كوكب الأرض ليس بخير
انعقد الاجتماع العام للفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ (GIEC) في مدينة إنترلاكن بسويسرا يوم الإثنين 20 مارس 2023 بهدف اعتماد ونشر تقريره الموجز السادس.
هذا التقرير الذي طال انتظاره، بعد نشر تقارير مسترسلة ومقلقة في سنوات 1990 و 1995 و 2001 و 2007 و 2014، وإقدام الدبلوماسية العالمية على فتح المفاوضات من أجل تنفيذ اتفاقية الأمم المتحدة للمناخ لعام 1992.
ويتميز هذا التقرير بكون صياغته تمت من طرف خبراء يلتزمون بتحليل المنشورات العلمية، ويستبعدون أي محاولة لتحويل عملهم عن هذه الخبرة، والتأثير عليهم سياسيا من طرف الحكومات، بهدف استخراج وتقديم الخيارات ذات الصلة بالتخفيف من تغيّر المناخ من خلال الحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري (GHG) أو منعها، فضلاً عن الأنشطة التي يتعين تخفّيض تركيزاتها في الغلاف الجوي، وباعتماد تقييم علمي شامل وشفاف للعوامل العلمية والتقنية والاجتماعية – الاقتصادية يتم بدون تحيز وبطريقة منهجية وواضحة وموضوعية. وهي منهجية ضرورية لفهم الأساس العلمي للمخاطر المرتبطة بتغير المناخ، تفضي إلى توصيات وملخصات موجهة لصانعي القرار على الصعيد الدولي.
فصناع القرار والزعماء السياسيون، يودون، ومنذ إنشاء الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، على إثر اجتماع مجموعة السبع في تورنتو (كندا) ما بين 19 و 21 يونيو 1988، الحصول على أجوبة صريحة حول المخاوف الحقيقية، من خلال طرح سؤال محوري: هل التهديد المناخي قوي بما يكفي لتبرير سياسة جذرية وطوعية للحرمان من الاستخدام المكثف للوقود الأحفوري والفحم والغاز والنفط، وبالتالي معظم الطاقة المستخدمة في الحياة الاقتصادية واليومية لمجتمعاتنا؟
ويقر الخبراء بأن البشرية تمتلك اليوم المعرفة والتكنولوجيا والأدوات والموارد المالية … التي ستمكنها من التغلب على مشكلات المناخ المطروحة، لكن ما ينقص حاليا هو الإرادة السياسية القوية لحلها بصفة دائمة، وبتعهدات صريحة ودقيقة، من طرف الدول الصناعية العظمى، المعنية بالدرجة الأولى بإنتاج التأثيرات على المناخ، باعتبارها المسؤول الأول عن انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون، وعن التكثيف الصناعي في جميع الميادين، بدون أدنى احتراز أو احتياط أو اكتراث بالحياة وبالإنسان وبالطبيعة.
مما يحتم على الشعوب والمجتمعات المستهلكة تكثيف جهود الضغط من أجل ضمان التوازن البيئي الذي أصبح في مقدمة حقوق الإنسان.
ومما لا شك فيه أن هذا الإجماع العلمي الحاصل سيكون له تأثير على المفاوضات السياسية والاقتصادية المكثفة في السنوات المقبلة، بدءا من مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطار بشأن تغير المناخ (كوب 28) المزمع عقده في دجنبر بدبي، باعتباره يشكل حافزا لتسريع مسار تنفيذ التوصيات والاتفاقيات الأممية الإطارية بشأن تغير المناخ، حيث سيكشف عن أول تقييم عالمي لالتزامات البلدان لتحقيق أهداف اتفاق باريس للمناخ (كوب 21) في سنة 2015 .
هذا، بجانب مراجعة خطة العمل والتزامات الدول التمويلية للجهد الدولي في أفق مؤتمر كوب 28 المزمع عقده بدبي في دجنبر المقبل، خصوصا في الجوانب المتعلقة بالتأثيرات الخطيرة، التي تعاني منها الشعوب الفقيرة جراء تغير المناخ، بحكم أن التقدم المحقق في التكيف مع المناخ يطرح إشكالية العدالة المناخية بحدة، ويقض مضجع الدول الفقيرة التي تتأثر بهذه الظاهرة بشكل غير متناسب، حيث تساهم بنسبة أقل في تغير المناخ، فيما يسائل الدول الصناعية الغنية، التي تساهم بقسط كبير في إحداث خلل مناخي مهدد لمستقبل البشرية ككل، والتي يقع على عاتقها، لكونها السبب في معظم الانبعاثات العالمية، واجب دعم الدول الأقل تسببًا في الاحتباس الحراري العالمي، بينما هي الأكثر معاناة من آثاره.
ويعتبر هذا التقرير بمثابة دليل إرشادي وتذكير صارخ للبشرية جمعاء بضرورة الحرص خلال هذا العقد الحاسم على ضمان “مستقبل صالح للعيش”. ويقدم خارطة طريق لكيفية تحقيق ذلك: ليس فقط بإجراء بعض التغييرات الطفيفة، بل بالدعوة إلى تحول عميق، وإلى تغيير المجتمع بشكل جذري لتحقيق تنمية ذات قدرة على الصمود في وجه التغيرات المناخية.
وعلاقة بالموضوع، ينعقد حاليا في نيويورك مؤتمر الأمم المتحدة للمياه لسنة 2023، الذي حضره المغرب، والذي ينصب فيه التركيز على تسريع التغيير لحل أزمة المياه والصرف الصحي. هذا المؤتمر الذي جاء ليؤكد على أن استدامة الموارد المائية رهين بكسب رهان التخفيف من تغيّر المناخ بشكل مستدام.
عبد اللطيف أعمو
أضف تعليقاً