مناقشة عرض السيد الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات حول أعمال المحاكم المالية
عقد مجلس المستشارين جلسة عمومية صبيحة يوم الثلاثاء 18/ 12 /2018 خصصت لمناقشة عرض السيد الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات حول أعمال المحاكم المالية، الذي قدم أمام غرفتي البرلمان في 23 أكتوبر 2018.
وبالمناسبة، ونظرا لضيق الحيز الزمني المخصص لمداخلة المستشار عبد اللطيف أعمو (أقل من 4دقائق) فقد ركزت الملاحظات على التقرير حول نشاط المحاكم المالية برسم سنوات 2016-2017، على محور التربية والتكوين.
وفيما يلي نص المداخلة بالصوت والصورة
مناقشة عرض السيد الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات
حول أعمال المحاكم المالية
الثلاثاء 18 دجنبر 2018
السيد الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات،
السيدات والسادة المستشارون،
لا يسعنا إلا أن نحيي هذا المجهود الجبار الذي يقوم به المجلس الأعلى للحسابات والمجالس الجهوية في فحص المالية العمومية ومراقبتها. وما ترتب عن ذلك من بداية تحول في أسلوب عمل الساهرين على تنفيذ ميزانية الدولة وتدبير المال العمومي وتغيير عقلياتهم والاستشعار بواجب استحضار وازع المسؤولية والمحاسبة وتوخي الترشيد والنجاعة وتحقيق الأهداف والنتائج.
فإنجاز اثنتين وثلاثين (32) مهمة رقابية في ميادين مراقبة تسيير الأجهزة العمومية وتقييم البرامج العمومية ومراقبة استخدام الأموال العمومية، بجانب إصدار غرف المجلس ل 588 قرارا قضائيا فيما يخص مادة التدقيق والبت في الحسابات و 60 قرارا في ميدان التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية، وإحالة أربعة (4) قضايا تتعلق بأفعال قد تستوجب عقوبة جنائية على وزير العدل… ليس بالأمر الهين، ونتمنى أن يساعد ذلك في تسريع وتيرة الإصلاح في مجال تدبير وإنفاق الميزانية والتصرف في المالية العمومية.
وبما أن المدة الزمنية المخصصة لهذه المداخلة لن تسمح بإبداء وجهة نظرنا والوقوف عند كل مضامين التقرير الدقيق والمفصل، برسم سنتي 2016 – 2017، فإننا سنقتصر على إبداء بعض الملاحظات حول ما نعتبره أهم وأكبر قطاع يستدعي المواكبة والتدقيق والتقييم، بجانب إجراءات التقويم، ألا وهو قطاع التربية والتكوين.
من خلال التقرير، يمكن لنا أن نسجل كون المخطط الاستعجالي لوزارة التربية ، عرف عدة اختلالات عميقة وتعثرات لا مبرر لها، إضافة إلى غياب قواعد الحكامة في تنفيذ محتوياته، بالنظر إلى ضخامة الميزانية المخصصة وإلى الطابع الاستراتيجي والأهداف المرسومة بغاية استدراك النواقص ، وتجنيد كل الطاقات لبناء منصة صلبة لإقلاع القطاع، نحو الأهداف الواردة في الميثاق الوطني للتربية والتكوين، واحترام للبرمجة الزمنية المخصصة له.
- فعلى مستوى الموارد المالية، التي تمت تعبئتها لفائدة المخطط، سجل التقرير أن حجم الموارد المعبئة (حوالي 43 مليار درهم) عرفت الالتزام بمبلغ 35.05 مليار درهم منها، وأداء مبلغ 25.15 مليار درهم منها. أي بمعدل أداء قدره 58٪. وتبقى هذه النسبة أدنى من معدل تنفيذ الميزانيات القطاعية المسجلة على مستوى الميزانية العامة للدولة خلال نفس الفترة. مما يفقد المخطط طابعه الاستعجالي. الشئ الذي أفشل مجهود الدولة وشكل هدرا للزمن التنموي وإضعافا لمؤشرات التنمية المستدامة.
