لا عذر لمن يغتصب الطفولة
نشرت جريدة بيان اليوم الصادرة باللغة العربية مقالا لعبد اللطيف أعمو يوم الخميس 29 مارس 2012 تحت عنوان “لا عذر لمن يغتصب الطفولة”.
ولمن فاتته فرصة الاطلاع عليه.. فيما يلي نص المقال..
لا عذر .. لمن يغتصب الطفولة
عبد اللطيف أعمو
بداية الأسبوع الماضي قدم فريق التحالف الاشتراكي اقتراحين لمجلس المستشارين يرميان إلى تعديل وملاءمة المواد 475، 484 و 486 من مجموعة القانون الجنائي مع ملائمة وتعديل المواد 20 و21 و22 من قانون الأسرة.
فمنذ أن انضم المغرب إلى الاتفاقية الدولية لحماية الطفل وإعلانه بصوت عال التزامه الكامل بتنفيذ المواثيق الدولية وانخراطه الكلي في منظومة القانون الدولي، وهولم يتوقف عن تأكيد التزامه الذي لا رجعة فيه بملاءمة تشريعاته الوطنية مع أحكام ومقتضيات القانون الدولي.
ولقد شرع فعلا في تحيين العديد من القوانين الوطنية لملاءمتها مع القانون الدولي في عدد كبير من أجزاء مدونة الشغل ومدونة الأسرة والمسطرة الجنائية ومجموعة القانون الجنائي وقانون الجنسية، وكل ذلك في إطار ما كانت تسمح به مقتضيات دستور 1996 الذي انتهى.
وبإعادة النظر في الدستور المغربي بتطويره، وباعتماد المغرب لدستور جديد أراده أن يكون دستورا يمكنه من أن يلعب دوره كاملا في حقل الدول الديمقراطية، واندماجه في فضاء الجيل الجديد من الدساتير التي وسعت مجال الحقوق والحريات الأساسية، وفي مقدمتها الحق في الحياة والحق في الأمن والسلامة الجسدية والنفسية للأفراد، وخصوصا منهم الذين يوجدون في وضعية هشاشة كالنساء والأطفال والمسنين وذوي الاحتياجات الخاصة.
وهو ما يلزم الدولة بتوفير الحماية القانونية بالتساوي لجميع أفراد المجتمع، وضمان المساواة لجميع الأطفال بغض النظر عن وضعهم الأسري، كما تلتزم الدولة بتوفير التعليم الأساسي باعتباره حقا أساسيا من حقوق الطفل، وهو في نفس الوقت واجب مشترك على الأسرة والدولة (المادة 32 من الدستور).
وبمقتضى هذا الوضع الدستوري الجديد، يُنتظَر من المشرع المغربي – وباستعجال – الحرص أشد ما يكون الحرص على ضمان تنفيذ أحكام الدستور، ولقد أصبح من غير المستحمل والمقبول الاستمرار في تعريض الصحة الجسدية والنفسية للأطفال دون سن 18 عاما، فتيانا كانوا أو فتيات، لمخاطر مختلف أشكال العنف وخاصة منها التهديد والتغرير والاحتيال والاختطاف أو الاغتصاب.. ، ومهما كانت الأسباب والدواعي.
إن قضية الطفلة أمينة الفيلالي فجرت الوضع غير الأخلاقي واللاقانوني واللاانساني المستور والمستغل تحت غطاء قانوني سخيف، وهذه الوضعية أصبحت تسائل بحدة وبصفة مباشرة كل ضمائر المجتمع الحية (المجتمع، العدالة ، السلطة، الإنسان الحر، …)، وتجعلنا ننتظر من المشرع المغربي المبادرة إلى تصحيح الوضع.
وهذا الذي حذا بنا في فريق التحالف الاشتراكي إلى إعداد مقترحي قانونين وعرضهما على مجلس المستشارين بقصد المصادقة عليهما..، ونتمنى أن يبادر البرلمان إلى تصحيح هذه الوضعية التي أصبحت غير مقبولة لوضع حد للغطرسة واستغلال القانون والإفلات من العقاب وتصحيح السلوكيات المنحرفة التي تؤدي إلى تفسير مشوٌه ومبتُور للقانون.
إن القوانين والجهد التشريعي الجيد لا يكفيان بالتأكيد لمواجهة ظواهر كالزواج القسري، وغيرها من التصرفات الشاذة ، وخصوصا إذا قبلنا أن تكون التقاليد والأعراف ذريعة لذلك دون التصدي إلى تغيير هذه التقاليد وتطويرها.
سيكون من العبث أن نتصور وجود دستور: دستور للدولة ومؤسساتها ودستور للمجتمع تتحكم فيه نزوات الاختلاف والتعدد والحساسيات، وهي في حد ذاتها ميزة حسنة لمجتمع حركي وحيوي متعدد، ولكن لا يمكن لها أن تكون فوق الدستور الأسمى للبلاد.
