أعمو: ضرورة مراجعة نقائص بعض القطاعات الحكومية
خلال المناقشة العامة للجزء الثاني من مشروع قانون المالية لسنة 2020 ، باسم مستشاري حزب التقدم والاشتراكية، قدم المستشار عبد اللطيف أعمو مداخلة دعا فيها لمراجعة نقائص بعض القطاعات الحكومية.
وفيما يلي نص المداخلة المقدمة يوم الجمعة 06 دجنبر 2019 بمناسبة مناقشة التقارير القطاعية المرفقة بمشروع قانون المالية 2020:
السيد الرئيس؛
السيد وزير المالية والاقتصاد وإصلاح الإدارة؛
السيدات والسادة المستشارون؛
يشرفني أن أتناول الكلمة باسم مستشاري حزب التقدم والاشتراكية بمناسبة مناقشة الجزء الثاني من مشروع قانون المالية لسنة 2020 الخاص بالميزانيات الفرعية لمختلف القطاعات الحكومية.
ونظرا لضيق الوقت ومحدودية الحيز الزمني المخصص لنا، فسأقتصر على بعض الملاحظات، حول بعض القطاعات الحكومية، دون غيرها.
في البداية، سأتطرق لرئاسة الحكومة، التي تتولى مهام التنسيق بين مختلف الوزارات، بالإضافة إلى كونها مرفقا استراتيجيا، يحتل موقعا متميزا في هرم السلطة، بجانب رئاستها للعديد من المؤسسات التابعة لها، إضافة إلى تراؤس عدد من اللجن الوزارية.
وهنا نشير إلى أننا لم نلمس تجانسا قويا بين مختلف القطاعات الوزارية التي تم تقليصها وتجميعها بمناسبة التعديل الوزاري الأخير لتفضي إلى 24 حقيبة وزارية بدل 39 سابقا، بينها فقط 4 حقائب للنساء.
والملاحظ أنه تم تجميع القطاعات الوزارية بشكل لا يعكس استراتيجية وخيارا سياسيا واضحا، مسنودا ببنية ملائمة ومنسجمة موازية للتجميع والتقليص، حيث تم إغفال قطاعات حكومية في التشكيلة الحكومية الجديدة، ثم تم تداركها في ما بعد، كقطاع الاتصال والشؤون العامة والحكامة.
ومن منطلق الدور الرقابي للبرلمان، نتمنى أن يبادر السيد رئيس الحكومة إلى وضع تقارير المؤسسات العمومية التابعة لرئاسة الحكومة رهن إشارة المؤسسة التشريعية، لتتمكن من تتبع أدائها وتقييم حكامة تدبيرها.
السيد الرئيس،
إن المالية العمومية أضحت في أمس الحاجة إلى الترشيد من النفقات وتخفيض الضغط على ميزانيات التسيير. والحاجة ملحة اليوم إلى تعميم مشاريع نجاعة الأداء على جميع القطاعات الوزارية، ونشر خلاصات حول افتحاص نجاعة الأداء الخاص بالقطاعات الحكومية، لبعث الثقة وخلق أجواء الشفافية داخل المرفق العام.
ويتعين مراجعة قانون الصفقات العمومية وإحاطة المساطر بالشفافية والمصداقية تحسينا لمناخ الأعمال.
وتعتبر المراقبة الضريبية من الوظائف التي تمكن خزينة الدولة من الحصول على موارد جبائية لتسيير مرافقها. ونظن أن حوالي 700 مراقب غير كاف لأداء مهام المراقبة الضريبية بشكل ناجع.
ويتعين بذل مزيد من الجهد لتحقيق النجاعة ومحاربة الغش والتملص الضريبي.
ويتعين فحص عمليات المساهمة الإبرائية و إلغاء أداء فوائد التأخير وكل التدابير الجبائية التمييزية، لتبيان مدى نجاعتها وتتبع مساهمتها في تحسين المداخيل الجبائية، دون الإضرار بمبدأ العدالة الضريبية.
ونتمنى أن تبادر وزارة الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة دوريا إلى نشر تقارير حول التدابير الضريبية التحفيزية ومدى مساهمتها في تحسين المداخيل، بينما هو متوقع منها والنتيجة النهائية المحققة فعليا.
