عبد اللطيف أعمو … في حوار مع “أكادير أوفلا”
خص عبد اللطيف أعمو، المحامي والبرلماني والقيادي بحزب التقدم والاشتراكية مجلة “أكادير أوفلا” بحوار مطول منذ أواسط شهر يوليوز 2016 ، حول العديد من القضايا التي تهم الشأن الحزبي والعمل التشريعي والشأن المحلي بجهة سوس ماسة. وتوسيعا للفائدة نورد ترجمة للنص الأصلي للحوار باللغة الفرنسية كما صدر في العدد 36 – شتنبر 2016 .
أكادير أوفلا : سيدي، حدث شيء غير متوقع مؤخرا في حزبكم. حيث صرح السيد بنعبد الله بما يمكن اعتباره مغازلة لحزب العدالة والتنمية حيث أثرى عليه بالثناء ومطمئنا إياه بانخراط حزب التقدم والاشتراكية في مشاريعه؟
عبد اللطيف أعمو: أعتقد أن سؤالك تم تجاوزه اليوم. ويعود إلى ما قبل 5 سنوات، عندما كانت الهياكل القيادية لحزب التقدم والاشتراكية تتداول بشأن ما إذا كانت ستشارك في الحكومة التي يقودها بنكيران أم لا. وبعد نقاش طويل في اللجنة المركزية والمكتب السياسي، مرتكز على معطيات ما بعد انتخابات 25 نوفمبر 2011 والآمال والتطلعات التي ولدت مع الدستور الجديد، ارتأت أغلبية قوية في الحزب – من منظور الثابت والمتغير واعتبارا للمصلحة العليا للوطن والرغبة في تعزيز المكاسب وضمان استمرارية الإصلاحات في تناغم مع مطالب الحركة الاجتماعية ل 20 فبراير 2011 ، أجابت بالإيجاب على دعوة حزب العدالة والتنمية للمشاركة في الحكومة، خصوصا وأن الدستور الجديد يمنح صلاحيات واسعة بتوسيع صلاحيات الحكومة والبرلمان.
وجاءت هذه المشاركة في الحكومة مشروطة بعدة التزامات معززة بميثاق مشترك ، يتضمن استقلالية القرار الحزبي واشتراط التضامن الحكومي واحترام الحريات الفردية والجماعية للمواطنين مع إعطاء الأولوية للتنمية الاجتماعية في الخيارات الحكومية.
وبعد 5 سنوات من التوافق حول برنامج مشترك للأغلبية الحكومية، من الواضح أنه، حتى في صفوف أولئك الذين اتخذوا موقفا ضد هذا الاختيار، هناك اعتراف بأن الخيار كان خيارا متعقلا وحكيما. ولكم أن تعودوا إلى مواقف الحزب، سواء داخل الحكومة أو تحت قبة البرلمان لتجدوا أن حزب التقدم والاشتراكية لم يتنكر في أي وقت ما لقيمه الأساسية ولمهمته التاريخية المتمثلة في النضال من أجل المساواة والعدالة الاجتماعية.
أكادير أوفلا : حزب التقدم والاشتراكية في أكادير لم يستطع قط الحصول ولو على مقعد يتيم في الهيئات المنتخبة. ألا تظنون أن هذا يرجع إلى ترشيح “رفاق” ليست لديهم مصداقية؟
عبد اللطيف أعمو: أود أن أذكركم بأن حزب التقدم والاشتراكية كحركة سياسية في أكادير يعود تأسيسه إلى سنة 1943، ولا أحتاج إلى التذكير بالرفاق القدامى، وأعضاء خلايا المقاومة والكفاح من أجل الاستقلال، ومن ضمنهم المرحوم عبد الله الموثق، الذي كان أصله من تيزنيت. هؤلاء الرفاق، ورغم قلتهم العددية، كانوا دائما متألقين نضاليا من خلال نوعية مشاركتهم بالإشراف على نضالات الفلاحين والعاملين في قطاع الزراعة، وفي مجال تعزيز حقوق المرأة في مصانع التعليب، وغيرها، ومن خلال دعم العمل النقابي، والمشاركة الواسعة في المسيرة الخضراء، وتنظيم الأنشطة الداعمة للوحدة الوطنية، والمواجهة المباشرة مع كل أشكال القمع وانتهاك حقوق المواطنين … وقد ساهم هذا العطاء النضالي في خلق تيار وطني يساري واسع، على المستوى الجهوي، وخصوصا على مستوى أكادير-إنزكان. وهذا ما يفسر التصويت الهائل لفائدة اليسار، الذي يرمز إليه الاتحاد الاشتراكي منذ عام 1976 إلى الانتخابات الأخيرة لسنة 2015.
