إنضاج مؤشرات الديمقراطية وتجاوز الأزمة
من المؤكد أنه كيفما كانت الحكومة التي ستشكلها أغلبية ما بعد 25 نونبر 2011 والتحالفات التي ستشكلها، فالحاجة ملحة للتفكير في عناصر أربعة، وهي: التربية – التشغيل – القدرة الشرائية – الأمن.
عناصر أساسية ستمكن من إنضاج مؤشرات الديمقراطية.
إنضاج مؤشرات الديمقراطية وتجاوز الأزمة
إن ما ننتظره من الانتخابات التشريعية ل 25 نونبر 2011 هو إنضاج مؤشرات الديمقراطية في بلادنا، بإنتاج تمثيلية برلمانية نوعية، ترتقي بالممارسة السياسية إلى ما يسمو إلى مستوى تطلعات الشعب المغربي، الذي تعبأ بكثافة للتصويت بنعم على الدستور الجديد.
ورغم ضعف عناصر الحكامة في تدبير الشأن العام وضعف نضج الوعي المجتمعي بالديمقراطية من خلال جل مظاهر الحياة العامة والخاصة. فالمشاركة الشعبية المكثفة التي شهدها الاستفتاء على الدستور الأخير مؤشر يبعث على الأمل في بناء المجتمع الديمقراطي المنشود.
إن الامتحان الأول والأساسي للنخبة الحزبية المغربية سيكون الانتخابات التشريعية المقبلة. فمن المنتظر أن تفرز صناديق الاقتراع – من خلال عناصر الشفافية والمصداقية الانتخابية – أغلبية يعهد إليها بتشكيل الحكومة… حكومة أكثر مسؤولية تأتي في سياق التحولات التي يبشر بها تفعيل الدستور الجديد.
إن الربط بين السياسي والاقتصادي في هذه الظرفية الخاصة تهيمن عليه انعكاسات الأزمة المالية على الاقتصاد الوطني. لأن الأزمة المالية العالمية هي وليدة تنامي نشاط المصارف وأسواق المال الغربية التي عززت الاقتصاد “الوهمي” في انفصال شبه تام عن الاقتصاد “الحقيقي”، وفي غياب المراقبة والتوجيه لأداء هذه المؤسسات المالية، تأزم الوضع لدرجة لا تسمح بالتحكم فيه.
والمغرب ليس منعزلا عن هذا الاقتصاد المعولم، بل يمثل جزءا من منظومة الاقتصاد العالمي. لهذا، فقد تأثر من جراء الركود الاقتصادي العام الذي زاد من معدلات البطالة وضاعف من أزمة التشغيل.
والأكيد أنه كيفما كانت هذه الحكومة التي ستشكلها أغلبية ما بعد 25 نونبر 2011 والتحالفات التي ستشكلها، فالحاجة ملحة للتفكير في عناصر أربعة، وهي: التربية – التشغيل – القدرة الشرائية – الأمن، والتي ستمثل رهانا حكوميا ومجتمعيا، نرى في نظرنا، أن لا توافق بين توجهات السياسات العمومية مستقبلا، والتي تتجه نحو مزيد من الصرامة الاقتصادية والأرتودوكسية المالية، إن لم نقل نحو مخاطر التقشف، بالنظر إلى انعكاسات الأزمة العالمية وإكراهاتها، وضرورة الرفع من وتيرة النمو كعامل من شأنه أن ينسجم مع أهداف ومرامي التشغيل، وتجنب مخاطر سياسات ذات الطابع التقشفي، دون الحرص على ألا تتم التضحية بالعناصر الأربعة السالفة الذكر.
وقد كثر الحديث مؤخرا عن إعادة النظر في وتيرة نمو النفقات العمومية، بالتلميح بإمكانية التقليص منها، لكن سيكون من المؤسف، في نظرنا، أن يتم ذلك على حساب القدرة الشرائية والتربية والتشغيل والأمن.
فالأمر يتطلب التركيز على الإنفاق العمومي في المهام الأربعة: التربية – الشغل – القدرة الشرائية– الأمن.
الـــــتربيــــة
من المؤكد أن لا تنمية مجتمعية بدون تنمية معرفية، فإذا تم التقصير في الرفع من مؤشرات التربية والتعليم وجودتها ودمقرطة الولوج إلى المعرفة، فإن المجتمع سيضحي بمطلب شعبي ومجتمعي أساسي، وهو مطلب المدرسة المعاصرة والحداثية التي أصبحت تعتبر رافعة استراتيجية وموردا أساسيا لتحقيق نهضة المتجمعات.
لذلك، فلا مجال للتفكير في تقليص النفقات العمومية واستثمار الدولة في التربية والتكوين، كيفما كانت المبررات، بل المطلوب رفع التحدي لإنجاح المخططات التربوية واستدراك النقص الحاصل وتطوير نظامنا التربوي ليلبي حاجيات المجتمع في كل مجالاته.
الـــــقدرة الشرائيـــــة
يمكن اعتبار موجة ارتفاع أسعار المواد الأولية معطى بنيويا متفاقما منذ أزيد من عقود. فالأزمة المالية الحالية، وارتفاع أسعار المواد الأولية والنفطية هي أصلا ذات بعد دولي، تعرفها كل دول العالم، وهي راجعة إلى نقص المخزون النفطي وانخفاض قيمة الدولار، وإلى التوترات السياسية والصراعات الإقليمية، وانخفاض الإنتاج العالمي من الحبوب، وازدياد الطلب الهيكلي على هذه المواد، والاستعمال المتزايد للحبوب في إنتاج الطاقة الخضراء. لكنها تنعكس بشكل كبير على الاقتصادات الهشة، والتي لم تتخذ اجراءات وتدابير استباقية لحماية القدرة الشرائية لمواطنيها، ولتدبير السلم الاجتماعي بنوع من الصرامة والجدية المطلوبة، دون اللجوء إلى الشعبوية أو توزيع الهدايا الجبائية.