كما تشكل العلاوات والامتيازات الممنوحة بالمؤسسات العمومية مشتلا لمختلف التقارير الإعلامية، التي تؤثر سلبا على العلاقة مع الملزمين، وتحتاج إلى توضيحات من المسؤولين، بجانب ضرورة وضع نظام يضمن تكافؤ الفرص.
أما بخصوص المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، فلابد هنا من التنويه بأداء هذه المؤسسة التي تبدل جهدا أكيدا لتوفير المعلومة القيمة، كما ونوعا.
أما بخصوص المجلس الأعلى للحسابات، فيجب التعامل مع تقارير هذه المؤسسة الدستورية، بمزيد من الجدية وعدم التعامل معها بانتقائية، وتحفيزها ومدها بالخبراء في مجال المحاسبة، ومدها بالدعم ماديا وبشريا، اعترافا بالأداء النوعي الذي تقوم به هذه المؤسسة.
وبخصوص القطاعات الإنتاجية، لابد من التأكيد على أنه رغبة في تبني النقد البناء وطرح البدائل بعيدا عن المزايدات، نثير هنا فقط إخفاقا تواصليا هاما يتمثل في جهل 60 % من الفلاحين الصغار لمحتوى مخطط المغرب الأخضر، بعد أزيد من عشر سنوات على تبنيه رسميا.
كما يتبين أن حوالي 9 مليون هكتار غير موزعة بشكل جيد وعادل، مع ضرورة تحقيق التوازن بين الفلاحة الكبرى والفلاحة التضامنية والمعيشية.
ويجب الاهتمام أكثر بتحقيق تنمية فلاحية مدمجة للمجالات القروية وللمناطق الجبلية ، مع استحضار تحديات تدبير الموارد المائية بشكل مستدام.
كما يعلق المغاربه آمالا كبيرة على مخطط التسريع الصناعي، كمورد أساسي لخلق فرص الشغل تقوية النسيج الاقتصادي الوطني، إلا أن ضعف النسيج المقاولاتي عموما، ومشكل ديمومة المقاولات ما زال يؤثر على فعالية الصناعة الوطنية، التي ما تزال تتميز بكونها صناعة مناولة بامتياز.
وهنا يكمن دور الحكومة في المراهنة على سياسة صناعية إرادية تعتمد الرقمنة وتدبير الموارد وإدماجها السوسيو مهني، مع تقوية حضور الدولة والمقاولة الوطنية الصغرى والمتوسطة والصغيرة جدا في النسيج الاقتصادي الوطني، وتعزيز دينامية التصنيع، بترويض التكنولوجيا لربح رهان التنافسية وطنيا ودوليا، مع توجيه الاستثمارات وتقوية مساهمة الأبناك في هذه الدينامية.
من جهة أخرى، عرف قطاع السياحة مخططات متتالية دون نجاعة أكيدة، مع استمرار سوء التدبير وغياب الحكامة في القطاع.
وباعتبار الارتباط العضوي للصناعة التقليدية بقطاع السياحة، فضرورة دعم القدرة التنافسية للقطاع وتكوين العنصر البشري أصبح حتميا.
كما يتعين التفكير جديا في أهمية تدبير الموارد البشرية بالقطاع العمومي ككل، مع إحالة عدد كبير من أطر الوزارات على التقاعد في قادم الأيام، وتأثير هذا المعطى على حسن الأداء وتعويض الأطر، حفاظا على نجاعة أداء القطاع العمومي.
كما يتعين الإشارة بخصوص الاستثمار في البنيات التحتية إلى ضرورة التوفر على معايير الجودة العالية في إنجاز المشاريع والبنيات التحتية. فالتساقطات المطرية تعري في بداية كل موسم أمطار هشاشة هذه البنيات ورداءة الأشغال.
مما يستدعي مراجعة أشكال تدبير البرامج والتمويلات وعمليات الانجاز والتنفيذ مع اعتماد معايير الشفافية والنزاهة في المتابعة والتقييم.
ويجب الانتباه لتعزيز البنيات التحتية بالعالم القروي وبالمناطق الجبلية، ولإشكاليات تسيير المحطات الطرقية وتدبير مجال النقل عموما بمختلف مرافقه، لأن حرب الطرق حصدت مؤخرا العديد من الأرواح، وهذا ما يسائلنا حول السياسات الرسمية المعتمدة لوقف هذا النزيف المخجل.
