?>

حوار لعبد اللطيف أعمو مع مجلة “مشاهد” حول افاق التنمية بجهة سوس ماسة درعة

Abdellatif-Ouammou-2011-03-08

نص حوار لعبد اللطيف أعمو

مع مجلة “مشاهد”

نشر في عدد 105 – من 22 غشت إلى 21 شتنبر 2008 – فقرة الملف – ص 18-19

1- تعرف جهة سوس ماسة درعة مجموعة من الاختلالات والاشكالات التنموية، في نظركم ما هي أهم هذه الاشكالات الآنية؟

ما سميتموه في سؤالكم بالاختلالات والاشكالات التنموية بجهة سوس ماسة درعة هي قديمة وذات طبيعة عامة ترجع إلى ما قبل إحداث النظام الجهوي، باعتبارها إختلالات مرتبطة بانعدام التكافئ بين الاقاليم واتساع الفوارق بينها داخل البلاد. هذا التباعد الذي يهم كل أقاليم المملكة، حيث تتزايد الفوارق بين المركز والأجنحة. وهو ما يلاحظ على المستوى العمودي بين مراكز وسط المغرب، التي تعتبر قمة الهرم، وبقية الأقاليم.  ونفس الظاهرة تشهدها الجهات. وهذا ما يجعل سكان اقليم  ورززات أو زكورة أو تيزنيت مثلا بجانب بقية الأقاليم يحسون بنوع من الاقصاء والتهميش من جراء استفادة مركز الجهة على حساب بقية الأقاليم. ونفس الشئ تشعر به عدد من الجهات على الصعيد الوطني تجاه محور الدار البيضاء- الرباط.

وإذا علمنا أن جهة سوس ماسة درعة تعتبر الجهة الثانية في المغرب من حيث عدد السكان، والجهة الثانية كذلك من حيث أهمية الموارد الاقتصادية، فإنها مع ذلك لم ترتق بعد إلى المستوى الذي يتناسب ومؤشراتها الاقتصادية ومؤهلاتها الاستثمارية على المستوى الاجتماعي، وبالخصوص في مجال التعليم والتربية والصحة والتجهيزات التحتية وحقوق النساء والأطفال. وأظن أن هذه هي أهم الاختلالات والتحديات التي تواجه الجهة، بجانب التحديات البيئية وكل ما يرتبط بالتنمية المستدامة.

لقد كانت جهة سوس ماسة درعة سباقة إلى وضع مخططها الاستراتيجي الذي صادق عليه مجلسها، فالتزم مكتبها بتنفيذ المشاريع ذات الأولوية، إلا أنه تبين في الأخير أن هذا المخطط لم يهتم بالقدر الكافي بالمسألة الاجتماعية بقدر ما انصب على الجانب الاقتصادي المرتبط بتنمية موارد الصيد البحري والفلاحة والسياحة، التي عرفت ديناميكية اقتصادية نسبية. لكن هذه الطفرة لم تحسن من أوضاع ساكنتها الاجتماعية، بل أن نسبة القيمة المضافة للجهة من نشاطها الاقتصادي العام ما زال ضئيلا لا يقاس بعدد سكانها وضخامة مشاكلها الاجتماعية. فهي ما زالت بقرة حلوبا ترتوي منها مجموعة من المستثمرين المحظوظين، والذين تستثمرون بكامل الحذر. وحتى البنوك التي تتلقى ودائع الجالية المغربية المقيمة بالخارج، والتي تنتمي إلى هذه الجهة، وهي جالية من الأهمية بمكان، لم تقم لحد الآن بوضع خطة لإدماج هذه الجالية في مشاريع استثمارية مندمجة تساهم في إيجاد مناصب الشغل والتخفيف من حدة البطالة ومحاربة الهشاشة والإقصاء الاجتماعي. الشئ الذي جعل جل تحويلات هاته الفئة تستغل في مناطق أخرى خارج الجهة، نظرا لغياب العناية الكافية بعناصر الجذب والاستقطاب.

إذا أضفنا إلى هذه الاكراهات ما يتعلق بواقع العزلة المفروض على هذه الجهة، رغم أهميتها، وما يرتبط بذلك من انعدام الربط بالسكك الحديدية الوطنية وسوء حالة الشبكة الطرقية ورداءتها ومحدوديتها. وهو ما يعرقل التواصل المادي والإعلامي، بحكم حرمان الجهة  من التغطية الشاملة للإعلام السمعي البصري.