وخلال هذه الفترة الطويلة، شارك نشطاء حزب التقدم والاشتراكية على الدوام في الانتخابات، على الرغم من المشاكل والمعيقات ذات الصلة إلى حد كبير بالتهميش الذي لقوه من لدن حلفائنا. وعلى الرغم من هذا المناخ الذي لم يكن ليساعد على تحديد المواقع داخل الهيئات التداولية، ظل نشطاء حزب التقدم والاشتراكية أوفياء لقيمهم السياسية وباشروا عملهم النضالي بشكل صحيح ونظيف، معتبرين بأن الهدف الرئيسي ليس بالضرورة تحقيق الوفرة في المقاعد، ولكن الحفاظ على الطابع التقدمي للمنطقة. ولكن للأسف، ارتكبت العديد من الأخطاء طيلة هذا المسار، وهو ما كلفنا غاليا، نحن وحلفاؤنا. ونحن نراهن مستقبلا على أن تقوم دينامية جديدة على تصحيح هذا الوضع في إطار رؤية جديدة للإدارة الترابية المحلية والجهوية.
أكادير أوفلا : نلاحظ أن الأحزاب التقليدية، التي تقتسم الكعكة الحكومية منذ الاستقلال، هي الآن شاخت، ألا ترون أنه يتعين عليها ترك المجال لتنظيمات جديدة مفعمة بالحيوية السياسية وبالأفكار الشبابية، أو أن عليها القيام بمراجعة جديدة لقواها بشكل منفتح على الابتكار تلبية لانتظارات الأجيال الجديدة؟
عبد اللطيف أعمو: يبدو لي أنه علينا – في قلب الإشكال – أن نتساءل أساسا عما إذا كان من المجدي والمفيد التوفر على 34 حزبا سياسيا لفائدة 34 مليون مغربي، أو ليس هذا كثيرا ! ؟ وأنا لا أعتقد أن هناك 34 مشروعا مجتمعيا يهم المغاربة. ومن ضمن هذه الأحزاب، لا يمثل في البرلمان إلا 17 هيئة سياسية فقط. و10 فقط من ضمن هذه الأحزاب السياسية تمكنت من تشكيل فريق برلماني في الغرفة الأولى للبرلمان.
لذلك هناك حاجة إلى إعادة تشكيل الفضاء السياسي، أو بالأحرى إعادة تمركز وتركيز للتحالفات السياسية القائمة على بعد استراتيجي وليس موسمي عارض، خصوصا أن عناصر القيادة والريادة والتأثير والتأطير السياسي للمواطنين ضعيفة.
لأنه إذا نظرنا إلى العديد من الأحزاب التي لها وجود موسمي ومناسباتي، وأخرى لا تقل عن كونها دكاكين انتخابية؛ فنحن بعيدون كل البعد عن أهداف الدستور الذي ينص صراحة على أن الأحزاب السياسية تعمل على : ” … تأطير المواطنات والمواطنين وتكوينهم السياسي، وتعزيز انخراطهم في الحياة الوطنية، وفي تدبير الشأن العام، وتساهم في التعبير عن إرادة الناخبين،والمشاركة في ممارسة السلطة، على أساس التعددية والتناوب، بالوسائل الديمقراطية، وفي نطاق المؤسسات الدستورية. وتُؤسس الأحزاب وتُمارس أنشطتها بحرية،في نطاق احترام الدستور والقانون. .. “. فوجود هذا الكم الهائل من الأحزاب ليس البثة مرادفا للتعددية.
فالأحزاب السياسية، من خلال التنوع والتعدد، هي تعبير عن المواقف الايديولوجية المختلفة، وتترجمها إلى خطاب سياسي ملموس وإلى مقترحات متماسكة، تسعى إلى وضعها حيز التطبيق من خلال الممارسة الفعلية والحقيقية للمسؤوليات الحكومية والتنفيذية.