وفي هذا السياق، يتعين التفريق بين ما هو من مسؤولية الدولة التي مصدرها الدستور، وما هو من ممارسات المجتمع التي مصدرها التنوع والاختلاف والتعدد وممارسات العوائد والتقاليد. فمن واجب السلطة التشريعية الوقوف ضد ممارسات معينة، حتى لو كانت من قبيل العادات والتقاليد، لضمان إجبارية امتثال مثل هذه الممارسات وملاءمتها للقانون – الذي يمثل في عمقه إرادة الشعب-
فبلادنا شهدت تغييرات عميقة في قيمها وفي عاداتها وتقاليدها. وهذا التطور الحاصل لا يمكن أن يكون عرضة أو مطية للرجعية والتخلف.
ومن هذا المنطلق، يسود القانون ويفرض قواعده. فإذا كان القانون وحده لا يكفي لمحاربة العادات القبيحة مثل الزواج القسري، فإن ما تفرضه مسؤولية الدولة يمكن من تجاوز ذلك، كما ينص على ذلك الدستور الجديد (المادة 37)، حيث يتطلب الأمر في نفس الوقت التسريع في مسار التنمية البشرية والرفاه الاجتماعي الذي من شأنه أن يخرج الكثير من السكان خصوصا القاطنين منهم في المناطق القروية من العزلة والتهميش، ومن الجهل والأمية ومن الاحتقار والدونية.
هناك بالتأكيد جهد مبذول ومستمر في هذا المجال. وعلى المشرع المساهمة بقوة في هذا الجهد المجتمعي، وعليه أن يشارك بالتزام وثبات في الورش الذي يهدف إلى تسليط الضوء على القيم الفعلية والحقيقية للمجتمع، مع ضمان التزام المجتمع بها بكامله في سبيل تحقيق التنمية الحقيقية والمستدامة.
ومن هنا تبرز أولوية تحديث وملاءمة القوانين مع المبادئ الأساسية والقواعد القانونية التي أسس لها وثبتها الدستور الجديد.
وبالموازاة مع الجانب القانوني، فمن واجب الدولة والمجتمع المدني الحرص على وقف كل الظواهر الشاذة والمسيئة للمجتمع ككل.
ومن المؤكد أن دور المجتمع المدني وجميع القوى الحية والفاعلة، الاجتماعية منها والاقتصادية والثقافية، هام وأساسي في أفق ترسيخ المشروع الكبير الهادف لتحديث المجتمع ودمقرطته وتعزيز وضع إطار قانوني ملائم ومحفز وضامن للحقوق.
وهذا أيضا جزء من الأهداف المرتقبة من تقديم مقترحات تعديل هذين القانونين (مجموعة القانون الجنائي ومدونة الأسرة) ومن هذا المنطلق لن نذخر جهدا للدفاع عن كل هذه المقترحات.
وكما ستلاحظون، فهذان المقترحان مكملان لبعضهما البعض، لأن الموضوع واحد في نهاية المطاف.
نحن نريد من خلال هذين المقترحين إلغاء الفقرة الثانية من المادة 475 التي تعتبر عارا ، زيادة على كونها تمس بالصحة النفسية والجسدية للطفل، واستبدالها بمقتضى زجري قوي يحرم كل أشكال العنف ضد الأطفال، مع التأكيد على عدم ترك المجال لأي نوع من الإفلات من العقاب وكل ما يمكن أن يتخذ كتدبير خاص استثنائي يتعلق بالعار والحرمة أو تجنب الفضيحة بغض النظر عن دوافع العنف الممارس ضد الطفل واعتباراته.
أما بالنسبة لقانون الأسرة، فنحن نريد حذف كل استثناء للقاعدة، التي تنص على أن سن الرشد هو 18 سنة والذي هو أيضا سن الزواج القانوني بالنسبة للفتيان والفتيات، دون ترك مجال لتأويل ولتفسير سيئ للقانون، مع التركيز على معيارين رئيسيين بالحصر اعتمدتهما المدونة نفسها، يتعلق الأمر بمعيار سن الأهلية للزواج المحدد في 18 سنة والقدرة الجسدية والعقلية على الزواج.
لا بد من التذكير هنا أن دستور البلاد الجديد ينص في مادته 71 على أن نظام الأسرة والحالة المدنية من اختصاص القانون الذي يرجع إلى صلاحيات البرلمان، حتى يدرك من يروج لعدم إمكانية تعديل مدونة الأسرة، أن ذلك أمر ممكن، كلما اقتضت المصلحة ذلك، بل قد يكون من الواجب في بعض الأحيان إذا اقتضت ذلك حاجة البلاد ومصلحة المواطنين.
أضف تعليقاً