تصورفريق التحالف الاشتراكي لإصلاح العدالة خلال مناقشة ميزانية وزارة العدل
في إطار مناقشة مشروع قانون المالية بمجلس المستشارين فريق التحالف الاشتراكي يقدم تصوره لإصلاح العدالة خلال مناقشة الميزانية القطاعية لوزارة العدل ضمن المناقشة العامة لمشروع قانون المالية تقدم فريق التحالف الاشتراكي بمجلس المستشارين (حزب التقدم والاشتراكية) بمداخلة ألقاها المستشار محمد عداب الزغاري وركز فيها على إصلاح العدالة، كمسامة من الفريق في النقاش الوطني حول الموضوع.
ونظرا لأهمية ما ورد في هذه المداخلة ننشر فيما يلي نصها كاملا:
عدالتنا في حاجة إلى التخليق والتأهيل والفعالية
إصلاح منظومة العدالة مسار استراتيجي طويل الأمد وسياسة الحكومة لإصلاح القضاء تقتضي اجراءات وتدابير مستعجلة
لقد ظل مطلب استقلالية وإصلاح القضاء يتردد على مسامع المغاربة منذ مدة طويلة. وظل في مقدمة مطالب الإصلاح التي نادت بها الأحزاب الوطنية ومعها الهيئات الحقوقية ومكونات المجتمع المدني والفاعلين الوطنيين والدوليين لعقود من الزمن . ومع الأسف لم يتحقق ما يصبو إليه الجميع ويرضي البلاد.
لكن كثرة تداول المطلب دون فعل جريء على أرض الواقع، أفقدته الجدية المطلوبة في عيون المغاربة، وأصبحوا يرون في استقلالية القضاء مطلبا سطحيا بحكم تعاطي المسؤولين معه.
فــــــــــماذا تـغيـر الــيوم؟
إن مطلب ضمان كرامة المواطن المغربي الذي كان في قلب المطالب الشعبية الرئيسية، بجانب شعار المحاسبة وعدم الإفلات من العقاب الذي رفع إبان الحراك الاجتماعي بداية سنة 2011، يطرح بحدة إشكالية العدالة وضرورة مصالحتها مع المواطن المغربي. وهي مطالب استجاب لها عاهل البلاد في خطاب 9 مارس..
1- إرادة ملكية قوية:
لقد تأكد اليوم أن مطلب الإصلاح أضحى أمرا جوهريا يدخل في صلب دولة الحق والقانون، وهذا ما أكدته الخطب الملكية الأخيرة، حيث شكل الخطاب الملكي السامي ل 20 غشت 2012 قاعدة قوية لتحقيق الإصلاح القضائي من خلال وضع خارطة طريق لإصلاح منظومة العدالة، وجاء الخطابان الملكيان ليومي 8 أكتوبر 2010 و 9 مارس 2011 ليضيفا مفهوما جديدا للإصلاح القضائي وهو “القضاء في خدمة المواطن” ويرتقيا بالقضاء إلى سلطة مستقلة بجانب السلطتين التشريعية والتنفيذية.
2 – دستور يكرس استقلالية القضاء:
وتوج هذا المسار الإصلاحي التصاعدي بصدور دستور جديد بمقتضى الظهير الشريف رقم 91-11-1 بتاريخ 29 يوليوز 2011 والذي جاء بإصلاحات جوهرية من أهمها:
– الارتقاء بالقضاء إلى سلطة مستقلة عن السلطتين التنفيذية والتشريعية لتعزيز مبدإ فصل السلط،
– تكريس دور القضاء كضامن للمحاكمة العادلة وكمرسخ لسيادة القانون ومساواة المواطنين أمامه،
– دسترة ومأسسة المجلس الأعلى للسلطة القضائية ،
– دسترة استقلال القاضي وعدم التدخل في سلطته،
– تكريس حقوق المتقاضين،
– جعل الأحكام القضائية رمزا لتطبيق القانون واحترامه، ولا تصدر الأحكام باسم جلالة الملك إلا إذا كانت مطابقة للقانون،
لكن الإصلاح القضائي لا ينتهي بصدور الدستور الجديد، بل تعتبر هذه المرحلة بداية ورش تحضيري لمقومات السلطة القضائية المستقلة في إطار إصلاح شامل وعميق لمنظومة العدالة يتضمن تأهيل الموارد البشرية وتعزيز مهنية القضاة ونزاهتهم وتجردهم وتسهيل ولوج العدالة وتحديث الإدارة القضائية .
