خلق الشغل يمر عبر تقوية المؤسسات الخالقة له
يشرفني أن أتدخل باسم فريق التجديد والتقدم الديمقراطي في مناقشة قضايا التشغيل. والواقع أن معضلة البطالة هي من أخطر المشاكل التي تواجه بلادنا. والمؤسف أنها في تزايد مستمر تؤكده كل الإحصائيات والمعطيات الرسمية المتوفرة.وإذا أخذنا البطالة في الوسط الحضري على سبيل المثال، نلاحظ أنها انتقلت من 17 % سنة 1997 إلى 19 % سنة 1998 لتقفز إلى 21.9 % سنة 1999 . وهي تمس على الخصوص الفئات الشابة والنساء.
هكذا نجد أن نــسبة البطالة تصل إلى 37.1 % بالنسبة للفئة العمرية من 15 إلى 24 ســنة و 29.9 % بالنسبة لشباب المتراوحة أعمارهم بين 25 و 34 سنة.وبالنسبة للنساء، فإن نسبة البطالة بلغت خلال الدورة الأولى من سنة 1999 إلى 28.2 %، كما بلغت هذه النسبة 28.2 % من حملة الشواهد العليا.
إنها أرقام تدعو إلى القلق وتقتضي دق ناقوس الإنذار. ولقد اعتبر صاحب الجلالة قضية التشغيل وتشغيل الشباب على الخصوص القضية الوطنية الثانية بعد قضية الصحراء، كما أن الحكومة وضعت التشغيل على رأس أولوياتها في مناسبات عديدة شعورها بدقة الوضع وعزمها على اتخاذ الإجراءات الملائمة لمواجهته وحددت مناظرة مراكش حول التشغيل اجراءات عديدة من شأن تطبيقها أن يحد من هذه الظاهرة ويتيح التخفيف منها تدريجيا.
وفي نفس السياق، صدرت الدورية المشتركة بين السيد وزير الداخلية والسيد وزير التنمية الإجتماعية تدعو السادة الولاة والعمال بالتشاور مع المنتخبين المحليين ومختلف السلطات العمومية والقطاع الخاص لإيلاء العناية الكاملة لمشكل الشباب وكل ما يمس مستقبلهم. ورغم أن هذه الدورية استثنت النواب من المشاركة المباشرة في هذه الحملة، وهو ما نتمنى أن يتم تداركه بالنظر لمسؤولية هؤلاء، فإننا نتمنى صادقين أن تبلغ الهدف المرجو منها، وأن يكلل الجهد المبذول بنتائج ملموسة، لأن المهم ليس هو الإجتماعات في حد ذاتها بل ما ستسفر عنه من مبادرات لفائدة التشغيل.
وفي نظرنا، فمعالجة قضايا الشغل والبطالة مرتبط أوثق الإرتباط برفع معدل الإستثمارات سواء منه العمومي أو الخاص. والأمر يقتضي بذل مجهودات متواصلة ويقتضي إصلاح المحيط الإقتصادي ليصبح أكثر ملائمة لنمو وازدهار النشاط الإقتصادي وأكثر جاذبية للمستثمرين الوطنيين منهم والأجانب.
إن أي تباطئ في إصلاح الإدارة والقضاء قد يضيع على المغرب فرصا عديدة ووقتا ثمينا ما أحوجنا إليه.
إن الإجراءات التي جاء بها القانون المالي لهذه السنة تعد بداية للسير في هذا الإتجاه.
ولا بد من تعزيزها بإجراءات أخرى، وفي أقرب الآجال، كإخراج الوكالة الوطنية لتشجيع الإستثمار إلى حيز الوجود لتمهيد الطريق أمام الشباك الوحيد وحل المشاكل العقارية التي تعرقل الاستثمار وتطوير المناطق الصناعية وخلق أخرى جديدة ومتطورة.
إن أخطر نقص تعاني منه سياسة التشغيل هو غياب نظرة متكاملة مندمجة تأخذ بعين الإعتبار كل أبعاد التشغيل وفعالية الإجراءات المتخذة في هذا المجال. فالإجراءات المتخذة لإصلاح سوق الشغل عبر إحداث وساطة في سوق الشغل والتكوين الإدماجي والتكوين المهني، والتي لا يعرف الرأي العام نتائجها لحد الآن تطرح تساؤلات حول مردودية الأموال المرصودة لها، وتبقى معظلة بطالة الخريجين تعبيرا قويا عن عمق المشكل الذي ينخر اقتصاد البلاد.
