?>

افة الرشوة ببلادنا

Abdellatif-Ouammou-2011-03-08

في تقريرها لسنة 2005، صنفت منظمة “ترانسبرانسي الدولية” المغرب في مصاف الدول التي تعرف تطورا مهولا في مجال انتشار ظاهرة الرشوة في العالم.
وهكذا احتلت بلادنا رتبة مخجلة، حيث صنفت في الرتبة 78 من مؤشر الرشوة لهذه السنة، مع العلم أن ترتيبها كان أحسن بكثير -إن صح القول- سنة 1999، حيث احتلت إبان حكومة التناوب بقيادة الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي الرتبة 45·
إن الأجواء العامة التي ساهمت في الترتيب المشرف للمغرب سنة 1999 معروفة، ومن ضمنها هيمنة الخطاب التخليقي وبروز الخطة الوطنية لمحاربة الرشوة، وتحريك العديد من المتابعات القضائية بجانب تفعيل العديد من التدابير التي من شأنها أن تساهم في تطويق هذه الظاهرة المشينة

إن الرشوة تعبير عن انحراف وشذوذ في ممارسة السلط السياسية والاقتصادية والثقافية، وإن هذه السلط توظف لخدمة أغراض خاصة بدل توظيفها لخدمة الصالح العام، ولقد أدى تغلغل الرشوة في الجسم السياسي والإداري والاقتصادي ببلادنا، إلى انتشار مظاهر الفساد والإفساد في الحياة الإدارية والسياسية.
فلم يعد من باب المزايدة، القول بأن الرشوة استفحلت وطالت كل الهياكل الإدارية بالمغرب بما في ذلك القطاع الخاص، وبدون أن نذكر بعض القطاعات التي تعيش من الرشوة وبالرشوة، وبدون الحديث عن الصفقات العمومية وما يشوبها من خروقات… فواقعنا أضحى يعايش مظاهر الفساد وتعايشه بشكل يومي، مما يقتضي مضاعفة الجهد لتحسين صورة المغرب داخليا وخارجيا.فالأكيد أن تقارير “منظمة ترانسبرانسي” ومثيلاتها، تؤثر سلبا أو إيجابا على استقطاب الإستثمارات الخارجية وعلى تطور العلاقات الإقتصادية والدولية وعلى نفسية المواطنين ومدى استعدادهم للإنخراط في مسلسل تحديث البلاد.
لقد أصرت “منظمة ترانسبرانسي” المغرب السنة الماضية، على إيجابية إخراج قانون لمحاربة الرشوة، مؤكدة أن التصدي لهذه الظاهرة يعد اختيارا سياسيا يجب أن يتم بوضوح وأن يترجم إلى أعمال يومية لأن محاربة الرشوة تبقى قضية جماعية بالدرجة الأولى، وعلى كل فاعل الاضطلاع بالمسؤوليات المنوطة به في هذا الإطار. كما أن الحد من ظاهرة الرشوة يمر عبر التحسيس والتوعية بخطورة الظاهرة، وهذا يحيلنا بالأساس على التربية ضد الرشوة، وجعل مؤسساتنا التعليمية مجالات متميزة لنشر قيم ومبادئ المواطنة الحقة والفاعلة، لأن المقاربة التربوية تعتبر كذلك استثمارا في المستقبل ومدخلا أساسيا لمعالجة ظاهرة الرشوة بجانب المقاربات القانونية والاقتصادية الأكثر تداولا، لكن كل مؤسسات التنشئة الاجتماعية الأخرى مدعوة للمزيد من الجهد وخلق المناعة والتحصين ضد الانحراف بمجتمعنا.
كما تعد النصوص التشريعية والتنظيمية من الأدوات الضامنة لمتانة وصلابة هذا الصرح، وينبغي تطويرها كلما اقتضى الوضع ذلك عن طريق تطوير الأدوات المتاحة وابتكار أدوات جديدة، وهذا يرتبط بالطبع بوضع نصوص ذات معايير تقر بتفريد العقاب بدل معاقبة الراشي والمرتشي.