3 – التزام حكومي صريح
التزمت الحكومة بإعداد القانون التنظيمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية والقانون التنظيمي للنظام الأساسي للقضاة مع مواكبة تحديث المنظومة القانونية سواء في الجوانب المتعلقة بإصلاح القضاء في نجاعته وتقنياته وصورته لدى الرأي العام وتسهيل الولوج إليه، وكذلك الجوانب المتعلقة بتحسين مناخ الاستثمار أو بضمان ممارسة الحريات، وخصوصا مراجعة مجموعة القانون الجنائي وقانون المسطرة الجنائية لتكون أكثر ملائمة مع التزامات المغرب الدولية في مجال حقوق الإنسان.
4 – تطور نظرة المواطن لقطاع العدالة وللخدمة القضائية:
أ- القضاء مرفق عمومي: (المفهوم الجديد للسلطة القضائية في خدمة المواطن
لم يعد المواطن المغربي ينظر إلى القضاء، ، وفق المنظور الكلاسيكي، باعتباره مؤسسة تعكس سيادة الدولة فقط، بل تعدى ذلك ليصبح مرفقا عموميا يموله المواطن دافع الضرائب، وينتظر منه في المقابل أن يكون فعالا، من خلال سهولة الولوج إليه، ووضوح تنظيمه، وتوقعية أحكامه، ونفاذها. وأن تكون أحكامه جيدة، وتصدر في لغة مبسطة، وواضحة، ومتناسقة. كما ينتظر المواطن من النص القانوني أن يكون ممكن الولوج، ويتوخى في إعداده الوضوح وسيولة الفهم وقابلية التطبيق.
كما تطور مفهوم الخدمة القضائية. فإذا أخذنا بعين الاعتبار السلطة القضائية كخدمة أي كمنتوج كمي ونوعي موجه للمواطن، فهذه الخدمة تطرح عدة إشكالات أهمها عدم انسجام المتدخلين واختلاف أدوارهم وطرق عملهم .
فالمحكمة هي المرفق الإداري الذي تقدم فيه خدمات قضائية للمواطنين. والقاضي هو مركز السلطة القضائية، ويجب أن يبقى عمله مقتصرا على العمل القضائي المحض. وعلى رؤساء مصالح كتابة الضبط وكتابة النيابة العامة وأطر كتابة الضبط بصفة عامة الحرص على تحسين الخدمة الإدارية داخل فضاء المحكمة تحت إشراف المسؤول القضائي. كما يجب إشراك المحامين و العدول والمفوضين القضائيين في حسن إدارة المرفق. فقد أصبح من الضروري تحديد الدور المنوط بأهم الفاعلين، مع ضرورة التركيز على العدالة قبل الخدمة وعلى النزاهة قبل الكم.
ب- مصطلح العدالة بدل مصطلح القضاء:
لقد فهم المواطن المغربي القصد من استبدال مصطلح “إصلاح القضاء” ب “إصلاح العدالة”، وفهم كذلك أن المصطلح الذي تم التنصيص عليه بمصطلح العدالة أوسع في مضمونه من مصطلح القضاء. وبالتالي فورش الإصلاح لا يستهدف إصلاح مجال القضاء فحسب، ولكنه يستهدف كذلك تجاوز الفهم الخاطئ والسلوكيات السلبية القائمة عموما بين المواطن ومجال القضاء.
فاستعمال مصطلح العدالة يعكس الرغبة في إعادة الثقة أو إحياء نوع من “التصالح” والانسجام بين الفعاليات القضائية، وفي نفس الوقت بين هذه الفعاليات ومحيطها المؤسساتي ومن خلاله المواطن المغربي.