وبخصوص أعطاب تجديد النخب، فهذا ليس بالمعنى الدقيق للكلمة استثناءا مغربيا. ويبدو أنه في العديد من البلدان، تحكم النخب فترة طويلة … وهذا صحيح سواء في السياسة أو في عالم الأعمال: فالناس الذين يشغلون مناصب المسؤولية، إلا في حالات استثناية، يتحملونها حتى نهاية حياتهم المهنية. وقليلون هم القادة المستعدون للرحيل والذين يدبرون مرحلة انتقالية للتداول السلس للسلطة. ومن المشروع كذلك أن يكون للسياسي طموح كما في غيره من الميادين. ولكن تسلق الدرجات ضمن التسلسل الهرمي وأخذ الوقت للبرهنة على مهاراته وكفاءته يظل أفضل وسيلة للوصول إلى موقع المسؤولية السياسية البارزة، والتي تظل محل منافسة ومبارزة قوية… فهي عملية طويلة ومحبطة أحيانا. ويجب ترك مجال ضيق للانتهازية، وللوصولية وللزبونية والمحسوبية.
فمن وجهة نظري، أظن أن تجديد النخب قد انطلق بالفعل. ففي سنة 2015، تم انتخاب 15028 من المرشحين لأول مرة في المجالس الجماعية من أصل 31503 مقعدا، أي ما يقارب نصف العدد الإجمالي للمنتخبين، بجانب انتخاب 242 عضوا جديدا في المجالس الجهوية من أصل 678 مقعدا، أي ما يقارب ثلث العدد الإجمالي من المنتخبين. هذا مع الإقدام على خطوة نوعية في اتجاه تعزيز التمثيلية النسائية في المجالس المنتخبة مع 6673 مقعدا من نصيب المرأة المغربية في انتخابات المجالس الجماعية… إذن، فتجديد النخب قد انطلق بالفعل. على الرغم من أنه من الصعب علينا اليوم وضع تقييم نوعي واضح للعملية، لأنه يبدو أن تجديد النخب يستغرق جيلا إلى جيلين ليأتي أكله حقيقة. ولكن يظل التكوين الصلب والقوي داخل مدرسة سياسية متينة ومهيكلة أفضل مدرسة للإدارة السياسية، المبنية على صفات الجودة النضالية القاعدية والانضباط، والقيادة السياسية، وبالاعتماد على نموذج الجدارة والاستحقاق… والهدف هو … الرفع من طموح الشباب ودفعهم لنهج مسار سياسي أفضل وأكثر جاذبية، من خلال نوعية التكوين والتوجيه … وهو أمر ما زال بعيد المنال اليوم .
لقد فتح دستور 2011 آفاقا واسعة لتطوير نظامنا المؤسساتي، ومن المؤكد أن نجاح عملية التغيير والتطوير الجارية سيعتمد إلى حد كبير، على تعزيز قدرات النخب المحلية، بحيث تكون قادرة على بلورة وتنفيذ السياسات العمومية على المستوى الترابي، وقادرة على تعزيز القدرات الاقتصادية وتقوية التنافسية والابتكار وتقوية القدرات التشاركية … وهذا التطور النوعي لن يمكن تحقيقه إلا عن طريق الانتقال الذكي والهادف من إدارة “الأعيان” الكلاسيكية إلى حكامة ترابية ومجالية جديدة. وقدرة القيادات المحلية الحالية والمستقبلية على إنجاح هذا المشروع الإصلاحي الترابي الضخم توجد أيضا في قلب الرهانات الكبرى للجهوية المتقدمة.
