المنتدى البرلماني الدولي الخامس للعدالة الاجتماعية
نظم مجلس المستشارين بشراكة مع المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي وبتعاون مع مؤسستي وستمنستر للديمقراطية وكونراد أديناور، النسخة الخامسة من المنتدى البرلماني الدولي للعدالة الاجتماعية تحت شعار “توسيع الطبقة الوسطى: قاطرة للتنمية المستدامة والاستقرار الاجتماعي“، وذلك يوم الأربعاء 19 فبراير 2020 بمقر المجلس.
للإطلاع على وثائق المنتدى 5 للعدالة الاجتماعية (انقر أسفله)
ويصادف تنظيم هذا المنتدى السنوي، احتفاء المنتظم الدولي باليوم العالمي للعدالة الاجتماعية، الذي يصادف عشـرين فبراير، وفق ما أقرته الأمم المتحدة اعتبارا من الدورة الثالثة والستين للجمعية العامة سنة 2007.
في سياق النقاش العمومي والمجتمعي التعددي الذي تعرفه بلادنا حول النموذج التنموي الجديد، يعتبر الرهان على الأدوار الحيوية للطبقة الوسطى، عنصراً هاماً لبناء النموذج التنموي في أفق مجتمع يسوده التوازن والاستقرار والعدالة الاجتماعية.
وقد سعى المنتدى إلى المساهمة في تعميق التفكير والنظر في سبل صيانة وتوسيع الطبقة الوسطى، وذلك عبر إسهام عدد من المتدخلين، من فاعلين سياسيين واقتصاديين واجتماعيين ومدنيين، وذلك وفق أربع محاور أساسية تتركز عليها جلسات هذا المنتدى:
الجلسة الأولى: مكانة الطبقة الوسطى في الأجندة المؤسساتية الدولية والوطنية؛
الجلسة الثانية: خصائص ومميزات الطبقة الوسطى؛
الجلسة الثالثة: محددات واعدادات بزوغ طبقة وسطى بالعالم القروي؛
الجلسة الرابعة: تعزيز الطبقة الوسطى كخيار استراتيجي في النموذج التنموي الجديد.
تقديم
إن الاهتمام بالطبقة الوسطى، يقتضي صياغة إستراتيجية تنموية جديدة، تتحدد أولوياتها وبرامجها طبقا لاحتياجات مختلف الفئات الاجتماعية وعلى رأسها الفئات المتوسطة، مع تشجيع النمو المستدام والمدمج وإعادة النظر بشكل شمولي في آليات توزيع الثروة، بما في ذلك الآلية الجبائية والضـريبية والتمويلية ومنظومة الأجور وإقرار التدابير الضـرورية لضمان تكافؤ الفرص والعدل والإنصاف والشفافية وربط المسؤولية بالمحاسبة، بالإضافة إلى التشجيع على المزيد من المشاركة في الحياة السياسية والمدنية وإلى إصلاح المنظومة البنكية بما يضمن من التخفيف من عبء الدين على الطبقة الوسطى وتشجيعها على الادخار والاستثمار.
ويسعى المنتدى البرلماني الدولي في نسخته الخامسة،إلى إثارة انتباه مختلف الفاعلين إلى ضرورة الوعي بأهمية الطبقة الوسطى ودورها في المجتمع بل وتمثل رغباتها وتطلعها، غير أن هذا الوعي يجب ان يقترن بإرادة سياسية قوية تجعل هذه الطبقة في صلب نموذجنا التنموي الجديد، استمرارا لاحتضان مجلس المستشارين للحوار العمومي المؤسساتي وللنقاش المجتمعي التعددي والتشاركي بخصوص القضايا ذات الصلة بإعمال الدستور وضمان التمتع بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية وفق استراتيجية عمل المجلس.
في كلمته الافتتاحية، أكد السيد رئيس مجلس المستشارين على دور الطبقة الوسطى كمحدد لحالة الاستقرار والسلم داخل المجتمعات، وكمحرك اقتصادي مؤثر، معتبرا تطويرها وتوسيع قاعدتها، عاملا مهما في نجاح كل السياسات العمومية والأجندات التنموية.
