لا تتجاوز ثلاث سنوات على قدرة القضاة على الإبداع الخلاق والاجتهاد الرائد من خلال أحكامهم ومعالجتهم للقضايا الشائكة بين الإدارة والمواطنين زيادة على ما برهنت عليه من تحلي قضاتنا بالعزيمة والصبر.
وهذا ما يتطلب التعجيل بخلق محاكم الاستئناف الإدارية حتى يكون بهرمنا القضائي منطق سليم ولمؤسسة المجلس الأعلى كأعلى هيأة قضائية دور موحد ومراقب في تطبيق القانون. وبقدر ما تتطلب المحاكم المتخصصة من دعم مستمر بقدر ما يتطلب الأمر المزيد من تشجيع قضاتها والعناية بتكوينهم المستمر لتحفيزهم على مزيد من العطاء، وهو واجب يقتضي كذلك العناية بالقضاء في جميع المحاكم كيفما كان نوعها. ومن هذا المنظور لابد من تسريع وتيرة تقوية البنية التحتية للمحاكم من بنايات وإصلاحات وصيانة تحفظ للقاء هيبته ومكانته في المجتمع، وما يقتضيه ذلك من تجهيزها بكل أدوات العمل العصرية الملائمة والعناية بأحوال كتابة الضبط وكل المتدخلين في العمل الإداري والقضائي للمحاكم وتحسين أوضاعهم ماديا ومعنويا.
ونرى أن تحسين البنية التحتية للمحاكم وحده لا يكفي إذا لم يصاحبه دعم مركز المسؤولين القضائيين انطلاقا من اختيارهم المبني على معايير القدرة على المسؤولية مهنيا وخلقيا وعلميا ومقياس مسؤوليتهم على أساس النتائج المرضية والتي تساير فلسفة الإصلاح المنشود وما يقتضيه الأمر من تكوينهم وتزويدهم بأنظمة التسيير والتدبير المعقلن والمعاصر.
وفي هذا الإطار فان النهوض بالتكوين وتنوع التأهيل والتكوين المستمر يعد من الدعامات الأساسية للإصلاح القضائي وما يفرض ذلك من شروط إعادة النظر في مناهج التدريس وطرق التكوين ومدته وشروط الالتحاق بالمعهد الوطني للدراسات القضائية وإقرار خطة الانفتاح على تجارب عالم القضاء العصري.
وفي خطة التكوين هذه، فإن الأمر في نظرنا يقتضي ربط التكوين الحقوقي والقانوني بأبعاد المحاكمة العادلة وما يتطلب ذلك من تمكين القضاة من كل وسائل استيعاب مبادئ حقوق الإنسان والشعور بأن التقيد بالمبادئ الشرعية الدولية أصبح مقياسا من أصول دولة الحق والقانون، واعتبارها من المستندات والمراجع التي تنبني عليها الأحكام ، خصوصا إذا لم تتناقض مع المبادئ الأصولية للتشريع الوطني والمؤسسة على هويتنا الوطنية الإسلامية.
ونرى أن من ضمن مهام تأمين التكوين في ظل مشروع إصلاحي كامل إقامة نظام تعاقدي مع وزارة التعليم العالي وتكوين الأطر لإحداث شعب متخصصة للعلوم القضائية في آخر السلك الثاني بكليات الحقوق، وخلق إمكانية تبرير كل القانونيين الفاعلين في مجال الحقل القانوني والاقتصادي والاجتماعي وغيرهم، تبرزهم في مواد تخصصهم اعتمادا على تجربتهم العملية في حقل من الحقول القانونية المتخصصة.
وفي مجال السياسة الجنائية المتبعة إلى حد الآن، فإننا نبهنا إلى أن هذه السياسة أصبحت قاصرة عن مواكبة التحولات العالمية سواء في موضوع حقوق الإنسان أو ما يتعلق ببواعث الأمن وحماية المجتمع من الجريمة، كما أنها ناقصة بالنظر لدرجة الإسهام في بناء دولة الحق والقانون وفي خلق التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية المنشودة.