أكادير أوفلا : بصفتكم محامي ورجل قانون، ألا ترون أنه قد حان الوقت لإعادة النظر في مسألة الحصانة البرلمانية. فهذا الامتياز يسمح للبعض بالإثراء عن طريق التحايل والإفلات من العقاب؟
عبد اللطيف أعمو: وفقا للمادة 64 من الدستور “لا يمكن متابعة أي عضو من أعضاء البرلمان، ولا البحث عنه، ولا إلقاء القبض عليه، ولا اعتقاله ولا محاكمته، بمناسبة إبدائه لرأي أو قيامه بتصويت خلال مزاولته لمهامه، ماعدا إذا كان الرأي المعبر عنه يجادل في النظام الملكي أو الدين الإسلامي، أو يتضمن ما يخل بالاحترام الواجب للملك.” وعلاوة على ذلك، يبقى البرلمانيون خاضعين للمتابعة في القضايا المتعلقة بالجرائم العادية الأخرى. ولكن يتعين على الشرطة القضائية والنيابة العامة، قبل الشروع في أي إجراء قانوني، إخبار الغرفة البرلمانية التي ينتمي إليها البرلماني موضوع المتابعة. وقد تدارس البرلمان المغربي بالفعل في سنة 2013 مشروع قانون لإجراء تعديلات على بعض مقتضيات القانون الجنائي تسمح بالمتابعة القضائية ضد البرلمانيين وأعضاء بعض المؤسسات والهيئات الدستورية، على الجرائم التي يشتبه أنهم اقترفوها. وبالتالي فلا وجود إذن لعلاقة سببية بين الحصانة البرلمانية والإثراء الغير المشروع، بحيث أن الحصانة – وكما ينص عليه القانون – لا تغطي سوى حرية الرأي والتعبير أو التصويت داخل قبة البرلمان … في إطار المهام الانتدابية للبرلماني. إضافة إلى ذلك، يحدد قانون تنظيمي شروط الأهلية بالنسبة للبرلمانيين، وقواعد عدم الأهلية وعدم التوافق.
وإذا ظل بعض البرلمانيين، يظنون بأن الحصانة البرلمانية هي بمثابة “شيك على بياض”، وأنها تسمح لهم بفعل أي شيء يروق لهم، أو إصدار شيكات بدون رصيد، أو الإقدام على اختلاسات أو مخالفات مناقضة للقانون … وكل ذلك تحت أنظار سلطة قضائية صامتة … فالقانون 17-01 الصادر في سنة 2004 جاء ليضع حدا لهذا الخلط بين الولاية البرلمانية والإفلات من العقاب. وهذا ينذر بنهاية الإفلات من العقاب.
أما بخصوص الإثراء غير المشروع، فقد صادق مجلس الحكومة مؤخرا في يونيو الماضي على تعديل بعض مقتضيات القانون الجنائي بقصد تجريم الإثراء غير المشروع من خلال المادة 256-8.
أكادير أوفلا : كيف يمكن لشخص واحد، أن يوازي بين مهام مختلفة وعديدة كما تفعلون: محام، برلماني، رئيس مجلس جماعي وعضو في العديد من الهيئات الوطنية والدولية؟ أهذا ليس كثيرا على شخص واحد؟
عبد اللطيف أعمو: إن تعدد الوظائف هو ممارسة سياسي ما، رجلا كان أو امرأة للعديد من المناصب الانتخابية. وهذه الممارسة شائعة، وهي محل جدال و نقاش واسع ، تتواجه فيه الحجج الأكثر تنوعا إما للإبقاء عليه أوتعديله أو حذفه.
فإذا كانت ممارسة تعدد الوظائف محظورة في الولايات المتحدة، فهي هامشية ومحدودة في إيطاليا أو بريطانيا. لكن نسبة المراكمة بين الوظائف السياسية ما يزال مرتفعا في فرنسا وبلجيكا. وجدير بالذكر أن الأنظمة الانتخابية التي تعتمد أساسا على شخصنة العملية الانتخابية أكثر من التركيز على وزن الأحزاب السياسية وبرنامجها الانتخابي تساعد في كثير من البلدان على تطور ظاهرة تعدد الوظائف السياسية.
في المغرب، ومنذ سنة 2015، اعتمد مشروع القانون التنظيمي 31-065 المتعلق بتنظيم وتسيير أشغال الحكومة وبالوضع القانوني لأعضائها من طرف البرلمان، حيث عبرت لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان عن رغبتها في الحد من تراكم الوظائف من خلال تعديل المادة 32 من النص الذي يحظر أي ازدواج في الوظائف، حيث ينص على وجه الخصوص على التناقض بين الوظيفة الحكومية ورئاسة جماعة ترابية أو رئاسة غرفة مهنية، ولكن أيضا العضوية في مجلس من مجلسي البرلمان أو في حالة تراؤس مؤسسة أو شركة عمومية. ولكن هذا التعديل لم يحظ للأسف بالموافقة في الجلسة العامة للبرلمان، بعد معارضة من الحكومة.