هذه الأوضاع لن توفر الأرضية الضرورية لتمكين الجهة من تسريع وتيرة تطوير قدراتها البشرية وتحريرها وتغيير العقليات وتطوير الثقافات وبناء نظام للحكامة يمكن الجهة من أداء وظائفها وبناء مشروعها داخل الدائرة الوطنية المتضامنة والمتماسكة.

لكن مع ذلك فإن المجهودات المبذولة خلال السنوات الخمس الماضية وما تم إنجازه من خلال تفعيل المخطط الاستراتيجي للجهة فتح بدون شك أفقا للتفكير بجد في ضبط الأولويات والتحكم في الاكراهات القائمة واستدراك الخصاص الحاصل في العجز الاجتماعي والثقافي والبيئي المتراكم على مر العقود.

2- تعرف الاقاليم السبعة المكونة لجهة سوس ماسة درعة فوارق واختلالات تنموية، كيف يمكن لمؤسسة الجهة أن تساهم في إزالة هذه الفوارق وأن تعمل على تجميع جهود باقي المؤسسات المعنية بالتنمية الجهوية؟

سبق لي أن قلت بأن هناك فعلا فوارق واختلالات تنموية بين الأقاليم المكونة لجهة سوس ماسة درعة. وهي صورة حقيقية عن الواقع الاجتماعي المغربي، الذي يعاني من ظاهرة اتساع رقعة الفوارق الاجتماعية بشتى أبعادها الإنسانية البشرية والإقليمية والجهوية والترابية، وكذلك البيئية والثقافية.

وهذا راجع إلى نظام تنموي غير ناجع وموجه، والذي عرفته البلاد منذ عقود، والخالي من كل مقومات العدالة الاجتماعية والترابية والحكامة الرزينة. وهو وليد غياب منظومة سياسية شاملة تمكن من ممارسة كل الحقوق السياسية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية في ظل نظام ديمقراطي متكامل يراعي خصوصيات كل جهة، وقدرات كل إقليم داخل الجهات وطاقاته الخلاقة.

ومنذ عقد من الزمن، هناك محاولة استدراك لهذا الخلل في إطار نظام جهوي لا مركزي يعتمد على تنمية القدرات المحلية، وفتح أفق للتنافس وتكافئ الفرص والمساواة، إلا أن المشروع ما زال في بدايته ولم ينطلق بعد بكامل الشروط الضرورية لإنجاحه، وبالخصوص على المستوى السياسي والإداري وقواعد الحكامة.

ومن خلال هذا الوضع، فإنه سيكون من الصعب على جهاز الجهة أن يقضي على الفوارق بين أقاليمه وداخل كل إقليم على حدة، وسيكون من الصعب عليه كذلك أن يضع نظاما للتنسيق وتجميع الجهود مع باقي المؤسسات المعنية بالتنمية الجهوية، بل أن الذي نلاحظه هو ظهور نوع من المركزية الجهوية على حساب معاني اللامركزية كنظام تنموي بجانب نظام ممركز تتحكم السلطة المركزية في كل قراراته صغيرة كانت أو كبيرة على مستوى كل المصالح والمرافق الادارية والوزارية. الشئ الذي يرسخ نظاما بيروقراطيا مركزا يتنافى مع المبادئ والقيم التي يقام عليها النظام الجهوي كبنية ترابية وكأداة للتنمية.

وفي اعتقادي أن الجهة المكونة من عدة أقاليم تحتاج إلى نظام تعاقدي متكامل يعتمد على توزيع العمل وتعدد قواعد الانتاج في نسق تكاملي واضح ينطلق من المؤهلات الطبيعية والبشرية لكل إقليم، وما يستطيع أن يتخذه كقاعدة لبناء مشروعه التنموي المتكامل مع المشاريع الأخرى في كل المجالات، وبالخصوص المجال الفلاحي والسياحي والصناعي والخدماتي ومجال التكنولوجيات الحديثة.

أما في الواقع الراهن، فإن كل إقليم يسير على هواه وبدون وجود رؤية جهوية مدروسة تعتمد على وضع مخططات تنموية إقليمية تكون الجهة هي المنسق والقائد لدعم تنميتها وتكامل عناصرها.

فإذا كان التعدد في المجال السياحي مثلا يسمح بخلق قطبية جهوية لها أجنحة قوية كالسينما والثرات والصناعة التقليدية والمجال البيئي والايكولوجي، فإن ذلك وحده لا يكفي، بل لا بد من هندسة بيداغوجية تجعل كل هذه الأجنحة تشتغل في نسق متكامل من أجل ربح رهان سياحي كبير ومندمج.