ذلك، أن واجب الدولة في ضبط التوازن المطلوب بين حقوق المجتمع في ضمان أمنه واستقراره ووقايته وحمايته من الجريمة بمختلف أصنافها ومشاربها وبين حقوق الفرد في الدفاع عن نفسه قبل وأثناء وبعد المحاكمة أصيب بخلل واضح أدى إلى المساس بسمعة القضاء والمزيد من تدهور أوضاعه، وهو ما يتجلى بوضوح من خلال المحاكمات التي عرفها المغرب في السنوات الأخيرة سواء المتعلقة منها بالمحاكمات السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية.
وأن الأمر في نظرنا يستدعي الاستعجال بإعادة النظر في الأسس التي يقوم عليها نظام التجريم والعقاب في القانون المغربي وفي الوسائل الوقائية المتبعة للحد من الجريمة، واعتبار القضاء الزجري كوسيلة لهذه الوقاية وللتصدي لظاهرة الاجرام وعدم اعتبار العقوبة كغاية في حد ذاتها بل وسيلة للتأهيل النفسي والاجتماعي والمهني، وذلك في أفق إقامة نظام قانوني جديد يساهم في خلق سياسة جنائية ضامنة وحامية على مستوى التشريع وعلى مستوى العمل القضائي، وكيفية ممارسة تليق بمستوى التطور الذي ينبغي أن يصل إليه المغرب وسط المنظومة الدولية.
وفي هذا الصدد، لا بد من الإسراع بإخراج مشروع قانون المسطرة الجنائية إلى الوجود وكذلك مدونة القانون الجنائي، هذين المشروعين اللذين صيغا وفقا لمقترحات الخطة التنفيذية للرسالة الملكية السامية الموجهة إلى المجلس الاستشاري لحقوق الانسان، واللذين ما زالا بذمة الأمانة العامة للحكومة منذ ما يزيد عن سنتين دون إنجاز. كما أن الأمر يستدعي وضع حد للمقتضيات الانتقالية لقانون المسطرة الجنائية الحالية والاسراع في تنفيذ خطة ملائمة للقوانين الجنائية المسطرية منها والموضوعية وللعهود والمواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب. وبجانب هذا، فإن حالة السجون لا تدعو إطلاقا إلى الارتياح رغم المجهودات الجبارة التي قامت بها إدارة السجون التابعة لوزارة العدل.
إن الإكتضاض وانتشار الأمراض وما يتعرض له المعتقلون من شتى أنواع المعاملات الحاطة من كرامة الإنسان قد أصبح مسالة ضمير يفرض على الجميع رفضه ونبذه، لذلك يتعين الإسراع بإخراج القانون المنظم للمؤسسات السجنية والمعتقلات إلى حيز التنفيذ. كما على الدولة توفير الشروط الضرورية لصيانة كرامة وحقوق الانسان داخل المؤسسات السجنية ومراكز الاعتقال ووضع خطة تضمن ترسيخ مفاهيم العقوبة كوسيلة للتأهيل النفسي والاجتماعي والمهني وليس كانتقام اجتماعي وكإقصاء أوتهميش .
إن على الحكومة أن تتمكن في وثيرة ارتفاع المعتقلين بصفة احتياطية، وكذلك في وثيرة ارتفاع المعتقلين القارين، مع العلم أن عدد المساجين إلى غاية الشهر الحالي قد وصل إلى حوالي 52000 ومن المرتقب أن يصل إلى 56 أو 57 ألفا في آخر السنة في دولة لا يتعدى عدد سكانها رسميا 28 مليون نسمة.
