تحية لكل نساء العالم
تحية لكل نساء العالم
8 مارس 2016
عبد اللطيف أعمو
يحتفل العالم اليوم كعادته كل سنة باليوم العالمي للمرأة.
وهي فرصة للتأمل في مدى التقدم الحاصل دوليا ووطنيا مع إعطاء شحنة جديدة للطموح نحو تكثيف الجهود المبذولة للنهوض بأوضاع النساء ودعم نضالاتهن واضطلاعهن بأدوارهن الريادية في تطور وتحول المجتمعات، التي تحتضنهن بجانب الرجل بنفس الحقوق والواجبات على قدم المساواة.
وقد اختارت الأمم المتحدة شعارا للاحتفال باليوم العالمي للمرأة لعام 2016 يتمحور حول “الإعداد للمساواة بين الجنسين لتحقيق المناصفة بحلول 2030”
ومن الأهداف الرئيسية التي سطرتها هيئة الأمم المتحدة في هذا الإطار في أفق 2030:
- تمتيع جميع البنات والبنين والفتيات والفتيان بتعليم ابتدائي وثانوي مجاني ومنصف وجيّد، مما يؤدي إلى تحقيق نتائج تعليمية ملائمة وفعالة بحلول عام 2030،
- إتاحة فرص الحصول على نوعية جيدة من النماء والرعاية لجميع البنات والبنين في مرحلة الطفولة المبكرة والتعليم الأولي حتى يكونوا جاهزين للتعليم الابتدائي بحلول عام 2030،
- القضاء على جميع أشكال التمييز ضد النساء والفتيات،
- القضاء على جميع أشكال العنف ضد جميع النساء والفتيات في المجالين العام والخاص، بما في ذلك الاتجار بالبشر والاستغلال الجنسي وغير ذلك من أنواع الاستغلال،
- القضاء على جميع الممارسات الضارة بالمرأة، من قبيل تزويج الأطفال والزواج المبكر والزواج القسري، وتشويه الأعضاء التناسلية للإناث (ختان الإناث)
كما تطالب الأمم المتحدة بالمناسبة باحترام حقوق المرأة القروية، داعية إلى التركيز على النساء والفتيات القرويات واحترام حقوقهن، خاصة وأن المرأة الريفية تمثل حوالي ربع (1/4) سكان العالم، إضافة إلى دورها الحيوى فى التنمية والحد من الفقر.
وشددت اللجنة الأممية – التى تراقب تنفيذ الدول لالتزاماتها فى اتفاقية القضاء على التمييز ضد المرأة – على الحاجة إلى حماية وتعزيز حقوق النساء والفتيات القرويات وفقا للمادة 14 من الاتفاقية.
كما أشار بيان الأمم المتحدة إلى أن المرأة الريفية ما زالت تواجه تحديات وحواجز نظامية مستمرة في التمتع بكامل حقوقها، وانتقدت لجنة المرأة العديد من البلدان التي لم تقم بمعالجة احتياجات المرأة الريفية، وعلى نحو كاف في القوانين والسياسات الوطنية والمحلية وعلى مستوى الدعم المادي وتحويل الميزانيات، خاصة وأنها لا تزال مستبعدة من مراكز القيادة وصنع القرار على جميع المستويات.
كما أن المرأة القروية تتأثر بشكل غير متناسب من الصور النمطية السلبية والعنف القائم على نوع الجنس وعدم كفاية الفرص للحصول على الخدمات الأساسية والموارد.
ودعت اللجنة إلى اتخاذ تدابير قانونية غير تمييزية تسهل من وصول المرأة الريفية إلى العدالة وإلى الخدمات الاجتماعية الأساسية كالتطبيب والعلاج، وإتاحة فرص حصولها على التعليم الجيد وبتكاليف معقولة وغير ذلك من الخدمات الأساسية، مع التركيز على الفئات المحرومة والمهمشة، إضافة إلى خلق بيئة ملائمة لتحسين أوضاعها الاجتماعية والاقتصادية وضمان مشاركتها الفعالة في الحياة السياسية والعامة على جميع المستويات.
