تيزنيت تستقبل قافلة المنجميين المغاربة بشمال فرنسا
تستقبل مدينة تيزنيت ضمن خمس مدن مغربية قافلة تتوخى إحياء ذكرى العمال المنجميين المغاربة في فرنسا٬ وذلك بمبادرة من جمعية المنجميين المغاربة بمنطقة نور- با- دو- كالي Nord Pas de Calais وبشراكة مع المجلس الوطني لحقوق الإنسان ومجلس الجالية المغربية بالخارج والوزارة المكلفة بالمغاربة المقيمين بالخارج.
وتنخرط بلدية تيزنيت في قافلة الذكرى هاته إيمانا منا بأن الذاكرة هي ملهمة الحاضر و منارة المستقبل. فلا مستقبل للأفراد أو للجماعات دون إلمام أو معرفة بالماضي. ولا بد من إيلاء الأهمية الكافية لموضوع الذاكرة ولسلبيات عدم الحفاظ عليها.
فالأرشيف واستحضار الذاكرة، حتى ولو بـدا لنا في ظاهره مجرد مسألة تقنية، فهو يبقى، في حال إغفاله وعدم الاهتمام به، ثغرة كبيرة ووصمة عار في الشخصية الجماعية.
ونحن سعداء اليوم باستقبال قافلة “الذاكرة في خدمة حقوق الإنسان” ونرحب بالعمال المنجميين السابقين وبالفنانين والباحثين والطلبة والخبراء في مجال التنمية بمدينة تيزنيت. وكلنا نتذكر – وجيلنا بالخصوص – ما زال يتذكر «فليكس موغا» .. لكن قليلون منا يعرفون تاريخ وحياة آلاف المهاجرين الذين توجهوا إلى فرنسا وبلجيكا … في موجات هجرة متتالية خلال سنوات الستينات، خصوصا من منطقة سوس والأطلس، وقليلون اليوم كذلك من يعرفون تفاصيل تلك الرحلة التي قطعها الآلاف من المغاربة الذين أراد منهم «موغا» أن يكونوا مجرد عضلات بكماء لا تسمع ولا ترى ولا تطالب بأبسط حقوقها الأساسية.
وبدأ المنجميون المغاربة الملقبون بـــ أصحاب «السحنات السوداء» يكسرون حاجز الخوف .. بعد سنين طويلة من العناء وبدؤوا يتنظمون في هيئات مدنية ونقابية ، ويرفعون درجة التعبئة ويطرحون مشاكلهم ويربحون دعوى التعويض عن سنوات القهر ضد الدولة الفرنسية. فعادوا اليوم مرفوعي الرأس بعد أن ذهبوا أمس منحنين وطيعين.
وهذا درس لنا جميعا في معركة اكتساب الحقوق الشاقة والطويلة، وتأكيد لدور الفاعل المدني والنقابي والسياسي كفضاء لتعزيز الثقة في النفس، وكوسيلة لإخراج المنجميين من العزلة التي فرضت عليهم لعقود من الزمن، وكإطار لصقل الفعل الميداني وتجميع جهود المنجميين وتأطيرهم والدفاع عن قضاياهم وانتزاع حقوقهم.
إن المعاناة الحقوقية والإنسانية للمنجميين المغاربة بفرنسا تذكرنا بمعاناة أخرى لقدماء المحاربين المغاربة، ومعهم الجنود الأفارقة الذين شاركوا في الحربين العالميتين الأولى والثانية وفي حرب الهند الصينية، وتم تجميد مستحقاتهم على عكس الجنود الفرنسيين.. وتعرضوا للحيف وعدم المساواة لعقود طويلة. ودرس المنجميين يؤكد أنه ما ضاع حق مشروع وراءه طالب.
وربطا للماضي بالحاضر، لا يجب علينا استحضار تاريخ معاناة المنجميين المغاربة بفرنسا دون الالتفات كذلك لأوضاع المنجميين المغاربة اليوم ببلادنا وعدم استرخاص حياة العمال الوطنيين وهضم حقوقهم. فالمناجم المغربية ما زالت تحصد الأرواح. فعلى سبيل المثال لا الحصر، خلال شهر أكتوبر الماضي سجلت مناجم جبل عوام بنواحي خنيفرة ثلاث حالات وفاة في شهر ونصف.
ومسؤولية تكاثر حوادث الشغل تتقاسمها الدولة وأرباب العمل، حيث التساهل مع المشغلين والتفريط في الاستغلال وعدم الانضباط لمقتضيات قانون الشغل والبطء في إصدار قوانين ترمي إلى الوقاية من المخاطر … كلها تؤدي في آخر المطاف إلى عدم توفير الضمانات اللآزمة للممارسة المهنية السليمة.
فلا بد إذن من احترام حقوق المهاجرين التي هي جزء من «حقوق الإنسان» بصفة عامة والتي تدخل في إطار احترام دولة الحق والقانون في بلدان الاستقبال التي يجب أن تضمن وتدافع على هذه الحقوق، إضافة إلى الحق في الهجرة والتنقل، لكل المهاجرين ، مغاربة وغيرهم. كما يجب في ذات الوقت الحرص على تمتيع العمال المغاربة بحقوقهم كاملة في بلادهم. لأن حقوق الانسان، حقوق كونية، لا تقبل التجزيء.
إن إحياء الذاكرة وإعادة كتابتها بأنامل مغربية وإعادة صياغتها كذلك بعقول وطنية يقتضي ضرورة إعادة كتابة تاريخ عمال المناجم المغاربة بل تاريخ الهجرة المغربية ككل . ومن هنا تأتي أهمية تأسيس متحف وطني يكون “متحفا لذاكرة الهجرة” ويحتفي بـ «مغاربة العالم»، في أفق بناء ثقافة الاعتراف بالهجرة المغربية كمساهم فعال وفاعل في بناء المجتمع المغربي المعاصر.
عبد اللطيف أعمو
12 نونبر 2012
أضف تعليقاً