وهو مؤشر ملفت للإنتباه ويتطلب المعالجة المستعجلة، وذلك بخلق آليات ووسائل التخفيف من الاعتقال الاحتياطي والتفكير في خلق أنظمة عقابية جديدة وبديلة دون المساس بالحرية خصوصا عندما يتعلق الأمر بجرائم الأموال، والتقيد بمبدإ اجبارية الشكاية من المتضرر في عدد من القضايا التي يكون فيها الضرر خاصا، مع خلق أنظمة تحزئة العقوبة وأنطمة مراجعة مدة العقوبة والحرمان من الحرية بجانب مسطرة العفو، وحماية مبدإ تفريد العقوبات والإهتمام بشخصية الجاني وإحداث هيئة لمراقبة شروط وأماكن تنفيذ العقوبة مراقبة قضائية بعيدة عن مجرد التفقد، مع تحديد المسؤولية الجنائية والتأديبية للقائمين على المؤسسات الجنية والنص على حق أسرة السجين ودفاعه على تقديم المساعدة له ودعمه طوال مدة الاعتقال، وما تقتضيه شروط دولة الحق والقانون من ملائمة النصوص المتعلقة بالسجون وبوضعية المسجونين وانسجامها مع المواثيق والعهود الدولية بشأن حقوق الإنسان ومعاملة السجناء.
كما أن الإصلاح في هذا المجال يستوجب مراعاة الشروط الخاصة بالمرأة السجينة أثناء قضاء فترة العقوبة بإقرار نظام رعاية أطفالها وتجنب إخضاع الأطفال الرضع إلى ظروف وفضاء الإعتقال.
سيدي الوزير،
لقد جاء في التصريح الحكومي أن حكومتكم ستعمل يدا في يد مع كل مهني ومع مكونات قطاع العدل على خلق تعبئة وطنية حول برنامج الإصلاح وتخليق نظامنا القضائي، كما أنكم ما فتئتم تصرحون بأن إصلاح العدل والقضاء هي مهمة الجميع، وتقتضي السير بخطى ثابتة لا تقتصر فقط على إصلاح البنيات التحتية أو عصرنة التسيير الإداري والقضائي بل هو إصلاح جذري ومتكامل يتفرع إلى محورين هما تقويم القضاء وتحديثه، وأن برنامج الإصلاح لا يتحقق بمعزل عن إشراك كل المعنيين وبالخصوص المحامين الذين يعتبرون الشق الثاني في معادلة العدالة.
إلا أننا لم نر إلى حد الآن, وقد مضى على تنصيب حكومتكم أزيد من أربعة أشهر أية بادرة من بوادر هذا الإشراك، مع العلم أن هناك لجنا من رجال القضاء عهد إليها بأمر من جلالة الملك بوضع مخطط الاصلاحات المستعجلة، هذه اللجن التي لم نعد نسمع عن أشغالها منذ ما يزيد عن سنتين.
وإذا كنا مقتنعين بأن همكم الاساسي وربما الوحيد هو إنجاح مخطط الإصلاح هذا وإخراجه إلى حيز الوجود والسهر على تنفيذه وتطبيقه، فإننا مع ذلك نؤكد لكم بأن دور الفاعلين القانونيين والمجتمع المدني بجانب القضاة والمحامين هو دور أساسي، وبالتأكيد، وذلك انطلاقا من قناعة أن الحوار وتفاعل الرأي هو من قبيل الشروط الأصلية التي يمكن أن تكرس أساس كل إصلاح وأن انفراد أي طرف أو إلغاء هذا الطرف أو ذاك هو بالأساس منبط لكل مجهود إن لم يكن مانعا لأي إصلاح حقيقي.
ومن هنا، فإن إصلاح القوانين وأنظمة المهن القانونية والقضائية انطلاقا من توصيات ومقترحات الهيئات المهنية ومنظمات المجتمع المدني، وانطلاقا من واقع الحال، أصبح حلقة تفرض نفسها ضمن حلقات الاصلاح القضائي المنشود ليس فقط من وجهة نظر ما للعلاقات المؤسسية والموضوعية بين مختلف هذه المهن والمؤسسات القضائية من تأثير إيجابي على العملية القضائية، وبالتالي على مصير بناء دولة الحق والقانون.