وبالتالي، فإن تعدد المهام ليس استثناء، وخصوصا عندما تعجز الأحزاب السياسية عن إيجاد شخصيات وازنة وتجد صعوبة في تنويع الترشيحات.
في الواقع، لدينا 107 نائبا برلمانيا و 52 من أعضاء مجلس المستشارين ترشحوا للانتخابات الجهوية الأخيرة، وأكثر من نصف رؤساء الجماعات الترابية برلمانيون في نفس الوقت، ويزاوجون بين الوظيفة التشريعية وطنيا والتمثيلية جهويا. ومع ذلك، فإن القوانين التنظيمية الجديدة للجماعات الترابية تميل نحو الحد من تراكم الوظائف الانتدابية…. وفي هذا الاتجاه، توقع المشرع العديد من حالات عدم التوافق. فالمادة 16 من القانون التنظيمي للجهات تحظر على المحاسبين العموميين الذين ترتبط أنشطتهم بالجهة المعنية الترشح لرئاسة أو نيابة الرئيس. وبالمثل، تنص المادة 17، على تنافي مهام رئيس الجهة أو نائبها مع مهام رئيس أو نائب رئيس جماعة ترابية أخرى، أو مهام رئيس أو نائب رئيس غرفة مهنية أو مقاطعة حضرية.
وتسألونني في حالتي، كيف يمكن لي أن أزاوج وأجمع بين العديد من المهام؟ وأود الإجابة بنعم، وأقوم بذلك، ولكن بصعوبة. فعندما يكون لدينا الشعور بالواجب والحس التنظيمي، يمكننا أن نفعل ذلك، وخاصة عندما نحسن تفويض المهام. ولكن يظل هذا في الحقيقة مثيرا للعديد من الأسئلة، بما في ذلك القدرة على أداء جميع المهام بشكل فعال. فمن الأحسن عدم الجمع بين الوظائف … بحيث أنه، وعلى الرغم من حسن النية، فلدى رئيس جماعة ترابية ما، أو أي برلماني اليوم صلاحيات واسعة، ويحتاج إلى التركيز بشكل أدق على المهام التي عليه إدارتها بصفة مباشرة. ويصعب تلبية جميع المطالب وأداء جميع المهام بشكل عادل ومنصف. كما أن فرض قيود على تعدد الوظائف سيسمح مستقبلا بتجديد وتنويع النخب السياسية. والسياسة في أمس الحاجة اليوم إلى نفس جديد وإلى ملامح جديدة لإغراء الناخبين الذين يميلون بشكل متزايد نحو العزوف.
أكادير أوفلا : ما هي وجهة نظركم في المشاكل التي يواجهها قطاع السياحة منذ مدة في منطقتنا؟ وهل لدى حزبكم حلول لهذه الأزمة على المستوى الجهوي والوطني؟ ما رأيكم في الفريق الجديد للمجلس الجهوي للسياحة؟
عبد اللطيف أعمو: السياحة، من رافعات التنمية الاجتماعية والاقتصادية الأساسية بجهة سوس- ماسة ، وتوفر، من خلال تأثيرها المضاعف على توفير فرص الشغل وتعزيز الاقتصاد المحلي وخلق القيمة المضافة جهويا في مختلف القطاعات مثل الفلاحة، والنقل، والحرف اليدوية، والرياضة والفنون والثقافة … ففي الواقع، كل وظيفة مباشرة في قطاع السياحة تولد سبع وظائف في قطاعات أخرى.