كما أن التنمية الجهوية تتطلب الاعتماد على هوية حقيقية لمختلف المدن والأقاليم حسب قدراتها البشرية والمجالية، ونظام حكامة تنسيقية بين مختلف الأقاليم المكونة للجهة وتوزيع الأدوار بينها وخلق المجالات التنموية والاستثمارية المتكاملة والمناسبة لكل منها. وأن غياب هذا التنسيق التكاملي المبني على قاعدة توزيع العمل وخلق بنيات متعددة ومتكاملة حسب موارد وقدرات كل إقليم، سيبقى الوضع على ما هو عليه، حيث تتنافر الأقاليم فيما بينها حول أهداف محدودة وصغيرة. وهذا لن يسمح بالرفع من القيمة الإنتاجية وتثمين المجهود المبذول والطموح المرسوم.

أظن أن التراكم الايجابي الذي حصل خلال العقد الأخير لا بد أن يعاد تقييمه وتثمينه ليستغل في مجال تأهيل الجهة وإعادة الاعتبار لكل أقاليمها خصوصا وأن الجهة أنجزت عدة مشاريع ذات طبيعة مهيكلة في مجال الطرق وتشجيع المقاولة وخلق آليات للدعم والتفكير والانخراط في شبكات دولية للحكومات المحلية عبر نظام التعاون اللآممركز.

3- يتسم عمل الجماعات المحلية في المنطقة بالاقتصار على تدبير العمل اليومي دون أن ترقى إلى هيئات مبادرة تسعى إلى خلق تنمية مستدامة، ما السبب في ذلك؟

من الطبيعي أن يقتصر عمل بعض الجماعات المحلية في المنطقة، وليست كلها، على تدبير العمل اليومي دون أن يرتقي إلى هيئات مبادرة في مجال التنمية الشمولية، وذلك راجع إلى غياب المخططات التنموية الإستراتيجية المحلية، رغم أن القانون الجماعي يلزم كل جماعة بأن تهيئ مخططها التنموي في بداية عملها، إلا أن إمكانيات الجماعة المادية والبشرية لا من حيث الكم والكيف تبقى محدودة.

وإذا أضفنا إلى هذا كون غالبية الجماعات لا تتوفر على القدرات التدبيرية القادرة على بلورة طاقاتها من خلال مشاريع مدروسة ومندمجة، بسبب غياب وعدم كفاية الأطر التقنية والإدارية من جهة، وعدم وجود نظام تعاوني (synergie) بين الجماعات من جهة أخرى، وعدم وجود أواصر التعاون والتأطير بين الجماعات والجهة من جهة ثالثة.

إن تدبير العمل اليومي للجماعة هو أمر ضروري وعادة ما يقوم به موظفوا الجماعة بجانب المنتخبين، ولكن طريقة الأداء هي التي تحتاج إلى إعادة تنظيم العلاقات بين المواطنين ساكنة الجماعة وجماعتهم، بمعنى أنه يجب العمل على خلق مفهوم للجماعة كأداة تضامنية، يشعر فيها المواطن بأنه في جماعته يتفاعل معها على الدوام وله تجاهها التزامات وواجبات، لأن عليها أن تؤمن له الظروف الملائمة والطبيعية وتضمن له ظروف حسن العيش وتوفير إطار للحياة الملائمة، تحل فيه علاقة الالتزام بينه وبين الجماعة محل علاقة الزبونية والمحسوبية، وذلك من أجل الرفع من مستوى الأداء الجماعي ككل، لكي ترقى إلى جماعة تعبر عن طموحاته ووجدانه وترمز إلى انتمائه المحلي وثراته العائلي والجماعي. ولما تتعزز هذه العلاقة بشكل قوي فهي تجعل المواطن يشعر بأنه يساهم في بلورة قرار الجماعة سواء كان سياسيا أو تدبيريا من خلال مشاركته ومبادرته، فإن الجماعة حينذاك ستوفر له الفضاء الملائم للمبادرة وتحقق له شروط النجاح.

