البعد الاستراتيجي والمغاربي للحكم الذاتي في الصحراء المغربية
نشر بجريدة “بيان اليوم” عدد 4846
الجمعة 19 ماي 2006
ذكرى 16 ماي ومخاطر التطرف
يروج بتيزنيت في الاونة الأخيرة خطاب تكفيري واستفزازي باسم الدفاع عن الاسلام روجته على شكل بيان لعموم المواطنين مجموعة تنكرت وراء تسمية “تلاميذ وشباب مدينة تيزنيت” فأشهرت سيوفها الحاقدة وسحبت كل خناجرها المسمومة لتضرب وتتوعد وتهدد كل مكونات المجتمع المدني التي لا تساير توجهاتها وأهدافها بكل ما أوتيت من وقاحة وحقد وإنكار لحق الآخر في التعبير والرأي الحر. فوصفت الجمعية المغربية لحقوق الانسان ومناضليها وجمعية الأفق للثقافة والفن وحزب الطليعة وحزب النهج الديمقراطي بالملحدين والخونة، ووصفت جمعية الشعلة وحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بالمنافقين.
إن مدينة تيزنيت المعروفة دائما بهدوئها ورزانة أهلها وحركية مجتمعها اقتصاديا وتجاريا وثقافيا واجتماعيا وسياسيا في إطار من الانسجام والتفاعل الايجابي معتمدة في ذلك على قيم ساكنتها الداعية إلى التضامن والتسامح وعلى تقاليدها المضيافة وأخلاقها المتسامحة التي تراعي دائما حق الآخر بجانب حق الجار والقربى والوطن بسمو وروح عالية. وهو ما يعبر عنه في تقاليدها وسلوكها بالكلمة الأمازيغية “مقارد العار”
إن هذا النوع من الخطاب الغريب عن هذه المدينة ملؤه الوقاحة والغلضة والمسخ لم يكن له من داعي سوى ترهيب الساكنة وبعث الخوف في نفوس المواطنين عموما وإعلان الحرب علانية وبدون تستر على كل ما هو مخالف لرأي الجماعات الظلامية التي تستغل الدين الاسلامي الحنيف ولا تتحاشى في اتخاذه كذريعة لبلوغ أهدافها السياسوية ومقاصدها في محاصرة المجتمع كرهينة تسلبه حق التطور والتطلع إلى المستقبل. وإن اقتضى ذلك تخريب الشباب واستغلال براءة الأطفال والتلاميذ والنساء وتحطيم الأمل في كل انفتاح أو تفاؤل أو اندماج في المجتمع.
إن الخطاب التكفيري الذي بدأ يتسع ويأخذ بعدا خطيرا داخل المجتمع بمختلف الصيغ والتعابير ووسائل التعبئة وتنصيب الحراس على القيم وعلى سلوكات كل البشر يستدعي استحضار ذاكرة 16 ماي كما يستدعي التنبيه إلى تنوع مصادر التطرف ومنابعها ووسائل نشرها.
فإذا كانت المهرجانات تندرج ضمن الحقوق الثقافية والفنية، وتفرض على الجميع تنميتها وتطويرها من أجل إشعاع الثقافة والفن، شأنها في ذلك شأن جميع وسائل التعبير والابداع من رسم ونحت وتصوير ورواية وشعر ومسرح وسينما وغيرها، فإن كل هذه الوسائل التعبيرية أصبحت الآن مهددة بالمحاصرة والمصادرة والتشكيك والتنميط من طرف الجماعات التكفيرية إذا لم تبادر جميع القوى الحية لوقف هذا السفه الذي يعرقل الجو أمام تطور البلاد وتنمية إبداعاتها الفكرية والفنية.
فهل يحق لهؤلاء مصادرة حق المواطنين في الاحتفال بالحياة والاستمتاع بالموسيقى والرقص وحق المبدعين في الكشف عن جوهر خبايا المجتمع ومشاكله المعقدة من خلال الصورة السينمائية والريشة والقلم وهل يحق لهم الدعوة إلى إغلاق المسارح والقاعات السينمائية والمتاحف وقاعات العروض كلما أزعجهم إنتاج فكري أو فني جاد ؟
إن نعث الفاعلين الجمعويين بمدينة تيزنيت بالملحدين والخونة والمنافقين لا لشئ إلا لأنهم أبوا أن يحيوا ذكرى اليوم العالمي للشعر بدعوة الشاعرة المغربية حكيمة الشاوي وهي عضوة بالمنظمة المغربية لحقوق الانسان ورئيسة مركز للدراسات حول المرأة لتناول الكلمة في حوار مع تلاميذ ثانوية المسيرة الخضراء وإحياء أمسية شعرية بفضاء السوق الأصيل يوم 18 مارس الماضي بجانب الشاعر عبد اللطيف الواري يعد مؤشرا خطيرا حول تصاعد ظاهرة التطرف سبقتها مؤشرات أخرى لم يكن الغرض منها إلا إيقاع المدينة في دوامة من العبث والترهيب والتخويف. وأظن أن ذلك لن يثني من عزم نخبتها وفراستهم وحبهم لمدينتهم.