وعلى المستوى الوطني، تبقى قضية المرأة محكًا تنمويا حقيقيًّا ورهانا ديمقراطيا وطنيا، ودليلا على توازن المجتمع وارتقاءه إلى مصافِّ المجتمعات الديمقراطية.
ولا أحد يجادل في أن هناك ارتباطا وثيقا بين تنمية المجتمع وتوازنه ومستوى تحرر المرأة وانعتاقها.
فعلى غرار باقي الدول النامية، ظل الجدل قائما داخل المغرب حول مكانة المرأة ومشاركتها في مختلف مناحي الحياة داخل المجتمع. واستطاعت المرأة المغربية تحقيق مكاسب مهمة في مجالات سياسية واقتصادية واجتماعية وقانونية خلال العقدين الأخيرين.
وقد حرص الدستور الجديد، الذي تم إقراره في استفتاء 2011، على ترسيخ أكبر للمساواة بين الرجل والمرأة وإيلاء المرأة المغربية مكانتها المتميزة داخل المجتمع.
وجاء في تصديره بأن المغرب “يرتكز على مبادئ المساواة وتكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعية”، كما جاء في فصله السادس أن السلطات العمومية ” تعمل على توفير الظروف التي تمكن من تعميم الطابع الفعلي لحرية المواطنات والمواطنين، والمساواة بينهم، ومن مشاركتهم في الحياة السياسية”.
فيما ورد في الفصل التاسع عشر، التأكيد على أن الرجل والمرأة يتمتعان ” على قدم المساواة بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية الواردة في هذا الباب من الدستور وفي مقتضياته الأخرى، وكذا في الاتفاقيات والمواثيق الدولية كما صادق عليها المغرب، وكل ذلك في نطاق أحكام الدستور وثوابت المملكة وقوانينها”.
من جهة أخرى، وبلغة الأرقام تشير إحصائيات 2014 إلى تحولات مجتمعية بدأت إرهاصاتها تتضح شيئا فشيئا، حيث تراجعت الأمية في صفوف النساء ب 14,6% مقابل 17,5 % في صفوف الرجال. لكن كما كان عليه الحال سنة 2004، فإن الأمية في صفوف النساء لا زالت مرتفعة ب(41,9%) مقارنة مع الرجال (22,1%) كما أنها أكثر انتشارا بالوسط القروي (47,7%) مقارنة مع الوسط الحضري (22,2%).
كما كشفت نتائج الإحصاء العام للسكان والسكنى أن حوالي شخص من كل ثلاثة (%34,3) نشيط خلال سنة 2014 مقابل %35,9 سنة 2004. وهذا المعدل أعلى لدى الرجال (%54,1) مقارنة مع النساء (%14,7) وبالمناطق الحضرية (%36,5) مقارنة مع نظيرتها القروية (%31,0).
مما يؤكد تراجع معدل النشاط بين سنتي 2004 و2014 سواء حسب وسط الإقامة أو الجنس. إلا أن تراجع هذا المعدل كان أكثر حدة لدى النساء بالوسط القروي حيث تقلص من 14,9% إلى 7,5%.
مما يجعل المرأة أكثر عرضة للأمية وللبطالة من الرجل، كما أن وضعها بالعالم القروي أسوأ من الوضع بالمجال الحضري.
وبالمقابل، فقد سجلت العشرية الأخيرة تقدما ملحوظا لدور المرأة، وتناميا لدورها في المجتمع؛ حيث أن ما يقارب %16,2 من الأسر (1.181.585 أسرة) تسيرها نساء لوحدهن ( %18,5 بالوسط الحضري و %11,8 بالوسط القروي)، وحوالي %20,6 من هذه الفئة من الأسر (243.648 أسرة) تتكون من فرد واحد.
وبخصوص النساء ربات الأسر، نلاحظ أن ما يقارب %56 منهن أرامل (من بينهن %21,3 لديهن طفل واحد على الأقل) و %14,2 منهن مطلقات ( من بينهن %5,9 لديهن طفل واحد على الأقل).
وفيما يتعلق بالأمية، فإن %64,5 (760.398) من النساء ربات الأسر أميات (لا تعرفن القراءة والكتابة) (%56,6 بالوسط الحضري مقابل %88,3 بالوسط القروي) و %5,1 فقط لديهن مستوى تعليمي عالي.