كما أشار إلى شح الدراسات والأبحاث المنجزة حول تحديد حجم وخصائص الطبقة الوسطى ومكانتها ضمن البنية الديمغرافية للبلد، بالإضافة الى غياب قاعدة بيانات محينة باستمرار. لكنه رغم ذلك أشار إلى تقرير صادر في 2017 للبنك الدولي تحت عنوان “المغرب في أفق 2040، الاستثمار في الرأسمال اللآمادي لتسريع الإقلاع الاقتصادي”، وتطرق لفرضية أن الأسرة المعيشية يمكن أن تلج إلى الطبقة الوسطى عندما تتوفر كمعدل على دخل للفرد الواحد يعادل 10دولارات أمريكية في اليوم الواحد، أي 1.200 دولار أمريكي شهريا لأسرة مكونة من أربعة أفراد. وطبقا لهذه الفرضية، فإن 25 % فقط من ساكنة المغرب تنتمي إلى هذه الطبقة الوسطى؛ وهذه حالة فريدة من نوعها مقارنة بأهمية الطبقة الوسطى في الدول الناشئة (50 % في البرازيل أو تركيا أو في البلدان التي توفقت في إقلاعها الاقتصادي).
لكن تقاطع المعطيات حول عتبة الوصول إلى الطبقة الوسطى في المغرب يشير إلى إثقال كاهل الطبقة الوسطى بتكاليف وأعباء إضافية هامة بالنسبة للأسر المعيشية: غلاء العقار – غلاء كلفة التعليم الخصوصي – ضعف وسائل النقل العمومية ذات الجودة – ضعف جودة المنظومة الصحية العمومية – التغطية الصحية المحدودة ومستويات عالية لمساهمات الأسر المعيشية في الإنفاق على الرعاية الصحية … سببها أساسا مختلف أوجه قصور السياسات العمومية، والتي تسفر في المحصلة، عن انكماش الطبقة الوسطى إلى حدود 15 % فقط من الأسر المعيشية المغربية التي تنمي إلى الطبقة الوسطى أو الميسورة، والتي تعادل حوالي 5 ملايين نسمة من إجمالي ساكنة تناهز 34 مليون نسمة.
وهو ما أكد عليه السيد رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في كلمته، معتبرا أن مفتاح الحفاظ على الطبقة الوسطى يكمن في تجويد الخدمات الاجتماعية وتيسير الولوج إليها، داعيا في ذات الوقت إلى الحسم في تحديد الطبقة الوسطى وخصائصها باعتماد معايير جديدة تتضمن القدرة الشرائية فضلا عن باقي المعايير الأخرى المعتمدة من مثل الدخل والاستهلاك.
وفي سياق تذكيره بآثار حملة المقاطعة، التي شملت منتوجات شركات مغربية في سنة 2018، اعتبر أن هذه الحملة، التي كشفت عن الحاجة إلى إعمال القانون في مجال حماية المستهلك. قد شكلت أكبر تجسيد للمصاعب، التي تواجهها الطبقة الوسطى للحفاظ على قدرتها الشرائية. واستدل بأمثلة توضح معاناة هذه الطبقة من قصور السياسات العمومية الموجهة لها، مبرزا حاجتها إلى سياسة خاصة بها تحديدا.
كما أشار إلى أن هذه الطبقة تعاني من العبء الضريبي غير المتوازن، مقترحا وضع ضريبة على الأسر بدل الفرد، بهدف تقليص العبئ الضريبي على الطبقة الوسطى، باعتبار أن الهدف هو تقوية هذه الطبقة وليس توسيعها.
وضمن الكلمات الافتتاحية، ركزت السيدة ممثلة الأمانة العامة للأمم المتحدة من جهتها على شعار اليوم العالمي المتمثل في تقليص الفوارق لتحقيق العدالة الاجتماعية، معتبرة أن تحقيق العدالة من شأنه خلق مزيد من مناصب الشغل وتحفيز الاقتصاد، لكن، ليس فقط بل لأن العدالة الاجتماعية مسألة حقوق وكرامة، ومن ضمنها ضمان الولوج إلى الخدمات الأساسية الجيدة كمعبر أساسي لتعزيز الانسجام الاجتماعي وبناء مجتمعات أكثر تضامنا وحكامة واستدامة. ومن هذا المنطلق، فهو ينسجم مع شعار هذا اللقاء البرلماني الدولي الذي يتوخى وضع الطبقة الوسطى في قلب الرهان التنموي المستدام.
وأكدت في ذات الوقت على أن نظام العولمة قد ولد مكاسب هامة من قبيل إدماج الاقتصاديات وتطوير التبادلات التجارية والتحفيز على التطور التكنولوجي، لكنه في المقابل ساهم في تهميش كم من هائل من سكان هذا الكوكب وتعريضهم لمختلف الفوارق، معتبرة أن مسالة العدالة الاجتماعية ترتكز أساسا على مبدإ المساواة في الحقوق وإمكانية الولوج إلى الخدمات العمومية والاستفادة من التطور التكنولوجي دون تمييز.