- وعلى مستوى التطور المسجل في تعميم التمدرس وتحسين ظروفه ، سجل التقرير التحسن الكمي بارتفاع عدد التلاميذ المسجلين من 666.429 تلميذا خلال سنة 2009 إلى 6.039.641 سنة 2017، مع ارتفاع عدد المؤسسات التعليمية خلال نفس الفترة من 9.397 مؤسسة إلى 10.756، إلا انه لوحظ استمرار تدهور الطاقة الاستيعابية من أصل 1164 مؤسسة المزمع انجازها ضمن أهداف المخطط الاستعجالي، لم يتم إنجاز إلا 286 مؤسسة فقط، أي بمعدل انجاز لا يتجاوز 25٪.
- ونفس البطء عرفه توسيع المؤسسات المؤسسات الموجودة، وذلك ببناء 7052حجرة درس جديدة، بنسبة إنجاز لم تتجاوز 4062 حجرة، أي بمعدل إنجاز في حدود 58٪.
- كما أن المخطط لم يحقق تغطية جميع الجماعات القروية بالاعداديات والداخليات ، كما كان الميثاق الوطني للتربية والتكوين يستهدف، وجعله أحد أولويات المخطط الاستعجالي، ورغم ذلك، فالملاحظ أن هناك تراجعا كبيرا عند الوقوف على ما أنجز فعلا، حيث انتقلت هذه النسبة من 8.52٪ برسم 2008-2009 لتستقر في حدود 5.66٪ برسم 2017/2016.
- نفس التراجع عرفه استغلال المؤسسات التعليمية في وضعية متردية، بالرغم من الوسائل المرصودة لإعادة تأهيل المؤسسات التعليمية. فإلى غاية موسم 2016-2017 استمر النظام التعليمي في استغلال 6437 مؤسسة لا تتوفر على شبكة للصرف الصحي و3192 مؤسسة غير متصلة بشبكة المياه الصالحة للشرب، و 681 مؤسسة غير مربوطة بشبكة الكهرباء، و9365 حجرة في وضعية متردية.
- ناهيك عن التعليم الأولي، الذي نعتبره رهانا أساسيا في المنظومة التربوية ككل، والذي التزم المخطط ضمن أهدافه بتحقيق نسبة توفيره بالمدارس الابتدائية في حدود 80٪ سنة 2012 في أفق تعميمه سنة 2015. إلا أن هذا الهدف بقي بعيد المنال، ففي الموسم الدراسي 2017/2016، 24 ٪ فقط من أصل 7667 مدرسة ابتدائية تتوفر على التعليم الأولي.
- أما على مستوى درجة تحسين ظروف التمدرس والرفع من جودة النظام التعليمي، فعلى الرغم من الميزانية المخصصة، تؤكد العديد من المؤشرات على عدم تحقيق الأهداف المسطرة، ونخص بالذكر منها: تفاقم معدل الاكتضاض بنسب متفاوتة في السلك الابتدائي والإعدادي والتأهيلي إلى درجة تثير القلق ، خصوصا في وضعية السلك الإعدادي.
- ويعتبر التوظيف بالتعاقد لتغطية الخصاص من المدرسين مغامرة حقيقية بمستقبل الأطفال المغاربة، بسبب ضعف مستوى التكوين والتأهيل ، لأن الخصاص في هيئة التدريس لا يسمح بالمجازفة بمستقبل أجيال كاملة. ولا بد من التفكير جديا في إيجاد حلول بديلة ، ولو ذات طابع انتقالي.
- ويجب أن يعالج الخصاص في الموارد البشرية، بجانب تعويض المحالين على التقاعد، بطريقة منطقية ومستعجلة، لأنه بدون الجواب الشافي والمقنع على إشكالية الموارد البشرية وتجويدها وتحسين ظروف عملها، سيكون هناك تعثر مستمر. وتقتضي المعالجة اعتماد عدة مقاربات، من ضمنها تجنيد “الفائض” والتفكير في بدائل ناجعة ، وقد يكون من بينها التفكير في كيفية إشراك الجماعات الترابية في تنزيل منظومة تربوية مندمجة ملائمة وقادرة على تعبئة كل الطاقات البشرية في أفق بناء مجتمع المعرفة.