وانطلاقا من إيماننا بأن على المغرب أن يسير بثبات في مسار البلد السككي بامتياز، فنحن نثمن هنا المبادرة الملكية للتنبيه بأن جهة سوس ماسة جهة محورية ومركزية، تتطلب تعزيز الشبكة السككية الوطنية لتصل إلى أكادير، في أفق تقويتها لتصل إلى جنوب المملكة، آملين أن يشمل هذا التشبيك المناطق الشرقية كذلك.
ونثمن بالمناسبة كل المبادرات الرامية إلى تقوية البنيات التحتية الأساسية بمختلف جهات المملكة، والتي تساهم في الرفع من جاذبية الجهات في أفق بناء عدالة ترابية شاملة وموحدة.
السيد الرئيس،
إن مقاربة القطاعات الإنتاجية من طرف حزبنا تنطلق من حرصنا على بناء اقتصاد وطني قوي مع ضرورة التوفيق بين النجاعة الاقتصادية ومتطلبات التنمية المستدامة والتوزيع العادل للثروات في ظل العدالة الاجتماعية والمجالية.
ونرى أنه يتعين من هذا المنطلق مقاربة الاستراتيجيات التنموية والبرامج القطاعية على ضوء ما تحقق من نتائج، وما نصبوا إليه من نمو اقتصادي قوي ومحفز للاستثمار وخالق لفرص الشغل ومحقق للاستدامة، مع إعطاء البعد الايكولوجي مكانته بجانب تنمية الاقتصاد الاجتماعي والتضامني.
إن محدودية السياسات العمومية وضعف حكامتها والتقائيتها هي موضوع العديد من الخلاصات والمؤشرات الدالة في التقارير الوطنية والدولية.
ولتجاوز الوضع، نرى أن من الضروري محاربة الامتيازات والاحتكار واقتصاد الريع في مختلف حلقات البرامج والاستراتيجيات العمومية، بجانب إدماج النشاط الغير المهيكل وتثمين الموارد البشرية.
السيد الرئيس،
إننا بمعدل نمو يكاد الذي لا يتجاوز 3 % على الأكثر في السنوات الأخيرة، لن نتمكن من الارتقاء بالوضع الاقتصادي بنسب هشة وغير مستقرة، كما أن استمرار ارتباط النمو بالقطاع الفلاحي وعدم قدرة القطاع غير الفلاحي على تحقيق دفعة قوية، يضعنا أمام معدلات نمو لا تنعكس على القدرة الشرائية للمواطنين، ولا تحسن الوضع العام لمؤشرات التشغيل وبناء الاقتصاد على أسس مستدامة.
إن الحل من منظورنا يكمن في وضع الإنسان في قلب الدينامية التنموية، وإعادة توزيع الثروة الوطنية توزيعا عادلا، اجتماعيا ومجاليا. لأننا نعتبر أن غياب محورية المواطن كقطب مركزي في اهتمامات الدولة يعرقل المسار التنموي.
ويتعين ترجمة هذا المقتضى على صعيد مشروع القانون المالي، وفي السياسات العمومية بشكل عام.
وبخصوص ورش الجهوية واللآمركزية وعدم التركيز الإداري، يتعين تقييم الورش الجهوي في هذه الولاية التأسيسية، بهدف تجاوز الإكراهات وتصحيح المسار.
ويتعين فحص السياسة الترابية، التي تهدف إلى منح المزيد من الاختصاصات للجهات وللمجالس الإقليمية ، على ضوء التوصيات الملتقى البرلماني الوطني حول الجهوية الموسعة، والتعجيل بتفعيل التوصيات الصادرة عن المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، بهدف تجاوز محدودية وتباين مستويات تملك ورش الجهوية المتقدمة.
لقد حان الوقت لتطوير المستوى الترابي الإقليمي، الذي يعتبر أنسب مستوى ترابي لترجمة البعد الاجتماعي للسياسات العمومية الترابية.
وفي هذا الباب، لابد من الإشارة إلى وضع الموارد البشرية في الجماعات الترابية، والذي يشهد تفاوتات كبيرة، ولقد حان الوقت لإيجاد حلول للخصاص القائم ومعالجة إشكاليات التضامن بين الجهات والجماعات الترابية في مجال التعمير والتجهيز وغيرها…
فلقد راكمت بلادنا نجاحات يجب تثمينها، وتمكين المجالات القروية والجبلية من فوائدها خدمة للعدالة المجالية المرجوة.