ومن المناسب، من وجهة نظرها، مقارنة التقدم والتطور، ليس فقط من منظور الاستدلال بالمؤشرات الاقتصادية، بل كذلك من منطلق التنمية المستدامة لفائدة السكان والمجموعات البشرية والدول.
ولأجل تفادي وضع أوسع الفئات المجتمعية في الهامش وعدم حرمانها من التطور والتقدم، أشارت إلى التزام المنتظم الدولي بتحقيق أجندة 20-30 من خلال خمس ركائز و17 هدفا، من ضمنها تحقيق الأمن والرفاهية والسلم والتعاون. وهي رغبة أممية في خلق فضاء للنقاش البناء من أجل بناء مجتمعات آمنة.
كما اعتبرت في عرضها لأهم مساهمات برنامج الأمم المتحدة في دعم السياسات العمومية، بأن اتساع الفوارق تحد من إمكانية بروز طبقة وسطى قوية ومتماسكة. ويتعين دعم الطبقة الوسطى لتلعب دورها كاملا كرافعة من رافعات التنمية المستدامة، معتبرة في ذات الوقت أن مطلب العدالة الاجتماعية قوي اليوم، وأن حذف الحواجز أمام تمتع المواطنين بكامل الحقوق ودعم إدماجهم في التنمية، وخصوصا المرأة والمسنين والشباب وذوي الاحتياجات الخاصة مسألة جوهرية.
فيما ركزت المداخلات الأخرى على موقع الطبقة الوسطى، وعلى الفوارق بين الدول في بناء التغيير السياسي في أفق خلق استقرار مجتمعي، ومن عناصره مزيد من الشفافية والعدالة وتأسيس حوار اجتماعي مسؤول.
كما تطرقت لمقارنات دولية لفهم المؤشرات واختيار جدواها وقياس فعاليتها، مع التركيز في باب تعريف الطبقة الوسطى ، على وجود طبقة وسطى أو طبقات وسطى.
كما تناولت مداخلات أخرى رصد مدى انسجام السياسات العمومية وضمان التقائيتها. وهو ما يدخل في صميم مهام البرلمان كمؤسسة تشريعية لمراقبة وتقييم أداء السياسات العمومية.
وجاءت مداخلات العديد من الخبراء لتركز على الوسائل والآليات المتاحة لجعل الطبقة الوسطى تعلب دورها كاملا كصمام أمان، وكيف لها أن تجذب الطبقات الفقيرة والهشة نحو الأعلى؟ حيث ركزت المداخلات أساسا على ميكانيزمات التغطية الصحية الفعالة والضمان الاجتماعي الذي يلعب دور التوازن في المجتمع، ومحددة لمفاهيم وتعريف وركائز القاعدة الوطنية للحماية الاجتماعية.
فيما تناول متدخلون المسارات التي يجب اعتمادها نحو تعزيز الحماية الاجتماعية وتوسيعها وتقوية الحوار الوطني حول النموذج التنموي، مستدلين بالتدابير الأممية المساعدة في الموضوع والهادفة إلى وضع العدالة الاجتماعية في قلب رهانات التنمية (تسهيل الولوج إلى القروض، تعزيز الاقتصاد التضامني والاجتماعي، دعم الجهود المبذولة لتحقيق المناصفة، …)
وفي محاولة لتعريف مفهوم الطبقة الوسطى، تناولت المداخلات مرجعيات الطبقة الوسطى من خلال قراءة سياسية واقتصادية وثقافية تحيل على منظومة القيم السائدة في المجتمع، بجانب تناول إشكالية الطبقة الوسطى أو الطبقات الوسطى عبر معايير إحصائية واجتماعية وتاريخية،
واعتبر ذ. محمد الطوزي، في مداخلته حول خصائص ومميزات الطبقة الوسطى بأن الإشكال قاري، يستدعي في إفريقيا تحديد طبقة وسطى خارجة من الفقر دون أن تصبح غنية، بعيدا عن تعريف الدول المتقدمة حيث الطبقة الوسطى مرتبطة بدينامية التصنيع والعمل المأجور… معتبرا أن التصنيف لا يمكن أن يتوقف على محددات الدخل وحده، بل يتعداها ليأخذ بعين الاعتبار التمثلات الذاتية وعناصر الهشاشة… وغيرها… مطالبا بتوسيع التعريف ليتعدى التعريف الرقمي الإحصائي إلى تحديد خط وسط بزيادة وإضافة تمثلات خارج نطاق المدخول تدرج عناصر الاستهلاك. كما أكد على أن تعريف الطبقة الوسطى يجب أن ينطلق من سياق وطني محدد، وأن وجودها رهين بالطريقة التي تترجم بها السياسات العمومية داخل فضاء أو مجال معين.