إن مشاكل التشغيل تنتج كذلك عن بنية سوق الشغل وبنيات العمل. فسوق الشغل مجزء ويتسم بانعزال مكوناته بعضها عن البعض. كما يتميز بوضعيات تشغيل مختلفة. فهناك القطاعات التي لا تعرف استقرار الشغل خاصة في السلاليم الدنيا إلى جانب قطاعات تضمن الشغل مدى الحياة. ومناك قطاعات يشتغل عمالها 70 ساعة في الأسبوع وقطاعات لا يدوم فيها العمل أكثر من 32 ساعة عمل اسبوعي.
كما أن نظام الأجور يسجل تباينات عديدة لا مبرر لها. وهناك أيضا قطاعات تؤدي الضريبة على الدخل وقطاعات تتهرب من أية مساهمة. إن النهوض بالإقتصاد الوطني وخلق مناصب الشغل يقتضي ربح رهان المردودية والإنتاجية حتى نتمكن من إدماج حاملي الشهادات بكيفية أفضل, وحتى نتمكن من إعطاء مناعة أكبر لمقاولاتنا في وجه المنافسة الدولية التي تستعمل أسلحة الجودة والإنسان حتى نحافظ على مناصب الشغل الموجودة ونخلق مناصب جديدة.
إننا نطرح للتأمل أسئلة عديدة :
– كيف نزرع في نسيجنا الوطني ثقافة التضامن والإنتاجية؟
– كيف نقيم نظاما للتأمين عن البطالة للتمكن من تطبيق المرونة؟
– هل يمكن التركيز على المقاولات الصغرى لحل مشكل التشغيل؟
– وهل يكفي تشجيع المقاولين الشباب علما بأن العمال والمستخدمين القريبين من التقاعد يمكن أن يساهموا بفضل ما راكموه من خبرة وتجربة في خلق مقاولات ناجحة؟
– هل يكفي إحداث وكالة وطنية للتشغيل ؟
– ألا يجدر بنا قبل ذلك توفير الوسائل اللآزمة لجعلها ناجعة ومفيدة ؟
إن لدينا بعض الإجراءات التي نعتقدها مفيدة من أجل التشغيل.
والإجراء الأول في نظرنا هو طرح مشكل التشغيل بكيفية سليمة. فخلق الشغل هو عمل مخطط هدفه تقوية المؤسسات الخالقة له، أي المقاولات والجماعات المحلية والإدارات والجمعيات.
وخلق الشغل يفترض تحليلا للحاجيات الآنية والمستقبلية للمستثمرين وتحديد أفضل الوسائل لبلوغها حسب معايير يكون هدفها تحسين انتاجية العمل بما يقتضي من تنظيم لحركية المقاولات وتشجيع الحركية الداخلية والخارجية وإقامة نظام تكويني يلبي حاجيات المقاولات. إن خلق مناصب الشغل يقتضي أيضا معالجة امكانيات التمويل والتمويل الذاتي.
ونلاحظ أن سعر الفائدة في بلادنا لا زال مرتفعا ويحد من امكانيات الإستثمار. وعلى المؤسسات المالية أن تبذل مجهودات أكبر لفائدة الإقتصاد الوطني. فمثانة النسيج الإقتصادي الوطني واستقرار البلاد هي أكبر ضمانة لتطوير النظام البنكي وازدهاره.
الإجراء الثاني يتعلق بتطوير سوق الشغل وتحسين كيفية استغلاله.
الإجراء الثالث نؤكد من خلاله على ضرورة إصلاح بنية الضريبة على الدخل، التي لا تشجع في شكلها الحالي على توظيف حاملي الشهادات.
الإجراء الرابع نؤكد في نسقه أن حملة التشغيل ستعطي النتائج المرجوة إذا وضعت في أفق تغيير شامل للسياسة الإقتصادية عبر تطوير الصادرات الوطنية والتنمية الجهوية بمساهمة القطاع الخاص في البنيات التحتية، وأخذ التشغيل بعين الإعتبار لدى وضع المعايير التقنية للنفقات العمومية وتشجيع المقاولات التي تقترح مشاريع تحدث عددا أكبر من مناصب الشغل.
إن مشكل البطالة مشكل عويص ومعقد، لكن التغلب عليه ليس بالمستحيل، إذا عبأنا جميع الطاقات واستنفرنا جميع الإمكانيات . فلتتظافر جميع الجهود لرفع هذا التحدي الكبير لبناء مجتمع متضامن ومتماسك خدمة لشعبنا وشبيبتنا.
وشكرا على انتباهكم
نشر نص التدخل ببيان اليوم بتاريخ 1999/07/03
أضف تعليقاً