فتنوع وتعدد المؤهلات السياحية للجهة لا تستغل للأسف بشكل جيد. كما أن التقسيم الترابي الجديد يحرم الجهة من مناطق جذب سياحة القصبات، ومن مؤهلات ورزازات كعاصمة لصناعة السينما. ولكن؛ في المقابل انخرطت جهة سوس ماسة في رهانات وتحديات جديدة تتمثل في إدماج مؤهلات أخرى في الدينامية الجهوية كمقومات منطقة طاطا ورهانات أخرى تهم التوزيع الأفضل للعرض السياحي الجهوي ككل. فأكادير، قد تكون عاملا رئيسيا للجذب، مع سياحتها الشاطئية وخليجها … ولكنها لا تكفي. فانتظارات السياح، وزوار المنطقة من أنشطة حضرية ترفيهية وأخرى قروية وبيئية ورياضية وثقافية، وصحية، هي على نحو متزايد كما ونوعا … وتميل إلى تبديد المسارات التقليدية. والمدن التاريخية مثل تارودانت وتيزنيت والمناطق المحيطة بها، لها مكانها في المدارات الموضوعاتية، حيث الإبداع والذكاء والمعرفة والتراث الثقافي سيكونون خير زاد للتأقلم مع المنافسة بين الجهات وطنيا وعلى الصعيد الدولي.
وفيما يتعلق ببرنامج حزب التقدم والاشتراكية بخصوص تطوير قطاع السياحة، فحزبنا ملتزم برؤية تهدف إلى جعل المغرب وجهة سياحية عالمية، وهذا الاختيار يعكس الثقل الثقافي الذي يسلط الضوء على انفتاح المغرب على العالم، والذي يمثل بالنسبة لبلدنا فرصة حقيقية للحركية الاقتصادية ولخلق فرص الشغل في مختلف الجهات. لذلك يجب أن ينهج المغرب سياسة استباقية قادرة على تجاوز النقائص، ولا سيما فيما يهم التجهيزات والقدرة على استقبال السياح، ولكن أيضا بخصوص الموارد البشرية المؤهلة والمدربة بشكل جيد … مع إصلاح القطاع و تخفيف القيود المفروضة على التمويل واعتماد التكوين والتكوين المستمر كدعامة لتعزيز التخطيط الجهوي المعتمد على المقاربة التشاركية لمواجهة مشاكل القطاع.
ومن الضروري كذلك أن نجد مكانا لتطوير السياحة المسؤولة التي تحترم البيئة ضمن هذه الاستراتيجية الوطنية، وخصوصا عند بناء مجمعات سياحية كبرى. وفي هذا السياق، يتعين تعزيز التراث الثقافي وإعادة تأهيل المناطق القروية والسياحة البيئية في المناطق الجبلية، والتي ما زالت إمكانياتها ومؤهلاتها غير مستغلة بالشكل الأمثل.
ومن خلال تجارب الدول المتقدمة في هذا المجال، فإننا نعتقد أن تطوير السياحة من شأنه أن يساعد على تعزيز السياحة الداخلية – التي أصبحت عاملا رئيسيا في مجال السياحة وقادرة على خلق التوازن ومواجهة الهشاشة والتقلبات الاقتصادية والسياسية الدولية.
أكادير أوفلا : كيف أمكن استبعاد رئيس جماعة ترابية نموذجي مثلكم من المشهد السياسي المحلي؟ وهل هذا حقا بسبب فقدان المصداقية من جانب الناخب التيزنيتي أو وليد طبخة من جهات أخرى؟.
عبد اللطيف أعمو: الناخبون اختاروا. والكلمة الأخيرة تعود إلى صناديق الاقتراع. ولا بد لي من احترام ذلك. ربما أن وراء الحصيلة الجد مشرفة للفريق الجماعي – ويتعلق الأمر صراحة بحصيلة جماعية غير مرتبطة بشخص معين – هناك رغبة في التغيير … وربما أيضا شيء من الملل … أو ربما أنه ما كان علينا أن نستكين فقط لأمجاد الماضي … ولكن هل تعتقدون حقا أن الانتخابات تكافئ دائما المنتخب المجد؟ فالعمليات الحسابية والمنطق مختلطتان في السياسة … ويصعب فك رموزهما أحيانا . لكنني أعتقد أن مسألة الغوص في ماهية هذه القضايا يصب في صلب مهامكم كمراقبين للمشهد السياسي.
أكادير أوفلا : ألا يبدو لكم جهازنا التشريعي متقادما لأنه يستمر في استيحاء مصادره من قوانين قديمة؟ وهل يوجد في علمكم مشروع لإصلاح التشريعات لجعلها أكثر ملاءمة للعصر؟ وهل لدى حزب التقدم والاشتراكية تصور لذلك؟
عبد اللطيف أعمو: تنص المادة 6 من الدستور على أن القانون هو أسمى تعبير عن إرادة الأمة. والجميع، أشخاصا ذاتيين أو اعتباريين، بما فيهم السلطات العمومية، متساوون أمامه، وملزمون بالامتثال له. وتعمل السلطات العمومية على توفير الظروف التي تمكن من تعميم الطابع الفعلي لحرية المواطنات والمواطنين، والمساواة بينهم، ومن مشاركتهم في الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية.
