قراءة في خطاب الذكرى 44 للمسيرة الخضراء
يمكن اعتبار الخطاب الملكي بمناسبة الذكرى 44 للمسيرة الخضراء استمرارا للخطابات الملكية الأخيرة، والتي تؤكد على التأسيس لمرحلة جديدة في بناء المشروع الحداثي التنموي الذي وضع جلالته أسسه ورؤيته منذ اعتلاءه العرش.
فإذا كان خطاب العرش الأخير إعلانا صريحا عن انطلاق مرحلة جديدة لتنفيذ نموذج تنموي يسعى إلى تحقيق العدالة الاجتماعية والقضاء على الفوارق المجالية والتوزيع العادل للثروات، فإن خطاب الذكرى 44 للمسيرة الخضراء يعتبر محطة فاصلة وحاسمة في قضية الوحدة الترابية، باعتبار خيار الحكم الذاتي، الخيار السياسي الوحيد والواقعي والتوافقي لقضية وحدتنا الترابية.
– 1 –
وهو ما تأكد بشكل واضح في قرار مجلس الأمن رقم 24/94 الأخير،
مما يؤكد صواب وحكمة الموقف المغربي وثبات مقاربته السياسية والمعتمدة من طرف الأمم المتحدة، نظرا لجديتها ومصداقيتها وصواب توجهاتها.
فاعتبر جلالته أن الحل الذي تجسده مبادرة الحكم الذاتي يعتبر السبيل الوحيد للتسوية في إطار الاحترام التام للوحدة الوطنية والترابية للمملكة.
وبذلك، تم الإعلان الفعلي عن انتهاء المرحلة الأولى من أهداف المسيرة الخضراء، باعتبارها مسيرة دائمة ومستمرة ومستدامة، انطلقت منذ سنة 1975، بالروح التي مكنت من استرجاع الصحراء، ثم استمرت بمسار المصالحة، وبناء الأقطاب الكبرى المحصنة للبلاد، شمالا وشرقا وجنوبا.
وانطلقت الآن في مرحلتها الثانية بنفس القوة والعزيمة والإرادة التي لا تلين، من أجل النهوض بالتنمية الشاملة لكل جهات المملكة.
– 2 –
فأطلقت اليوم العنان لمرحلتها الثانية من نفس الجهة التي أعلن فيها جلالة المغفور له الحسن الثاني في خطابه التاريخي ليوم 5 نونبر 1975 في أكادير عن انطلاق المسيرة الخضراء، بالإعلان رسميا في خطاب 6 نونبر 2019، بأن أكادير هي الوسط الحقيقي للمغرب، ولا يعقل أن تبقى هذه الجهة المحورية معزولة ومحرومة من التجهيزات الأساسية ذات الطابع الاستراتيجي المهيكل، بجانب التجهيزات الأخرى المرتبطة بالجانب اللوجستيكي، والتي ستحقق نقلة نوعية على مستوى البنيات التحتية، سواء تعلق الأمر بالطرق السيارة الرابطة بين شمال وجنوب المغرب، وتعزيز موقع القطب الجهوي كميناء أطلنتيكي أو تعلق الأمر بمؤهلاتها الطبيعية كالسياحة والفلاحة والصيد البحري، وتطوير القطاعات الواعدة، إضافة إلى استثمار طاقات بشرية خلاقة وواعدة.
وبعد أن تم تأسيس الأقطاب الاقتصادية ذات البعد الحمائي للمملكة، في شمال المغرب وشرقه وجنوبه، أصبح من الضروري ومن المستعجل الالتفات إلى المناطق الوسطى والداخلية، حتى تكون انطلاقة التنمية الجهوية متوازنة وذات طابع شمولي ومندمج.
– 3 –
ويبقى على أهل سوس وساكنة جهة سوس ماسة استيعاب عمق الخطاب الملكي ومدلوله؛ وجعل الذكرى 44 للمسيرة الخضراء نقطة تحول عميقة، وانطلاقا لمشروع تنموي نهضوي بالمنطقة.
وذلك، بتحويل كل مؤهلاتها إلى مشاريع واعدة، لتلعب بذلك دورها المحوري، وتتحول إلى قطب وسطي قادر على الجذب والدفع نحو تحقيق الأهداف التي يتضمنها الخطاب الملكي.
ومن تم، فإن جعل جهة سوس ماسة مركزا اقتصاديا وقطبا تنمويا، يربط شمال المغرب بجنوبه، من طنجة شمالا ووجدة شرقا إلى الأقاليم الصحراوية، رهين باستغلال القدرات الطبيعية والبشرية، المتمثلة في الموقع الجغرافي والمؤهلات الاقتصادية والتوظيف الأمثل للموارد البشرية ورهين بالاعتماد على المقومات والقدرات الاقتصادية، التي تمتلكها الجهة، وبمدى قدرتها على تحفيز مختلف القطاعات (الفلاحة، الصناعة، الخدمات، والمهن الحرة…)، في زخم ديناميكي وحيوي يشمل كل طاقات الجهة.
كل هذا من شأنه أن يدفع بعجلة التنمية نحو الأمام بخطى ثابتة، ويلعب دورا حاسما وقويا في إطار الجهوية المتقدمة، وفي سبيل تحقيق الجهوية المنصفة والعادلة التوزيع المتكامل للثروات الوطنية بين جميع الجهات.
– 4 –
وقوة المغرب وطاقاته، لا تنحصر في حدوده الوطنية، فحسب، بل تتعداها لتشمل عمقه الجغرافي والتاريخي والحضاري، لما يمتاز به المغرب من مؤهلات طبيعية هائلة، جعلته محل استقطاب وإشعاع نحو عمق افريقي متجذر ومتجدد، وساهمت في تعزيز موقعه كمحطة أطلنتيكية، كثيرا ما كانت قلعة للتنافس والتلاقي والتفاعل ومركزا للدفاع عن الدولة المغربية منذ قرون.
أضف تعليقاً