- أما على صعيد تنفيذ مشاريع القطب البيداغوجي، الذي خصص له المخطط الاستعجالي قرابة 12 مليار درهم لتنفيذ عشرة مشاريع ، فعلاوة على حجم النفقات الهامة التي صرفت، لم يتم إكمال جميع التدابير المرتبطة بمشاريع هذا القطب ويتعلق الأمر بالخصوص بالمناهج الدراسية، وبإرساء نظام فعال للإعلام والتوجيه، وبدعم التمكن من اللغات وبتحسين النظام البيداغوجي. كما تم توقيف مشاريع بعد الشروع في تنفيذها، وذلك بسبب عدم وجود رؤية مندمجة للإصلاح المنشود مما يطرح السؤال حول تجويد المنظومة ككل .
- وفيما يخص قدرة نظامنا التعليمي على احتضان كل التلاميذ، فقد وفر برنامج الدعم الاجتماعي تحسنا في المؤشرات ذات الصلة، فبرسم السنة الدراسية 2017/2016 كانت إنجازات برامج الدعم الاجتماعي على النحو التالي:
- 085.110 مستفيدا من المطاعم المدرسية ؛
- 632 مستفيدًا من السكن والإطعام في الداخليات ؛
- 995 مستفيدا من النقل المدرسي ؛
- 975 مستفيدًا من برنامج تيسير ؛
- 835.833 مستفيدا من اللوازم المدرسية في إطار برنامج مليون محفظة.
ومع ذلك، فإن التحسن الملموس على هذا المستوى لم يترجم على مستوى الانعكاسات الإيجابية في مجال تحسين ظروف التمدرس ولم ينعكس إيجابا على مؤشر الاحتفاظ بالتلاميذ داخل المنظومة. وذلك راجع بدون شك إلى القصور في تدبير البرامج المعدة وسوء التخطيط، مع غياب استراتيجية متكاملة للدعم الاجتماعي الموجه لفائدة التلاميذ المعوزين.
وفي هذا الإطار، يبدو أن الهدر المدرسي، الذي له أسباب متعددة الأبعاد، ما زال يشكل تحديا حقيقيا لنظامنا التربوي، ويؤشر على عدم قدرة منظومة التربية والتكوين على الاحتضان الكافي للأطفال المغاربة.
فرغم أن معدل الهدر سجل انخفاضا مهما ما بين 2008 و 2012، إلا أنه عاد ليسجل ارتفاعا خلال الموسم الدراسي 2017/2016 حيث مس الهدر المدرسي ما يقارب حوالي 280 ألف تلميذ.
وهكذا، فإن المجلس الأعلى للحسابات اعتبر أن المخطط الاستعجالي لم يحقق جميع أهدافه، كما لم يكن له التأثير المرتقب على منظومة التربية، بحكم أن تصميم وحكامة المخطط الاستعجالي لم يأخذا بعين الاعتبار، وبشكل كاف، بعض القواعد الأساسية لإنجاح أي سياسة عمومية.
مما جعل مظاهر الارتجال وعدم التمكن تغلب عليه، سواء على مستوى التشخيص أو على مستوى تقييم المخاطر والتفكير في حلول بديلة منذ البداية، وخصوصا فيما يتعلق بتعدد المتدخلين وقدراتهم والأخذ بعين الاعتبار حجم التدابير المسطرة.
ويدق تقرير المجلس الأعلى للحسابات ناقوس الخطر جراء الوضعية الصعبة التي توجد فيها أحوال نظامنا التعليمي.
وهو ما يضع البرلمان والحكومة أمام مسروليتهما . وما يتطلب ذلك من المبادرة والحرص على اتخاذ كل التدابير لضمان إنجاح الرؤية الاستراتيجة لقطاع التربية الوطنية في أفق 2030 التي صدرت عن المجلس الأعلى للتربية والتكوين، وما يتطلبه من دعم كاف على مستوى التشريع والقرارات الحكومية المواكبة لتنفيذه مع التشديد على المراقبة والتقييم وفقا لأحكام الدستور.
أضف تعليقاً