ربما أن هناك من يرى أن على الجماعة أن تتحول من جماعة متضامنة تقوم بوظائفها في تنمية الحس المحلي وغرس شروط الانسجام الاجتماعي وتقوية الهوية المحلية وكأداة للحوار والتفكير الجماعي حول حاجياتها الحقيقية الملائمة إلى جماعة مقاولة منافسة للمؤسسات الاقتصادية والاجتماعية. لكن وظائف الجماعة أوسع من هذا كله، لأن الجماعة فعلا تبادر في إطار تنفيذ مخططها الاجتماعي إلى تحديد أولويات ساكنتها في المجال الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والبيئي، وتبادر إلى وضع المشاريع المرتبطة بتحقيق أهدافها هذه. ولكنها تقوم دائما بهذه الأدوار ليس من منطلق الربح، ولكن من منطلق التأسيس لسلوك حضاري يضمن الانسجام والاستقرار والرفاهية لساكنتها.

لذلك فالحديث عن التنمية المستدامة في سؤالكم هو من صميم أهداف الجماعة المحلية، لأنها بذلك تدبر للمستقبل وتراعي حقوق الأجيال، وسبيلها الوحيد هو الحرص على الجانب الاجتماعي والثقافي والبيئي والمشاركة في تعميم التعليم والتربية والحفاظ على الذاكرة وتقوية الحس الترابي والهوية وبالخصوص لدى النساء والأطفال بقصد توجيههم إلى الابتكار والإبداع والكشف عن قدراتهم الذاتية بتوفير مجال ملائم لانبثاق المواهب وصقلها.

4- كيف تنظر إلى تنامي ظاهرة الاحتجاجات بالمنطقة، وكيف يمكن للفاعل المحلي والجهوي المساهمة في الحد من مسببات هذه الاحتجاجات؟

ظاهرة الاحتجاجات هي ظاهرة صحية، لأنها تعبير ودليل على وجود حيوية مجتمعية، وفضاء الحرية الذي يقابله فضاء الضبط واحترام القانون. وكيفما كان الفاعل محليا كان أو جهويا، فإنه لا يستطيع الحد من الاحتجاج، لأنه – كما أسلفت في القول- مظهر من مظاهر الحرية. والحرية لا تعرف الحدود إذا لم تتعد حدود حرية الآخرين. فالمسألة إذن مرتبطة بمعرفة ما إذا كانت الاحتجاجات تعبر عن الحرية أم أنها تعبير عن شغب. لأن استعمال العنف والاعتداء على حقوق الآخرين تحت مظلة الغضب، صنف لا ينتمي إلى فضاء الحرية وتعبيراته.

أما الاحتجاج الاجتماعي فهو تعبير عن الاستياء من آثار سياسة الحكومة في مجال من المجالات أو تعبير عن الحرمان من الحقوق أو الحد منها. فهو بهذا المعنى يدخل في إطار الجدل الطبيعي والحر الذي يجب أن يبقى دائما بين الدولة والمجتمع من خلال هيئاته. ويأمر القانون باحترام هذا الجدل وقواعده ويحرم المساس به أو الحد منه بواسطة العنف، ولو كان ذلك تحت مظلة الحفاظ على النظام. لذلك نجد أن القانون المنظم للحريات العامة يقر بمشروعية التجمهر أو الاعتصام الغير المسلح، ولا يعاقب عليه ويسمح للقوة العمومية بالتدخل لفك الاعتصام أو الاحتجاج إذا كان مسلحا أو من شأنه الإخلال بالنظام العام، بشرط الاخبار والتحذير والإنذار عدة مرات، بواسطة مكبرات الصوت بأن القوة العمومية ستتدخل لفك الاحتجاج بالقوة. والقوة هنا لا تعني العنف أو التعذيب الفردي أو الجماعي ولا تعني الانتقام، بل تعني التصرف في حدود ما تقتضيه قواعد التناسبية واستعمال الآليات الأقل خطرا وبكيفية تحترم كرامة الإنسان وهبته وشرفه.

أما إذا كنتم تحصرون أسباب الاحتجاج فقط في مجال التنمية، فهي بالأساس مادية، لذا فما على الفاعل المحلي والجهوي، إن أراد المساهمة في الحد من هذه الاحتجاجات، ولو كان ذلك صعبا، إلا أن يكثف مجهوده لبناء قاعدة تنموية مندمجة ومطردة قادرة على التجاوب الايجابي وابتكار الحلول والاستجابة لطلبات العمل مع توفير الحقوق المترتبة عن ذلك في مجال الشغل أو في المجالات المرتبطة به.