فهل ستتوقف الحركات المروجة لهذا الإرهاب الفكري الممنهج من توزيع الإيمان لمن والاها وتكفير كل من خالفها؟
ولا نظن أن الاعلان عن الاعتدال والتستر وراء مظاهر الولاءات المغشوشة والمشبوهة والتصريحات الفضفاضة ، لا يكفي لوحده لإقناعنا بأن البيان المنسوب إلى تلاميذ وشباب مدينة تيزنيت وما يحمله من عبارات الحقد والكراهية والتهديد يعد عملا عفويا أو وراءه جهة خفية غير التي تتزعم الحركة الاسلاموية.
إن الدعوة إلى العنف جهارا ضد مناضلي جمعيات وأحزاب من المجتمع المدني هو احتقار لسيادة القانون وتنصيب وصاية على المواطنين وحرياتهم وبالخصوص لما يغلف ذلك بآيات من القرآن الكريم بعيدا عن كل سياق موضوعي وتاريخي وبعيدا عن قواعد الدقة والمطابقة عند الاستدلال. فاتخذت الآيات القرآنية الكريمة بشكل مجرد وبسوء نية لتبرير الاعلان عن العنف والكراهية وبشكل واضح. فجاء تعبير البيان واضحا “إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض، أولئك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم” كما استدل البيان المذكور لتبيان رأيه في النساء والتأكيد على احتقارهن ورهنهن بأحاديث نبوية مقتبسة خارج موضوعها وسياقها “صنفان من أهل النار لم أرهما بعد رجال بأيديهم صيات كأدناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات رؤوسهن كاسمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها. وإن ريحها ليوجد في مسيرة كذا وكذا سنة” وفي رواية أخرى يضيف البيان ” إلعنوهن فإنهن ملعونات”
يتجلى من هذا درجة الخبث والاحتقار والاستهتار بالقيم الدينية الخلاقة والسمحاء والاستهتار حتى بالقرآن الكريم وبالأحاديث النبوية الشريفة.
لكن هل يجوز اعتبار هذا البيان نزوة من نزوات مراهقين سياسيين أو حدثا خطيرا يسائلنا ونحن نحتفل بذكرى 16 ماي عن التربة التي ينتعش منها التطرف لوضع قواعد للإرهاب الفكري والمادي ؟
إن إحياء هذه الذاكرة لن يكون له بعده التاريخي والمجتمعي إذا لم ننتبه إلى ما يدور حولنا يوميا من ملابسات وتصورات وحركات وإشارات كثيرا ما لا نعير لها أدنى اهتمام، ولكنها في الواقع تحمل من المخاطر ما قد تخوم عواقبه.
إن العناية بثقافة نبذ العنف ونشر قيم التسامح والحوار يجب أن يكون عملا يوميا وسلوكا دائما يفرض التصدي إلى كل نزوات تدعو إلى العنف والكراهية كيفما كان مصدرها أو سببها أو تبريرها. وهذا هو السبيل الأمثل لتحقيق العيش الكريم لكل أفراد المجتمع في وئام وسلام واحترام متبادل في ظل قواعد ديمقراطية يجب أن يلتزم بها الجميع وتعتمد القيم الانسانية الخلاقة أطارا ومنهجا لتدبير الخلافات مهما تعاظمت.
وحتى لو صح الكفر في أي آدمي . فلا يحق للمسلم – إن كان مسلما حقيقيا- أن يسمح لنفسه بمحاسبة الكافرين على كفرهم أو يعاقب الضالين على ضلالهم فهذا ليس موعده هذه الدنيا. إنما حسابهم إلى الله في يوم الحساب. وجزاؤهم متروك إليه في يوم الدين.
وقد أحق أدونيس حينما قال : “أحيانا يخيل إلي أننا لم نعد في حاجة إلى أن نحفر القبور لموتنا. وذلك أن رؤوسنا وأجسامنا تحل محلها. فما أكثر القبور في أفكارنا وأعمالنا” وخير دواء لهذه الانتكاسة الفكرية هو الإلحاح على ضرورة التكتل وتجميع قوى الحداثة والتقدم والتوحد لمواجهة القوى الظلامية والرجعية التي بدأت تكشر عن أنيابها لتنقض على مكتسبات التجربة الديمقراطية في مهدها، والتي انتزعتها القوى الوطنية والتقدمية بعد كفاحات ونضالات مريرة وسجون واختفاءات قسرية واغتيالات في غياهب السجون لكي ينعم بها أبناء هذا الوطن وينموها ويحصنوها ويمنحوها كخير إرث للأجيال القادمة.
عبد اللطيف أعمو
أضف تعليقاً