ومن هنا يأتي مطلب وضع استراتيجية شمولية لإصلاح نظام المقاصة، من خلال اتخاذ تدابير قصيرة ومتوسطة وطويلة الأمد، تتلخص في معالجة مشكل نجاعة هذا النظام، وفي عقلنة دعم المواد الأساسية وترشيدها، وتقوية فعالية المراقبة والتنسيق وتجاوز الخلل المتعلق بالتقليص من تبعية تموين السوق الداخلي، في ما يخص بعض المواد الفلاحية والنفطية، وتحسين استهداف دعم المقاصة للفئات المعوزة وتحديد مستويات هذا الدعم. ودعم هذا الجهد بإجراءات أخرى في المجال الاجتماعي أهمها الحفاظ على القدرة الشرائية للمواطنين، والبحث عن موارد إضافية لدعم الميزانية عن طريق إصلاح جبائي جذري وشمولي واسع، ويتوخى العدل والإنصاف الجبائي والحد من الروتوشات التي تتم غالبا تحت الطلب أو تكون نتيجة ضغوطات بمناسبة إعداد القوانين المالية.
ويظهر أن فكرة إحداث ضرائب على الثروات، وجعل الضرائب المفروضة على دخل العمل تتماشى مع الضرائب على دخل رأس المال، ووضع حد للإعفاء الجبائي في القطاع الفلاحي، أو على الأقل إعادة النظر فيه بشكل يحمي الفلاح الصغير المنتج، ويمكن الفلاح الكبير من المساهمة في أعباء وحاجيات البلاد، كلها حلول منطقية لتجنيد موارد مالية إضافية لفائدة الدولة.
الــــــتشغيـــل
إن تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية على الاقتصاد الوطني تؤدي إلى التقليص من فعالية بعض القطاعات وقدرتها على خلق مناصب شغل جديدة. لكن يبقى على بلادنا أن تتجند للتحضير لما بعد الأزمة، وأن تستفيد من الفرص المتاحة لتعزيز سوق الشغل وتنويع مصادره.
وهنا تظهر أهمية الحفاظ على وتيرة الاستثمار العمومي والرفع منه دون أن يتأثر بكل توجه يسعى إلى تخفيض النفقات العمومية على حساب حق المواطن في الاستفادة من خدمات عمومية جيدة.
إن الاستثمار في الرأسمال البشري من خلال الرهان على الرفع من مؤشرات التربية والتكوين ومواصلة جهود تنفيذ مخططات التنمية في القطاعات الواعدة ودعم تنافسيتها يبقى من بين الاختيارات الإستراتيجية الأساسية التي يتحتم على بلادنا اعتمادها لربح رهان التنمية ومواصلة جهود خفض معدل البطالة.
كما أن دعم قطاع الاقتصاد الاجتماعي وتشجيع المقاولة الاجتماعية يعتبر آلية ناجعة لخلق مشاريع مدرة للدخل وتحقيق التنمية البشرية.
في ظل الأزمة الاقتصادية والمالية وتفاقم أزمة التشغيل، فالمقاولة الاجتماعية تسمح بخلق فرص الشغل وتحقيق الاكتفاء الذاتي لدى الشباب حاملي المشاريع، فضلا عن كونها تعد مقاولة تضامنية تساعد في تشغيل الشباب حاملي الشهادات العليا والمتوسطة. كما أن مثل هذه المبادرات تساهم في إشاعة ثقافة المبادرة الحرة لدى الشباب وتشجعهم على إبراز طاقاتهم المقاولاتية خاصة في ما يتعلق بالمقاولة الاجتماعية والتضامنية.
الأمـــــــــــــن
العلاقة الجذلية ثابتة بين الأمن والتنمية، فلا تنمية دون أمن، ولا أمن بدون تنمية. فالأمن والتنمية عنصران متلازمان، وإن تداعى أحد العناصر أو حصل فيه خلل، فهذا يؤثر في استقرار أو تطور الآخر إما سلبا أو إيجابا.
كما أن ضعف التنمية وتدني القدرة الشرائية وضعف التأطير التربوي وتفشي البطالة، كلها عناصر تؤدي حتما إلى ضعف الأمن. كما أن الاهتمام بالتنمية الاجتماعية والحرص على تطوير مؤشراتها، من سكن وصحة وترفيه… ورصد معرفة متغيراتها واتجاهاتها، خصوصا مع ظهور بعض الظواهر السلبية في سلوكات وتصرفات الأفراد والجماعات، وتطور الجريمة وتعقد شبكاتها، وغيرها من الظواهر التي تصاحب التطور العمراني والمجتمعي والانفتاح على العالم ، كلها عناصر تستلزم وضع رؤية اجتماعية مسؤولة، تنتقل بالمسؤولية الاجتماعية من مرحلة العمل الاجتماعي التطوعي البسيط إلى مرحلة مسؤولية الدولة الاجتماعية على الأفراد وعلى المؤسسات، في تداخل عضوي بين التربية والتشغيل والقدرة الشرائية والأمن.
عبد اللطيف أعمو
أضف تعليقاً