وتعود للبرلمان صلاحية التصويت على القوانين وممارسة السلطة التشريعية. فيما تعود مبادرة تقديم القوانين إلى رئيس الحكومة وأعضاء البرلمان. وتودع مشاريع القوانين في المقام الأول بمجلس النواب. فيما يتم إيداع مشاريع القوانين المتعلقة خصوصا بالجماعات الترابية وبالقضايا الاجتماعية بالدرجة الأولى بمجلس المستشارين.
فالقوانين مشابهة لقواعد الأخلاق، كما أنها تهدف للسيطرة أو لتعديل السلوك. وما يميز القوانين عن القواعد الأخلاقية هو أن الأولى تطبق في المحاكم. وبذلك، فالقوانين موضوعة ليتم تكييفها وأقلمتها مع الواقع. ومع ذلك، فإن آلية “صنع” و “إنتاج” القوانين بطيئة وتعتمد على العديد من العوامل المساعدة على إنتاج قوانين جيدة وبسرعة. ويمكن أن نشير ضمنها إلى درجة التماسك والانسجام الفكري والسياسي، سواء داخل الأغلبية المكونة لتحالف حكومي أو داخل المعارضة، ولكن أيضا إلى قوة أو ضعف العمل الحكومي والعمل البرلماني، أو درجة التشاور والتنسيق بين السلطتين التشريعية والتنفيذية. كما يمكننا إضافة عنصر آخر يتمثل في مدى مساهمة هيئات الحكامة في تجويد العمل التشريعي، وكذا بساطة أو ثقل الرقابة الدستورية والقواعد التشريعية.
وبالتالي، فإن تعديل قانون المسطرة الجنائية أو القانون الجنائي، وغيره من مخططات إصلاح القضاء، تدخل ضمن آليات ملائمة تشريعاتنا مع رهانات العصر. كما أن ضمان استقلال السلطة القضائية عن السلطة التنفيذية عن طريق توفير ضمانات فعالة ضد التدخل السياسي في الشأن القضائي، والحرص على أن يشتغل المجلس الأعلى للسلطة القضائية بشكل مستقل واعتماد إجراءات واضحة ومعايير موضوعية في التعيينات والأجور والاستقرار الوظيفي والمهني وفي الترقية والتوقيف، فضلا عن العقوبات التأديبية التي تتخذ ضد القضاة وفقا للمعايير الدولية … كل هذه الإجراءات وغيرها كثير تسير في اتجاه إصلاح نظامنا القضائي وتحيين جهازنا التشريعي. وهو عمل شاق ومضني ويستغرق وقتا طويلا لملامسة نتائجه…
أكادير أوفلا : أفرزت الانتخابات الأخيرة بعض حالات محاكمة المنتخبين. وننتظر قرار المحاكم فيها. ألا تظننون أنه سيكون من الأفضل أن تصدر مثل هذه الأحكام بسرعة، حتى يطمئن المواطنون من نزاهة الشخص الذي صوتوا لصالحه. أو ليس من الأفضل اتخاذ تدابير ضد تزوير الانتخابات من خلال تعزيز الضوابط واعتماد نظام جديد. كيف ترون الانتخابات المثالية في بلدنا؟
عبد اللطيف أعمو: تشخيص ظاهرة الفساد السياسي في المغرب يكشف بشكل رئيسي عن عدة مستويات للنقص في الحكامة: أولا، على المستوى الحزبي، حيث تأثير التربية السياسية والتوجيه السياسي للمواطنين محدود ، مع عدم التوافق بين البرامج الانتخابية للأحزاب والمؤهلات الأخلاقية والعلمية للمترشحين، وعدم وجود تداول حقيقي للمناصب القيادية. ثانيا، على المستوى الانتخابي. مع استمرار أشكال مختلفة من الرشوة، ولا سيما تلك المتعلقة بالتأثير الغير الصحي للمال، بالإضافة إلى الآليات الانتخابية والنمط الانتخابي … ولكن أيضا، كثالث عنصر، يتمثل في كفاءة النخب داخل الهيئات المنتخبة حيث لضمان الاستقلال، واعتماد الحوار المفيد والبناء، والسعي إلى الحلول الوسط الضامنة للمصلحة العامة. هناك حاجة ماسة لاعتماد منهج القرب، وتحفيز القوة الاقتراحية لدى المنتخبين …، وخصوصا حول مشاريع توحدها المصلحة العامة. وعلينا أن نتحرك نحو تعزيز النزاهة والشفافية في الحياة السياسية من خلال تقوية مناعة الإطار القانوني والمؤسساتي للحكامة الرشيدة وتخليق الحياة السياسية وضمان نزاهة وشفافية الانتخابات، بجانب تعزيز الأخلاق في السياسة. ولكن لا أعتقد أن هناك انتخابات مثالية، كما لا أظن أن هناك سياسي مثالي، كما لا يوجد في المطلق مواطن مثالي … فالحياة السياسية تضعنا باستمرار على المحك، وهناك رجال ونساء سياسيون ممن يقاومون أكثر من الآخرين إغراءات “الشيطان”!
