من أجل دبلوماسية برلمانية مؤثرة ونشيطة وفعالة
صدر مقال باللغة الفرنسية تحت عنوان “من أجل دبلوماسية برلمانية مؤثرة ونشيطة وفعالة” نورد فيه أهم خلاصات زيارة الوفد البرلماني المؤلف من أعضاء من مجلسي البرلمان المغربي للعاصمة الأوروبية من 17 إلى 20 يناير 2011 بمناسبة انعقاد الجلسة العامة لشهر يناير 2011 للبرلمان الأوروبي.
وتعميما للفائدة نورد أسفله ترجمة باللغة العربية بجانب النص الأصلي للمقال الصادر بيومية البيان ليوم الأربعاء 8 فبراير 2011
من مجرد التواجد الرمزي في المحافل الدولية إلى الحضور الوازن والفاعل
من أجل دبلوماسية برلمانية
مؤثرة ونشيطة وفعالة
عبد اللطيف أعمو
يحتل المغرب مكانة متميزة في علاقاته مع الاتحاد الأوروبي : علاقات يعززها الوضع المتقدم الذي منح للمغرب بهدف تشجيعه على تسريع وتيرة الاصلاحات.
وفي هذا الإطار، تم العمل على تطوير العلاقات البرلمانية بين البلدين وتنشيطها. هذا ما سمح بخلق لجنة برلمانية مشتركة المغرب / الاتحاد الأوروبي وتعزيز التعاون بين المجموعات البرلمانية والأحزاب السياسية.
علاوة على ذلك، فرض البدأ في تنفيد بنود معاهدة لشبونة نهجا جديدا على الدبلوماسية البرلمانية المغربية في اتجاه البرلمان الأوروبي. هذه المعاهدة تعزز دور البرلمان الأوروبي في مجال السياسة الخارجية. ويمنح البرلمان الاوروبي بموجبها صلاحيات جديدة في مجال التحكم في السياسات الأوروبية ومراقبتها. مما يسمح لأوروبا بأن تسمع صوتها بوضوح لشركائها العالميين، وأن تضع قوتها الاقتصادية والسياسية والدبلوماسية والإنسانية في خدمة مصالحها وقيمها عبر العالم.
منذ صدور قرار أوروبي حول التقرير السنوي لسنة 2009 بشأن حقوق الإنسان بالعالم، وسياسة الاتحاد الأوروبي بهذا الشأن، ما فتئ البرلمانيون الأوروبيون يدعون إلى إحداث منصب الممثل الخاص لحقوق الإنسان بولاية واضحة مع وضع سياسة أوروبية لحقوق الإنسان قوية وفعالة وضامنة تناسق أكبر لسياسات أوروبا الداخلية والخارجية.
وهكذا ، فإن إنشاء مصلحة العمل الخارجي الأوروبي (SEAE)، وإحداث إدارة خاصة مكرسة لحقوق الإنسان هي كلها تساهم في فرض واقع جديد على الدبلوماسية البرلمانية المغربية أن تدمجه في علاقتها المستقبلية مع البرلمان الأوروبي.
وفي هذا السياق، قام وفد برلماني مؤلف من أعضاء من مجلسي البرلمان المغربي العاصمة الأوروبية من 17 إلى 20 يناير 2011 بزيارة عمل للبرلمان الأوروبي بمناسبة انعقاد الجلسة العامة لشهر يناير 2011 للقيام بحملة إعلامية تتوخى الاتصال بمختلف المجموعات البرلمانية. والهدف الأساسي من هذه الزيارة هو إرساء أسس جديدة لعلاقات قوية ودائمة بين البرلمانين المغربي والأوروبي، على أسس من الشفافية والوضوح في معالجة القضايا ذات الاهتمام المشترك.
فعادة، تبقى مهام الدبلوماسية من الاختصاص الحصري للسلطة التنفيذية، في حين يكتفي البرلمانيون بمناقشة قضايا السياسة الخارجية في مناسبات محدودة، دون الخوض مباشرة في هذا المجال. أما اليوم فقد تغير الوضع: فالدبلوماسية البرلمانية أضحى دورها متزايدا في حياة الدول. ووفقا للتقاليد الديمقراطية ولأهداف السياسة الخارجية، فإن هذه الدول تخصص المزيد من الموارد البشرية والمالية لدبلوماسيتها البرلمانية. والبرلمانيون مدعوون بشكل متزايد إلى إقامة علاقات أخوية مع نظرائهم ، إما بالمشاركة في المجموعات البرلمانية، أوالانخراط في شبكات متخصصة للبرلمانيين تهتم بمختلف القضايا، أو في الجمعيات البرلمانية الدولية… الخ
كما يحرصون على المشاركة في البعثات الدراسية وفي البعثات الدبلوماسية في الخارج، وأحيانا في بعثات الوساطة في حل النزاعات، كما يحافظون عبر إطاراتهم الحزبية على علاقات سياسية مع الأحزاب السياسية الصديقة من بلدان أخرى أو يشكلون مجموعات تبادل وصداقة ودراسة، في غالب الأحيان دون اعتبارات للانتماء السياسي لأعضاءها.