بحيث أن مليون و600 ألف أسرة تعيلها النساء تعيش الهشاشة والفقر.
مما يستدعي تدابير اجتماعية مصاحبة لدعم وضع المرأة الاعتباري داخل المجتمع اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا لتضطلع بدوها المتنامي كمعيل للأسرة.
كما تكشف الأرقام بمرارة بأن العنف ضد النساء ما زال يمثل نسبة تفوق 62,8 % بالمغرب، وأن ما يقارب 30 ألف قاصر يتم تزويجهن في السنة.
ويتضح كذلك بأن ولوج النساء إلى العدالة يظل صعبا، كما أن المساواة في الأجور بين الرجال والنساء تبقى بعيدة المنال.
و يصنف المنتدى الاقتصادي العالمي الخاص بالمساواة بين الرجل و المرأة المغرب في الرتبة 133 من ضمن 142 دولة في العالم بما يعنيه ذلك من رهانات اقتصادية واجتماعية وثقافية وبيئية، على بلادنا رفعها للرفع من مكانة المرأة.
أما على المستوى السياسي، فعوائق إشراك المرأة في صنع القرار السياسي وبلورته متعددة ومتنوعة، ومنها ما هو مرتبط بالمجتمع نفسه، ومنها ما هو مرتبط بالتنظيمات السياسية. مما يؤدي إلى ضعف مشاركة المرأة و تمثيلها في الهيئات السياسية وداخل أجهزة الدولة كالحكومة والبرلمان والنقابات والأحزاب.
وإذ نستحضر ما حققته المرأة المغربية من مكتسبات وتراكمات، وما اعترى مسار تمتيعها بحقوقها كاملة من نواقص وانتكاسات، فإننا نؤكد بأن مسار تمكين النساء من جميع حقوقهن يقتضي استمرار التعبئة النضالية، والتواجد الناجع على كل الواجهات، باعتبار أن تقدم المرأة من أهم مرتكزات تعزيز الانتقال الديمقراطي وبناء الدولة الحديثة.
ولتعزيز هذه المكتسبات وتنزيل النصوص الدستورية المتعلقة بحقوق المرأة على أرض الواقع يتعين اليوم الاستمرار في النقاش الجدي بين مختلف القطاعات الحكومية والمؤسسات الوطنية والأحزاب السياسية وهيئات المجتمع المدني حول سبل تكريس حقوق المرأة ومأسستها واستكمال الإصلاحات القانونية والمؤسساتية المرتبطة بالمساواة وحقوق المرأة .
ومن أولويات المرحلة:
1) إخراج القانون المتعلق بالمناصفة
2) إخراج القانون الإطار لمناهضة العنف ضد النساء
3) تعزيز موقع المرأة في مناصب التمثيلية بالانتقال من التمييز الإيجابي على أساس اللآئحة الوطنية للنساء إلى اللوائح المحلية التي تعتمد المساواة بين الرجل والمرأة في اللوائح وبالترتيب (رجل/ امرأة) أو (امرأة/رجل)
4) العمل على تمتيع المرأة القروية بكامل حقوقها من خلال تقوية وتعزيز مكانتها ضمن البرنامج الوطني للنهوض بالعالم القروي ، والذي رصد له مبلغ 55 مليار درهم.
ولا تفوتني هذه الفرصة دون أن نحيي السلاليات اللواتي حققن حقهن الكامل في الأراضي السلالية وحقهم في التملك والتصرف بدون حجز أو قيد.
إن النقاش المجتمعي الجدي والإيجابي حول وضعية نساء المغرب نقاش صحي لا مناص منه، ويفترض أن يندرج في إطار تعزيز وتقوية دعائم الدولة القوية، التي تؤسسها وتقوي أسسها نساء ورجال المغرب يدا في يد وجنبا إلى جنب على مبادئ المساواة وتكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعية. ولأجل ذلك، لا مناص من الانتصار لحرية النساء ولحقوقهن، إذا أردنا الانتصار لتنمية البلاد وازدهارها وتقدمها.
وكل عام ونساء المغرب بأحسن وأفضل حال.
عبد اللطيف أعمو
حزب التقدم و الاشتراكية و المرأة : قصة مسار مشترك
أضف تعليقاً