وبخصوص ورش الجهوية المتقدمة، يتعين التأكيد على ضرورة توفير قيادة استراتيجية لورش الجهوية المتقدمة برؤية واضحة للحاجيات وقدرة على تبني الأولويات، اعتبارا لكون هذا الورش ورشا طويل الأمد، بجانب الرفع من مستوى التمكين في استراتيجيات الترابية ودعم القيادة الاستراتيجية بالجهات.
لأن النموذج التنموي المنشود، مرتبطة بالقيادة الجيدة لورش الجهوية المتقدمة، ونتمناه نموذجا يحدث قطيعة بنيوية مع اقتصاد الريع والامتيازات، ويمكن بلادنا من مواجهة التحديات الكبرى، عبر محورية دور الدولة في بناء اقتصاد وطني منتج ومدمج.
وبخصوص الجانب الحقوقي، لا يمكن تناول وضعية حقوق الإنسان دون ربطها بالحالة الصحية للديمقراطية. فالممارسة الديمقراطية تعرف مدا وجزرا ينعكس على وضعية حقوق الإنسان. وهي ظلت تسجل خروقات وتجاوزات بين الفينة والأخرى، لابد من معالجتها معالجة جريئة ومسؤولة.
ورغم ما راكمته بلادنا في المجال الحقوقي، إن على المستويين التشريعي والمؤسساتي أو على مستوى الممارسة أو على مستوى التفاعل مع الآليات الأممية الضامنة للحقوق والحريات، يتعين الاستمرار في استثمار التقارير الأممية والوطنية وتنفيذ توصياتها بما يخدم المسار الحقوقي.
كما نثمن إخراج المخطط التنفيذي للخطة الوطنية في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان على شكل إجراءات عملية مرتبطة بجدولة زمنية مضبوطة.
ونتمنى أن تفضي إلى وضع معايير وضوابط لقياس الوضع الحقوقي وطنيا. كما نتمنى أن يرفق القانون المالي مستقبلا بميزانية مستجيبة لحقوق الإنسان على غرار الميزانية المستجيبة للنوع، مع إشراك البرلمان في الدبلوماسية الحقوقية خدمة للقضايا الوطنية.
إن سياق نزول القانون المالي مطبوع بأجواء تنامي الاحتجاجات. وتعتبر حماية المكتسبات التي تحققت في مجال حقوق الإنسان وتعزيزها وتقويتها بضمانات مرتبطة بالحق في التظاهر السلمي وفي تكوين الجمعيات، أمرا أساسيا. وأن الواجب الرقابي للبرلمان يفرض تنبيه الحكومة إلى المضايقات والتجاوزات كلما حصلت وتأكدت.
كما يتعين القطع مع بعض الخروقات واستعمال العنف في التعاطي مع الاحتجاجات السلمية وعدم التضييق على نشطاء حقوق الإنسان…
وفي مجال العدل، لا بد من التأكيد بعجالة على أن سياق تحقيق الاستقلال الحقيقي للقضاء رهين بإنجاح المسار الديمقراطي وتقوية ركائزه. مع التأكيد على ضرورة استكمال الورش التشريعي في هذا المجال، توطيدا لضمانات المحاكمة العادلة، والسير قدما في مسار إصلاح المنظومة ككل، وعلى رأسها استكمال ورش تعديل القانون الجنائي وقانون المسطرة الجنائية وقانون المسطرة المدنية والقوانين المنظمة للمهن القضائية وغيرها…
ونسجل بارتياح التطور الحاصل في مسار المجلس الوطني لحقوق الإنسان، مع تسجيل ضعف الميزانية المرصودة لهذا المجلس مقارنة مع مساهمته الكمية والنوعية في دعم الحقل للحقوقي ببلادنا
السيد الرئيس،
إن جمع مجال حقوق الإنسان والعلاقة مع البرلمان في قطاع وزاري واحد قد يشكل قفزة نوعية في تحسين العلاقة بين المؤسسة التشريعية والتنفيذية، خصوصا في ما يهم تهميش المبادرة البرلمانية في التشريع من خلال رد الاعتبار لمقترحات القوانين في الأداء التشريعي.