وتستند الدبلوماسية البرلمانية بصفة خاصة على القيم المشتركة للديمقراطية وسيادة القانون. مما يسمح بتعزيز التفاهم المتبادل بين الشعوب. كما تسمح الدبلوماسية البرلمانية، بحكم علاقاتها المؤسسية الخاصة، بإغناء العلاقات والتقدم في الملفات وفي القضايا التي لم يعد فيها للدبلوماسية الرسمية متسع ومجال للتحرك السلس والمرن.
إن دبلوماسيتنا البرلمانية، بحكم القرب الجغرافي والعلاقات المميزة بين المغرب والاتحاد الأوروبي، ولا سيما مع بلدان البحر الأبيض المتوسط، معنية أكثر من أي وقت مضى بالاشكاليات والقضايا والتطورات الأخيرة التي ميزت المنطقة (تطور حركات الإرهاب، تدفقات الهجرة عبر الحدود، تطور وانتشار الجريمة المنظمة، التوثرات السياسية الاقليمية…) وذلك لفهم هذه القضايا والتحولات في مجملها من خلال تفاعلها مع المصالح العليا للأمة.
إن الغياب الشبه التام للمغرب، والوجود الشبه الدائم لمعارضيه داخل البرلمان الأوروبي هو واقع يفرض نفسه. مما يدعو إلى اتباع نهج جديد ورؤية أوسع وأشمل، ويسائلنا من موقعنا كمؤسسة برلمانية :
إلى أي مدى تمكن البرلمان المغربي من فرض وجوده القوي في مختلف المحافل الدولية؟
ما هي التدابير التي اتخذها البرلمان المغربي لتفعيل مجموعات الصداقة البرلمانية مع أكثر من 100 دولة صديقة، باعتبارها أداة فعالة لتعزيز العلاقات الدبلوماسية مع الدول الأخرى؟
إلى أي مدى نجح التنسيق بين الدبلوماسية البرلمانية والدبلوماسية الرسمية في خلق الانسجام المطلوب والتكامل في الأدوات والأهداف في مختلف المحافل الدولية لوضع المغرب في المرتبة اللآئقة به بين الأمم؟
كيف ساهمت دبلوماسيتنا البرلمانية في إشعاع المغرب على المستوى الدولي وفي الدفاع عن مصالحه العليا وفقا للخطاب الملكي ألقاها بمناسبة افتتاح السنوات التشريعية 2004-2005 و2005-2006 وأخيرا 2010-2011 عندما دعا جلالة الملك المؤسسة البرلمانية إلى إعطاء دفعة قوية للعمل البرلماني على جميع المستويات، من خلال: تشريع إصلاحي ومراقبة مسؤولة وإدارة ميدانية وديبلوماسية موازية نشيطة، تستهدف جعل التطور الديمقراطي لبلادنا في خدمة وحدتها الترابية؟
إن الموقع الاستراتيجي للمغرب ونفوذه السياسي اللذان مكناه من تعزيز دوره الريادي إقليميا في مجال تعزيز الحوار بين الحضارات ودعم السلام وقيم التضامن والتسامح والحرية في عالم تسوده العولمة وتتسع فيه شبكات الاتصال والتواصل، هما ميزتان إضافيتان في يد الدبلوماسية البرلمانية التي عليها أن تحقق تحولها من خلال :
– اعتماد طرق جديدة للتعاون مع المجموعات البرلمانية الأوروبية على أساس الاتفاق المسبق حول المواضيع والملفات موضوع اللقاءات الثنائية مع جدول زمني محدد.
– تفعيل دور اللجن البرلمانية المشتركة بين المغرب والاتحاد الأوروبي، انطلاقا من أهمية اللجنة البرلمانية المشتركة كأداة لتعزيز الوضع المتقدم الذي يتمتع به المغرب. وهي أيضا وسيلة فعالة لتعزيز الشراكة بين المغرب والاتحاد الأوروبي. وهي في ذات الوقت الجهة المخولة للنظر في المسائل ذات الاهتمام المشترك وبحث وتقديم توصيات وقرارات بشأن هذا الموضوع إلى الجهات البرلمانية المعنية وإلى المؤسسات الأوروبية.
– تمكين اللجنة البرلمانية المشتركة بين المغرب والاتحاد الأوروبي من الموارد البشرية والمادية اللآزمة لتكون قادرة على انجاز مهامها الأساسية، هي الحرص جانب السلطة التنفيذية على تنفيذ متطلبات الوضع المتقدم.
– تنظيم حملات التواصل والاتصال أو ممارسات الضغط على أعضاء البرلمان الأوروبي وعلى المجموعات البرلمانية، مع الحرص على تحديد جدول أعمال مسبق والمواضيع المتداول حولها ووضع برنامج محدد بالتنسيق المسبق بين الطرفين.
– تعزيز الإطار الحالي للعمل بين مختلف المجموعات البرلمانية للشروع في حملات إعلامية وتنظيم ندوات للتعريف بإنجازات المغرب في مجال الديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان وفي مجال السياسة الاقتصادية والاجتماعية، والدفاع عن قضيتنا الوطنية، وذلك بالتنسيق والتشاور الكاملين مع جميع الأعضاء.