كما أن تحريك مسطرة المتابعة بعد تفحص ما ورد في التحقيقات الصحافية التي تكشف عن تلاعبات واختلالات مالية وحالات إرتشاء -والتي تبقى في غالب الأحيان حبرا على ورق- لمن شأنه أن يعزز دور الصحافة الوطنية في محاربة هذه الظاهرة.
قال قائل: “إن الحديث عن الرشوة إذا أصبح يثير ضجة في مجتمع ما فتلك علامة على أن هذا المجتمع بدأ يميز بين الشأن العام والشأن الخاص ومؤشر أيضا على ديموقراطية ناشئة”·
إن تكريس “الطابو” هو مرحلة أساسية للمساهمة في وضع مقترحات المقاربات، لأننا انتقلنا بالفعل في بلادنا من النقد الضمني إلى النقذ العلني، ومن النفي الرسمي إلى الإقرار الأكيد والرغبة في تطويق الظاهرة رغم عناد الواقع لكن القيام بالدراسات واستطلاعات الرأي وتشجيع البحث الأكاديمي في هذا المجال يساهم في معرفة الميدان وتحديد المنهج السليم، كما أن مقارنة نتائج الدراسات يمنح تحكما أكبر في الآليات المسببة للرشوة والمسهلة لانتشارها
–  فهل القوانين وحدها كفيلة بردع المرتشي؟- وهل استئصال الظاهرة رهين بالاستثمار الجدي في تأصيل التربية على حقوق الإنسان وروح المواطنة الفعلية، أم أن القضاء على هذا المرض الذي ينخر جسمنا الاجتماعي والاقتصادي والسياسي يتطلب تكامل كل هذه العناصر وتعاضدها؟.
نلاحظ أثناء تفحصنا لقوانين العديد من الدول، أن هناك العديد من الآليات الزجرية للمرتشي والذين يتعرضون للمتابعة القضائية التي قد تنتهي بهم بالسجن أو فرض عقوبة مادية قاسية متى ثبت تورطهم في الإرتشاء، ومن الدول مثل ألمانيا من خلقت ما يسمى “بسجلات الرشوة” والتي تدون بها كل الحالات المتعلقة بالمؤسسات العمومية وتعرض على المجلس الأعلى للحسابات لاتخاذ الإجراءات المناسبة ومن ضمها الحذف المؤقت للشركات التي ثبت تورطها من لوائح طلبات العروض المتعلقة بالصفقات العمومية وهناك من الدول مثل فرنسا التي أحدثت لجنة وزارية للسهر على المراجعة السنوية لكل طلبات عروض الصفقات العمومية بجانب الإشراك الفعلي للمواطنين في التسيير الجماعي من خلال خلق ما يسمى بـ: “مجالس الأحياء” وهي عبارة عن مجالس موازية للمجالس المنتخبة تتولى عملية مراقبة صرف ميزانية الجماعة وإبرام الصفقات وقد أبانت هذه التجربة بمشتلها ببورتواليكري البرازيلية عن مدى نجاعتها في المراقبة المالية للإنفاق العمومي وفي التقليص من ظاهر الرشوة؟

فكيف لنا أن نقتدي بمثل هذه التجارب الدولية ونكيفها مع خصوصياتنا؟ وكيف لنا أن نصنع مواطنا رافضا للرشوة في ظل هذا التدني؟

بيان اليوم – 11/01/2005

بقلم عبد اللطيف أعمو









الرجاء من السادة القراء ومتصفحي الموقع الالتزام بفضيلة الحوار وآداب وقواعد النقاش عند كتابة ردودهم وتعليقاتهم. وتجنب استعمال الكلمات النابية وتلك الخادشة للحياء أو المحطة للكرامة الإنسانية، فكيفما كان الخلاف في الرأي يجب أن يسود الاحترام بين الجميع.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

الموقع الرسمي للمستشار البرلماني عبداللطيف أعمو © www.ouammou.net © 2012