أكادير أوفلا : أكيد أنكم تابعتم باهتمام كبير ملف الأمازيغية في المغرب. فهل أنتم كذلك مصابون بخيبة أمل مثل معظم المثقفين والنشطاء الأمازيغ الذين لا يجهلون اليوم أن القضية الأمازيغية كانت بطاقة وظفتها جميع الأطراف والحكومة حتى تمر العاصفة ؟ ما هو تحليلكم كسياسي وكأمازيغي؟
عبد اللطيف أعمو: في إطار اندماج المغرب ضمن مسار التنمية الثقافية المستدامة التي تجسد المجتمع الديمقراطي والعصري، راكم المغرب من خلال تاريخه الطويل، تراثا ثقافيا غنيا ومتنوعا، والذي هو نتاج اندماج مكونات إسلامية وعربية وأمازيغية وصحراوية حسانية … مع روافد أفريقية وأندلسية وعبرية ومتوسطية ، كلها ساهمت في تطوير الشخصية المغربية، والتي هي جلية وواضحة اليوم في كل التعبيرات الثقافية والفنية في البلاد.
ونحن طالبنا وما زلنا نطالب داخل حزب التقدم والاشتراكية بوضع استراتيجية وطنية لحماية التراث الثقافي المادي، واللآ مادي والطبيعي، فضلا عن اعتماد سياسة لغوية متماسكة من خلال إنشاء المجلس الوطني للثقافة واللغات المغربية، فضلا عن إضفاء الطابع الرسمي للغة الأمازيغية … ومشروع القانون التنظيمي المنتظر من شأنه أن يحدد كيفية تنفيذ الطابع الرسمي للغة الأمازيغية.
إن تقييم عمل الحكومة في هذا الصدد يخضع للكثير من الانتقادات، بحكم البطء، والتأخير وعدم التشاور مع مختلف مكونات الحقل الثقافي الأمازيغي. ولكن أعتقد أن الأمر ليس سوى مسألة وقت … وسوف تتم أجرأة الطابع الرسمي للأمازيغية لتصبح حقيقة في المستقبل.
وأدعوكم لمتابعة تصريحاتي في البرلمان حول الموضوع، حيث أنني في كثير من الأحيان سائلت الحكومة حول تفعيل و أجرأة الطابع الرسمي للامازيغية في مجالات ذات الأولوية كالتعليم والصحافة … ولكن أيضا في العمل البرلماني. في أفق التعميم بمختلف قطاعات الحياة العامة، بما في ذلك العدالة والإدارة الترابية، …
أكادير أوفلا : هل ستترشحون في الانتخابات القادمة؟
عبد اللطيف أعمو: إذا كان لي أن أكون منسجما مع ما قلت من قبل، حول تجديد النخب وتعدد الوظائف السياسية … فالجواب هو : لا
للإطلاع على النص الأصلي للحوار:
Interview: Qui est ABDELLATIF OUAMMOU
Agadir Oufla – N° 36 – Septembre 2016-10-01 p 16- 21
أضف تعليقاً