– ضمان استمرار التواجد المستمر للبرلمانيين المغاربة في الجلسات العامة للبرلمان الأوروبي وفي اجتماعات اللجان البرلمانية وضمان التحضير القبلي للموضوعات والقضايا ذات الصلة بالمصالح الوطنية للمغرب أو التي ترتبط بالعلاقات المغربية الأوروبية، وفي سياق نهج جديد يهدف إلى إنشاء قنوات اتصال وتواصل مع أعضاء المجموعات البرلمانية الأوروبية لملء الفجوات في مجال التواصل، وإعداد الملفات والاتصال، وتوفير المعلومات للبرلمانيين و السجلات المتعلقة بالمغرب والمسائل ذات الصلة بمقتضيات الوضع المتقدم.
– تعزيز ثقافة التخصص في الشعب البرلمانية وعلى مستوى مجموعات الصداقة البرلمانية المدعوة للعمل بفعالية وعدم الاقتصار على الترقيع والارتجال في آخر دقيقة.
– الحاجة إلى تنظيم ورشات عمل دورية بين أعضاء البرلمان والجهات الفاعلة والمؤثرة في السياسة الخارجية للبلاد، مثل وزارة الشؤون الخارجية والتعاون، ووزارة التجارة الخارجية، وزارة الثقافة، ووزارة السياحة … وغيرها لوضع آليات وقنوات لنقل المعلومات وتحديثها وتطعيمها بجميع المستجدات في هذا المجال.
ويجب كذلك أن يتم إنشاء خلية (سكرتارية) أو وحدة إدارية رفيعة المستوى متخصصة في رصد العمل اليومي للبرلمان الأوروبي والتتبع الدقيق لمستجدات العلاقات الأوروبية المغربية، ولكن أيضا إنشاء لجنة استشارية دائمة للدبلوماسية البرلمانية في جميع المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والبيئية والثقافية.
ويجب الإصرار أيضا على أخذ زمام المبادرة للتدخل الملائم للبرلمان المغربي في الوقت المناسب وكلما اقتضت المصلحة الوطنية ذلك. ثم الحرص على توفير جميع الوسائل اللازمة للشعب البرلمانية المختصة في التواصل المستمر مع البرلمان الأوروبي (من مكاتب وموارد بشرية وبالكميات الكافية والنوعية المطلوبة، وبآليات أكثر تخصصا مع توفير المتطلبات المالية اللازمة)
وفي انسجام مع الأحداث الأخيرة، يجب وضع برنامج لتقديم النتائج التي توصل إليها تقرير اللجنة البرلمانية للتحقيق بشأن أحداث إكديم إزيك والعيون للبرلمانيين الأوروبيين.
ليس هناك أدنى شك بأن “الدبلوماسية البرلمانية” تتوفر على قدرة كبيرة ومرونة استباقية، مما يسمح لها بأن تتفاعل بإيجابية مع مختلف شركائنا الدوليين على مختلف المستويات والمسؤوليات… إن كفاءتها وقدرتها لم تعد تحتاج إلى تأكيد… فهي تساعد على إعداد الملفات الكبرى لتسهيل مهمة السلطة التنفيذية الذي ستقول فيها كلمتها الأخيرة.
في خدمة الاقتصاد، يمكن للدبلوماسية البرلمانية أن تساعد على استكشاف الفرص في مجال التجارة الخارجية وتعزيز مؤهلات الصناعة والسياحة والزراعة الوطنية في هذه القرية العالمية الصغيرة والتي من شأنها تعزيز التنمية الاقتصادية للبلاد.
وفي خدمة التنمية الاجتماعية، يمكن للدبلوماسية البرلمانية أن تلعب أيضا دور المنشط، خصوصا وأن المد الفعلي لاقتصاد السوق أثار قضايا اجتماعية كبرى، ويمكن لبلدنا أن تساهم من خلال هذه القناة في النقاش الدائر حول أنسنة الاقتصاد، والدفاع عن حقوق العمال وضمان الأمن الإجتماعي.
وعلى الجبهة السياسية، يمكن للدبلوماسية البرلمانية أن تحمل رسالة، وهي رسالة المغرب: مغرب الإصلاحات، المستند إلى تاريخ طويل وإلى حضارة راسخة، مغرب التضامن والاتزان والاعتدال…
وفي خدمة الثقافة، يمكن للدبلوماسية البرلمانية أن تسلط الضوء على القيم السائدة في مجتمعنا ، في توافق تام مع شخصيته التي شكلتها آلاف السنين من التاريخ.
إن المغرب؛ في غناه الثقافي، والعلائقي، وبجهده الإصلاحي، والذي يمس كل مناحي الحياة، يضع في يد دبلوماسيته البرلمانية أدوات عديدة للتواصل والنقاش وإقناع السلطة التشريعية الأوروبية بعدالة قضاياه ووجاهة خياراتها الاستراتيجية.
وفيما يلي النص الأصلي للمقال الصادر بالعدد 11009 لجريدة البيان الفرنسية – ليوم الأربعاء 9 فبراير 2011
أضف تعليقاً