ومن هذا المنظور، فإن الفاعل المحلي والجهوي – إذا كان المقصود به المنتخب – لن يكون باستطاعته التحكم في أسباب العجز، إلا إذا توفرت لديه إرادة سياسية قوية تمكنه من تنفيذ برنامجه، وكذلك توفير الامكانيات المادية الضرورية، خصوصا إذا كانت الاكراهات، في تجلياتها الظرفية أو البنيوية، متعددة وذات أبعاد ومستويات متشعبة ومختلفة ومتناقضة أحيانا.

ومن هنا يمكن التأكيد بأن الاحتجاج ما هو إلا مظهر من مظاهر ممارسة الحقوق والتعبير عن الرأي، ولا بد أن يجد آذانا صاغية وعقولا وقلوبا رحبة، قادرة على الحوار والجدل البناء. وهذا هو السبيل الوحيد الذي يمكن من الحد من أسباب الاحتجاجات ويساهم في عدم تأجيجها.

5- المعروف أن جل برلمانيي الجهة ينتمون إلى أحزاب الأغلبية إلا أن هذا المعطى لم يستغل من طرف هؤلاء للضغط على الحكومة من أجل الوفاء بالتزاماتها تجاه ساكنة المنطقة، كيف تنظر إلى هذه المفارقة؟

يظهر من سؤالكم هذا أن صفة البرلماني محلية وليست وطنية. وهذا ينبغي تصحيحه، لأن الدستور المغربي ينص على أن البرلماني يستمد صلاحياته وانتدابه من الشعب، وأنه يمارس وظيفة التشريع على الصعيد الوطني بجانب وظائف أخرى كالتمثيل ومراقبة الحكومة وفقا للقانون التنظيمي للبرلمان ووفق قانونه الداخلي. لكن البرلماني رغم هذا كله له إحساس وارتباطات محلية، ويتأثر بشكل مباشر بكل ما يتعلق بمنطقته إيجابيا كان أو سلبيا، ويمارس وظيفته التمثيلية غالبا بارتباط مع الجانب المحلي أو الاقليمي.

والبرلماني كذلك يمكن أن يتحول إلى قوة اقتراحية، فيقترح القوانين أو التدابير على الحكومة، وغالبا ما يكون منبعه في ذلك قربه من المواطنين في منطقته. وهذه القوة الاقتراحية يمارسها داخل فريقه، ويمكن أن يتحالف مع فرقاء آخرين.

أما العمل بمنهج كتل الضغط أو ما يصطلع نعته باللوبيات، فإنه لا ينسجم مع التقاليد البرلمانية، وإن كان البرلماني يشعر في بعض الأحيان بتأثيرات قوى الضغط التي تمارس عليه. وهنا لا بد له من أن يكون حذرا ويحافظ على استقلاله. وهذا بالذات هو سر وأساس الحصانة البرلمانية.

ومع ذلك فإن البرلمانيين المنتمين لجهة سوس ماسة درعة بحكم اعتزازهم بالانتماء الجهوي وحرصهم على المصلحة الوطنية من خلال المصلحة الجهوية والاقليمية، فإنهم غالبا ما يتعاونون بينهم حول مشاريع ذات أهمية قصوى بالنسبة للجهة، بغض النظر عن انتمائاتهم الحزبية أو الكتلية داخل البرلمان. ويمكن أن أقول بأنهم يمارسون هذا العمل الجماعي في نشاطهم البرلماني أسبوعيا بلقاءات جماعية مع أعضاء الحكومة وبتقديم مذكرات ودراسات حول مشاريع تهم الجهة ، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، الدراسة المتعلقة بالطريق السيار أكادير مراكش سنة 1999  و المذكرة حول ميناء سيدي إفني والمذكرة حول الاعفاءات الجبائية ببعض مناطق الجهة  والمذكرة حول تحلية مياه البحر والمذكرة حول نذرة المياه بحوض سوس ماسة درعة… إلخ)

وبحكم أن البرلماني يعتبر بصفته عضوا في مجلس الجهة، فإن برلمانيي الجهة كثيرا ما يتشاورون في تقديم مقترحات إلى مجلس الجهة أو إلى والي الجهة تهم الجهة أو أقاليمها، وتبقى مسألة استجابة الحكومة أو المسؤولين الجهويين لمقترحات البرلمانيين أو التجاوب معها مطروحة بحدة. فهي مسألة لا ترجع إلى البرلماني لوحده، ما دام يفتقد لسلطة فرض رأيه أو مقترحه. وهذا ما يفسر كون عدد من البرلمانيين فرادى أو جماعات يمارسون حق الاحتجاج، وفقا لما تحدثنا عنه في السؤال السابق. وهنا تكمن أهمية ومعنى الاحتجاج، فإنه لا ينحصر على المحرومين أو المعزولين أو الذين انتهكت حقوقهم بل يمارس من طرف البرلمانيين كذلك، إذا ما تعذرت سبل الحوار الجاد والمقنع.