وفي ترابط مع مداخلات المحاور الأربعة، ركز جل المتدخلين على الواقع المتحرك للطبقة الوسطى، مذكرين بالعناصر المؤثرة في هشاشة الطبقة الوسطى وتذبذبها، بين طبقة وسطى تميل نحو الفقر وطبقة وسطى ميسورة. وهي مؤشرات تحيل على مدى فعالية وجودة نظام الحماية الاجتماعية وفعالية ميكانيزمات التضامن والتعاضد داخل المجتمع.
خلاصات
رغم الاختلاف في المفاهيم والتعاريف الواردة في مجمل المداخلات، حول مكانة الطبقة الوسطى في الأجندة المؤسساتية الدولية والوطنية؛ وخصائص ومميزات الطبقة الوسطى؛ ومحددات وإعدادات بزوغ طبقة وسطى بالعالم القروي؛ بجانب محور تعزيز الطبقة الوسطى كخيار استراتيجي في النموذج التنموي الجديد.. فالاجماع حاصل بأن لهذه الطبقة أو الطبقات الوسطى دور هام في المجتمع، باعتبارها عنصرا من عناصر ضمان استقراره. وأن الرهانات على الطبقة الوسطى لن تستقيم إلا بسياسات عمومية تتوخى تحقيق العدالة الاجتماعية مع ضرورة سن سياسات استباقية بدل السياسات الاستدراكية المعتمدة حاليا.
كما حصل التوافق على أن السياسات العمومية الموجهة للعالم القروي يجب أن تتعدى المقاربة القطاعية الضيقة إلى نهج سياسة شمولية ومندمجة.
وأن توسيع قاعدة الطبقة الوسطى رهين بدعم قطاع التشغيل وتحسين مؤشرات التربية والتكوين، كعنصر نوعي مؤثر في تحسين أداء المصعد الاجتماعي.
كما أن تحسين مؤشرات التشغيل يقتضي توجيه السياسات العمومية نحو المقاولات الصغرى والصغيرة جدا والمتوسطة، بجانب تعزيز الاقتصاد التضامني. وتظهر أهمية هذا المحور باعتماد التمييز المبني على النوع الاجتماعي، علما بأن إشراك المرأة في مسار التنمية لا يمكن له إلا أن يساهم بشكل إيجابي وقوي في توسيع قاعدة الطبقة أو الطبقات الوسطى.
كما أن المقاربة الحقوقية واردة بقوة، من خلال ضمان الحقوق الأساسية للعمال، وإعمال مفهوم العمل اللآئق ومبدإ العيش الكريم، والذي يدمج ضمن مقاربة الطبقة الوسطى، في ارتباطها بمقومات العدالة الاجتماعية، العديد من المبادئ كعدم التمييز والمساواة والحماية الاجتماعية … وغيرها.
كما تمت الإشارة، ولو بصفة محتشمة للتحديات الاقتصادية والاجتماعية الجديدة المرتبطة برهانات الاقتصاد الأخضر، الذي يحيل بدوره إلى مفهوم العدالة المناخية، والذي يؤمل منه خلق مناصب جديدة وبعث حيوية قوية في الاقتصاد الوطني، بجانب مساهمته في محاربة الفقر والهشاشة.
كما ورد مطلب العدالة الضريبية في العديد من المداخلات كمدخل لتحقيق العدالة الاجتماعية.
التقرير التركيبي
اختتمت أشغال الملتقى الدولي بتلاوة التقرير التركيبي للمنتدى الدولي الخامس للعدالة الاجتماعية حول الطبقة الوسطى.
ونظرا لأهمية اللقاء، وتعميما للفائدة، نورد أسفله بالنص وبالصوت والصورة،
تقريرا تركيبيا لأشغال الملتقى الدولي الخامس حول العدالة الاجتماعية.
هذا وتجدر الإشارة إلى أن مجلس المستشارين، سبق له أن نظم أربع نسخ من المنتدى البرلماني الدولي للعدالة الاجتماعية الذي أصبح تقليدا سنويا.
للإطلاع على النسخ السابقة في محفظة منتدى العدالة الاجتماعية
(انقر هنا)
أضف تعليقاً