بل إن واجب الاستجابة إلى ضرورة النهوض بدور وأداء الفعاليات القانونية في المجتمع من هيئات المحامين وخبراء وقانونيي المقاولات والموثقين وغيرهم, ليتحقق في الواقع، وبكل تأكيد، الاسهام في العملية القضائية ورفع مستوى العدالة وبعث الثقة في هيكلتها وطنيا ودوليا. كما أن تزويد جهاز الدولة بما يكفي من القانونيين وبعث روح الاتصالات والتقيد بسلطة القانون وأحكام القضاء يعتبر هاجسا أمام كل إصلاح لا بد للدولة أن تعمل على تتميمه وتأهيله.
وإننا نرى أن تمتين وتكوين المحامي والخبير والموثق وتعميق ملكاتهم القانونية وتطوير آليات عملهم مسألة ضرورية لإدماجهم في مسيرة المتغيرات الوطنية والدولية.
كما أن إقامة هيآت للتحكيم ووضع تشريع خاص للتحكيم ببلادنا ليدخل ضمن تطوير أساليب العمل وتحديث الآلية القانونية في المجتمع والخروج من ضيق الإشكالات اليومية نحو رؤية جديدة متطورة للهيآت القانونية ودورها في تفعيل القانون ونشر ثقافة حقوقية داخل المجتمع.
وهكذا، فإن تطوير المؤسسات المهنية القانونية والقضائية بما يكفل لها صلاحياتها بالشجاعة والمسؤولية لدرء وللحد مما يتسرب إليها من انحرافات وتردي من شأنه أن يحميها، لأن في حمايتها حماية للمواطن بصفة عامة وللملتجئ إلى القضاء بصفة خاصة.
كما أن من شأن إشراك وفتح المجال للهيئات المهنية القانونية وفتح مجال تطوير الآلية القضائية ببلادنا وانفتاحها على العالم الخارجي، وهي مدعوة اليوم للتنافس في مجال القضاء الدولي أكثر من أي وقت مضى خصوصا وأن كل دول منطقة البحر الأبيض المتوسط ودول المغرب العربي جعلت آلياتها القضائية في حلبة التنافس الدولي بقصد كسب ثقة المتعاملين الدوليين وإشعاعا لحضارة العدل وسيادة القانون.
نأمل سيدي الوزير أن نرى مشروع الاصلاح القضائي يأخذ طريقه إلى التنفيذ وإلى الممارسة في أقرب الآجال، ولن تجدوا فينا كفريق برلماني أو كفاعلين سياسيين من حزب التقدم والإشتراكية والحزب الاشتراكي الديمقراطي إلا داعمين لكل خطة إصلاحية تقومون بها وتنجزونها تستهدف إخراج مؤسساتنا القضائية من العزلة التي تنخر جسمها لتضعها في مكانتها اللآئقة وتمكنها من كل الوسائل لتلعب دورها في مجال العدل والتنمية، وكأداة فاعلة تساهم في تعميق الديمقراطية في المجتمع المغربي وتقوي تماسكه وتطهر مناخها الاقتصادي والاجتماعي, وتقوم بدور إشعاعي في مجال العدل وحماية دولة الحق والقانون.
ودعما لمشروع إصلاح القضاء في ظل التوجهات الواردة في تصريح الحكومة أمام البرلمان، فإننا رغم هزالة الميزانية المعتمدة برسم السنة المالية الحالية سنصوت عليها داعين السيد الوزير الأول والسيد وزير المالية إلى التفكير جديا في رفع حصة مدخول ودائع الغرامات المستخلصة والمرصودة بالصندوق الخاص بتوسيع وتجديد المؤسسات القضائية إلى80 (%) في المئة بدل60 ( % ) في المئة.
وشكرا
النص الكامل للمداخلة – بيان اليوم – الثلاثاء 11 غشت 1998-ص2.
أضف تعليقاً