ت- الحق في الولوج إلى القضاء مطلب شعبي:
الحق في اللجوء للقضاء يعني توفير شروط عادلة ومتساوية لكل شخص لعرض دعواه على محكمة رسمية؛ وهو حق أقرته عدد من المواثيق الدولية بصفة ضمنية: فالمادتان 7 و 10 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والمادة 14 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية تنص على المساواة أمام القانون والقضاء. كما أن المادة 2، الفقرة 3 من العهد الدولي المذكور تنص على تعهد الدول بكفالة التظلم من انتهاك الحقوق، وبتنمية إمكانيات التظلم القضائي. فيما المادة 6 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان تنص على الحق في المحاكمة العادلة. وعلى المغرب بتعهده بالالتزام بما تقتضيه المواثيق الدولية من مبادئ وحقوق وواجبات، وبتأكيده تشبثه بحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا أن يلتزم بضمان الحق في ولوج العدالة.
والدستور المغربي من جهته نص في الفصل 118 على أن حق التقاضي مضمون لكل شخص للدفاع عن حقوقه وعن مصالحه التي يحميها القانون، كما نص الفصل 121 على أن التقاضي يكون مجانيا في الحالات المنصوص عليها قانونا لمن لا يتوفر على موارد كافية للتقاضي
ومفهوم ولوج القانون والعدالة يعني توفير الشروط المادية والقانونية والتنظيمية التي تتيح للمتقاضي الوصول للمعلومة القانونية والقضائية، والوصول لآليات العدالة.
والوصول لآليات العدالة يدرج البعد المؤسساتي، والجغرافي، والإجرائي، كما يرتبط بكلفة التقاضي، واستقبال المتقاضين، ومدى وجود وسائل بديلة لحل المنازعات
فهل نتجه في المغرب إلى ضمان أوسع استفادة من هذا الحق ؟
5– مسؤولية الحكومة والمؤسسة القضائية أولا:
إن استقلال القضاء يهم أولا المؤسسة القضائية: فخطاب الإصلاح و النقاش الدائر حوله لن يتجه اليوم للدولة، كما كان عليه الأمر في السابق، وإنما سيوجه إلى المؤسسة القضائية وللقاضي. فالباب السادس من الدستور خصص لاستقلال القضاء، ووفر الفصل 109 من دستور 2011 الحماية للقضاة من أي تدخل. وبالتالي، فالمفهوم الجديد لاستقلال القضاء، سيكون على رجال القانون وأصحاب القرار الاشتغال عليه لتدقيقه وتحصينه.
فاستقلال السلطة القضائية يعني أنه لا يجوز باسم أي سلطة سياسية أو إدارية، أو أي نفوذ مادي أو معنوي، التدخل في أي عمل من أعمال القضاء، أو التأثير عليه بأي شكل من الأشكال.
فهل الهيئة العليا للحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة قادرة على وضع مقترحات عملية وفعلية تساير انتظارات المواطنين، وهل هي قادرة على إبداع ميكانيزمات أو آليات مؤهلة لضمان استقلالية الجهاز القضائي؟
لكن هذا لا يعفي من مسؤولية الحكومة أولا أو اعتبارها في المرتبة الثانية، لأن مسؤوليتها سياسية التزمت بها أمام الشعب والتزمت بها أمام الشعب ، والتزمت بإنجاز إصلاح جريء ومستعجل.
إن الإصلاحات المنشودة في موضوع استقلال القضاء في هذه المرحلة ينبغي أن تشمل تغييرات جوهرية للقوانين المتعلقة بالجسم القضائي، وتوفير الضمانات والوسائل الضرورية لترجمة المبدأ إلى واقع ملموس. لذا لابد من الانكباب على وضع سياسة حكومية واضحة والتعبير عنها بواسطة ترسانة قانونية لتكريس الإرادة القوية في تنزيل الخطب الملكية ونصوص الدستور المتعلقة بإقرار استقلالية السلطة القضائية، مع إقرار مسؤولية الدولة في تأمين حق المواطن في الولوج إلى العدالة الكُفءة والنزيهة والسريعة والمُطَمئنة.