أما الضغط الذي يمكن أن يمارسه البرلماني على الحكومة، فإنه ضغط دستوري يتعلق بحريته في التصويت على مشاريع القوانين التي تقدمها الحكومة، وبالخصوص القانون المالي أو الملتمسات التي تستهدف إقالة الحكومة كملتمس الرقابة أو ملتمس لجن تقصي الحقائق… وهذه الضغوط غالبا ما تمارس في إطار القوانين والضوابط المنظمة للكتل البرلمانية ولا تتحكم فيها العلاقة المحلية لأنها غالبا ما تكون ذات طبيعة سياسية وذات بعد وطني.

6- تتسم مبادرات برلمانيي المنطقة بالمناسباتية، كيف تفسر غياب أجندة عمل بالنسبة للكتلة البرلمانية بالجهة؟

العمل البرلماني في أداءه الدستوري هو عمل موسمي بحكم الدستور، لأنه ينتظم في دورتين في السنة : الدورة الخريفية والدورة الربيعية. أما إذا قصدتم بالعمل البرلماني مبادرات برلمانيي المنطقة، فالممارسة السياسية تتم عبر قنوات عديدة وبمختلف الوسائل، إما عن طريق الاحزاب السياسية التي ينتمي إليها البرلمانيون، وبذلك يتأكد أن العمل البرلماني مبدئيا لا يمكن أن يمارس بشكل موسمي أو مناسباتي. وهو عمل مستمر، والفرق يوجد في كيفية ممارسته وقنوات امتداده. فهناك من يمارسه من منطلق القرب والعمل في الميدان، وبالخصوص داخل الدائرة التي ينتمي إليها، وهناك من يمارسه على المستوى الوطني ويكتفي بزيارة دائرته في المناسبات والتواصل ظرفيا مع ناخبيه.

وما دمتم توجهون وصفا لا أظنه في محله لعمل برلمانيي الجهة وتستفسرون عن غياب أجندة عمل للبرلمانيين بالجهة، فإنني أذكركم بأن دور الاعلام في تفعيل العمل البرلماني وتوسيعه وتجميعه دور أساسي، لكن الذي ألاحظه هو أن الاعلام كثيرا ما يترقب هفوات وأخطاء البرلمانيين أكثر من إنجازاتهم، ليشهر بها ويثير بها قراءه أو مشاهديه أو مستمعيه. وهذا وإن كان في حد ذاته عملا مقبولا، لكون صفة البرلماني هي صفة عمومية، لكنني أرى أنه لا بد من التعريف بعمل البرلماني بمواكبته ومناقشته وتوسيع الرأي حوله، ولا بد كذلك من تشجيع العمل البرلماني من أجل تقييمه وتقويمه وتصحيحه والرفع من مستواه، لأننا لا نرى كيف يمكن أن نحلم بدولة المؤسسات بدون برلمان ومؤسسة تشريعية. ولا يمكن أن يوجد برلمان بدون برلمانيين منتخبين، ولا يمكن للديمقراطية أن تترسخ بدون منتخبين. وأن اختيارهم  رهين بالناخبين الذين يتحملون مسؤولية حسن اختيارهم.

وهنا تكمن أهمية دور الإعلام والصحافة كصلة وصل إيجابية بين الفاعل السياسي والمواطن، وبالخصوص في الأوقات والظرفية غير الأوقات الانتخابية. ولا أشك في أن مجلتكم “مشاهد” تدرك هذه الأهمية القصوى للتواصل والتعريف بالعمل البرلماني.

حوار عبد اللطيف أعمو مع مجلة “مشاهد” حول افاق التنمية بجهة سوس ماسة درعة PDF









الرجاء من السادة القراء ومتصفحي الموقع الالتزام بفضيلة الحوار وآداب وقواعد النقاش عند كتابة ردودهم وتعليقاتهم. وتجنب استعمال الكلمات النابية وتلك الخادشة للحياء أو المحطة للكرامة الإنسانية، فكيفما كان الخلاف في الرأي يجب أن يسود الاحترام بين الجميع.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

الموقع الرسمي للمستشار البرلماني عبداللطيف أعمو © www.ouammou.net © 2012