وهذا هو العمق والقاعدة التي ينبني عليها التزام الحكومة أمام البرلمان وأمام الراي العام، والتي توجب على الحكومة الإسراع في بلورة سياستها في إصلاح القضاء من خلال تدابير تشريعية وتنظيمية مستعجلة وإجراءات عملية ملموسة واعتماد الآليات الجريئة للإصلاح والتدابير الفعالة أمام هول المشاكل المتراكمة والاحتجاجات المتزايدة، واستمرار الحالة على ما كانت عليه، لأن انتظار ما ستسفر عنه أشغال الندوة الوطنية التي ستختتم بها سلسلة اللقاءات الجهوية للحوار حول إصلاح منظومة العدالة، والاكتفاء بالزيارات المتعددة للمحاكم، وتحميس الجدال عبر الإعلام لن يؤدي إلا إلى تعقيد الأوضاع، على شاكلة ما نشهده حاليا من تزايد في الاحتقان بين الحكومة والمشتغلين في مجال القضاء: كالقضاة وكتاب الضبط والمحامين والخبراء والعدول والموثقين.
إن واجب الحكومة يقتضي الإعلان عن سياستها الواضحة في إصلاح القضاء وجعله مرفقا عموميا سهل الولوج وضامنا للحقوق والحريات، وإطار شريف للخصومة والشفافية والاعتزاز بالمواطنة من قبيل:
– إصلاح الخريطة القضائية المبعثرة،
– إشكالية الموارد البشرية الكفأة والمؤهلة والضامنة لتفعيل حكامة قضائية ممتازة،
– النجاعة القضائية من خلال تفعيل كل المؤسسات المسطرية والمؤسساتية المحيطة بالقضاء والمتعاونة معه،
– التخليق وتفعيل آليات محاصرة الفساد وضمان حقوق ضحاياه من المتقاضين،
– ملائمة القوانين لواقع المجتمع المغربي وعلى قاعدة الاتفاقيات الدولية والمواثيق والقوانين التي التزم بها المغرب،
– إصلاح نظام الحريات بالإعلان عن نظام صريح وواضح للحريات، والذي بموجبه أسندت هاته المهمة لوزارة العدل، والتي أصبحت تحمل حقيبة الحريات بجانب العدل، والكف عن الحديث عن الحريات من منظور تأويلي في غياب إطار مؤسساتي واضح يوافق الدستور،
– إشكالية السجون والاعتقال الاحتياطي وتفشي ظاهرة العود،…،
باعتبار أن هذه الأوراش لا تستحمل الانتظار ولا حتى معرفة ما ستسفر عنه المناظرة الوطنية والميثاق الوطني لإصلاح منظومة العدل المنتظر.
لقد مرت سنة على تنصيب الحكومة وكان الجميع ينتظر المبادرات الواضحة والجريئة في مجال إصلاح العدل باعتباره المقياس الجوهري والمؤشر الحقيقي حول وجود إرادة سياسية وقدرة على تفعيل الخطابات الملكية.
ومع مرور الزمن، بدأت بوادر خيبة الأمل تتسع في كل الأجواء المحيطة والمراقبة، مما يقتضي من الحكومة أن ترفع اللبس وتتحلى بالجرأة والشجاعة لقول الحقيقة للمواطنين بدل التستر وراء انتظارات نتائج الحوار، الشيء الذي لن يشفع لها في مسؤوليتها ومحاسبتها.
فعدالتنا اليوم في حاجة إلى التخليق، وإلى تأهيل شامل يدمج مختلف المهن المرتبطة بالقضاء، كما أنها في حاجة إلى تقوية شروط الفاعلية المهنية. ونجاح ورش إصلاح منظومة العدالة سيكون نجاحا لكل المغاربة، وقد يساعد على تذويب جليد الثقة المتآكلة بين المواطنين وعدالتهم.
عبد اللطيف أعمو
أضف تعليقاً