رهانات صحية لما بعد جائحة كورونا
شارك المستشار عبد اللطيف أعمو في اجتماع لجنة التعليم والشؤون الثقافية والاجتماعية المنظم عن بعد لمناقشة “وضعية الحالة الوبائية والإجراءات الصحية لما بعد رفع الحجر الصحي”.
وفيما يلي تدخل المستشار عبد اللطيف أعمو، عن بعد خلال الاجتماع :
ولمتابعة اطوار اجتماع لجنة التعليم والشؤون الثقافية والاجتماعية
لمناقشة موضوع “وضعية الحالة الوبائية والإجراأت الصحية لما بعد رفع الحجر الصحي” نحيلكم على الرابط التالي:
https://www.facebook.com/chambredesconseillers.officiel/videos/3324671010927325/?t=4
وتعميما للفائدة نورد أدناه أهم محاور المداخلة المعدة في الموضوع،
باسم مستشاري حزب التقدم والاشتراكية بمجلس المستشارين،
تحت عنوان: “رهانات صحية لما بعد جائحة كورونا“.
رهانات صحية لما بعد جائحة كورونا
عبد اللطيف أعمو
07 يوليوز 2020
مع جائحة كوفيد19 ، تواجه دول العالم أزمة صحية عالمية غير مسبوقة. وقد أحيت هذه الأزمة الصحية وأذكت بقوة وبإلحاح كبير الجدل حول محورية المنظومة الصحية وتجلياتها داخل مؤسسات الدولة، وأظهرت أهميتها ووظائفها الإستراتيجية، باعتبارها الضامنة لحياة الإنسان، والمساهمة في صون صحته وحمايتها والعناية بالصحة العمومية، ليس فقط كحق، ولكن كضرورة فوق كل الضروريات.
وجاءت جائحة كورونا لتذكرنا بالحاجة الملحة لإصلاح جذري للقطاع الصحي، لجعله أكثر فعالية ومردودية. كما أثارت الجدل حول مفهوم المرافق الاجتماعية وجدوى السياسة الاجتماعية للدولة .
كما جعلتنا جائحة كورونا ندرك حقيقة أن القطاع الصحي العمومي يتوفر على إمكانيات بشرية، رغم قلتها، ولكنها أمام نداء الوطن والمخاطر المحدقة والغير المتوقعة، أبلت البلاء الحسن، وبرهنت عن كفاءتها وقدرتها على مواجهة الصعاب طيلة مدة أربعة أشهر من مواجهة الجائحة وعشرات المئات من المصابين في ظروف أقل ما يقال عنها أنها تتسم بضعف الإمكانيات وقلة الموارد.
ولا يسعنا إلا أن نقف مرة أخرى لتحية كل أطر وزارة الصحة بمختلف درجاتهم، والقوات العمومية المعبئة والمنخرطة بقوة في دعم المنظومة الصحية ومؤازرتها، بهدف الحد من انتشار الوباء.
فإذا كان هناك من قطاع أساسي تحمل العبء الثقيل خلال وباء كوفيد 19 (Covid-19) عبر العالم منذ نهاية الخريف الماضي إلى بداية صيف 2020، فهو بالتأكيد قطاع الصحة.
والمنظومة الصحية في بلادنا – والتي تعرضت لانتقاد قوي منذ عقود، وذلك بسبب ضعفها وافتقارها إلى الكفاءات وابتعادها عن الحكامة الجيدة – ليست بمعزل عن هذا التوجه الدولي.
وقد ركزت السلطات العمومية بشكل خاص، طوال الأشهر الأربعة الماضية – عندما كانت تتصارع مع فيروس كورونا – على أهمية تطوير هذا النظام. وقد صرح وزير الصحة مؤخرا أمام البرلمان بـــــأن ” النظام الصحي في المغرب بعد جائحة كورونا لن يكون حتما على ما هو عليه قبل هذا الوباء .
وفي هذا الأفق، أريد أن أتقاسم معكم بعض الأفكار حول أفق ما بعد جائحة كورونا.
1- إقرار أداة قوية
نقصد بهاته الأداة “المستشفى العمومي” Hopital Public الذي يجب أن يكون محور كل السياسات العمومية في مجال الصحة ، وقطب كل إصلاح في المنظومة الصحية للبلاد.
فبعد أن ثبت بأن الدولة كقطاع عمومي هي ملجأ الأمة برمتها، كلما تعلق الأمر بصحة المواطن، حماية ووقاية وعلاجا، فلم يعد هناك مجال للتردد لـلرفع من مكانة المستشفى العمومي وتوسيع مجاله ليغطي كل تراب المملكة، تجهيزا وأطرا، وجعله من أولى الأولويات وأكثرها عمقا وتأثيرا على حياة المواطنين.
ويكفي هذا لسد الباب على كل من ينادي بخوصصة القطاع الصحي وادعاء أنها الوصفة السحرية القادرة على إذابة مشاكل القطاع وتطويقها، وتمكين المواطنين من حقهم في العلاج والوقاية.
فجائحة كوفيد 19 جاءت لتصحيح المسار وإيلاء الصحة العمومية المكانة اللآئقة بها، وعدم التعامل معها بمنطق حسابات الربح والخسارة، بل بمنظور أعمق يجيب على معادلة صعبة مفادها أنه إذا كانت الصحة مكلفة، فإن كلفة المرض أكبر. ومن ثمة فإن أكبر استثمار نافع ومجدي هو في الصحة العمومية بجانب المدرسة العمومية.
ولقد اعتاد المغاربة متابعة خطط الإصلاح تمر الواحدة تلو الأخرى. وآخرها خطة 19 أبريل 2018 والتي تهدف بحلول سنة 2025 إلى تنظيم وتطوير الخدمات الصحية، وتعزيز البرامج الوطنية وبرامج مكافحة الأمراض وتحسين الحكامة القطاعية والاستفادة المثلى من الموارد وحسن استخدامها وتوظيفها.
والأكيد أنه مع بداية الأزمة الصحية من يوم 2 مارس 2020، تاريخ تسجيل أول حالة كوفيد 19 بالدار البيضاء، وجدت المنظومة الصحية نفسها غير مهيئة وغير مستعدة لمواجهة الجائحة.
وهذا ما دفع المغاربة، لتحمل حجر صحي صارم وقاسي لأزيد من ثلاثة أشهر (ما بين 20 مارس إلى 24 يونيو ) لأن الوضع كان يقتضي أساسا، عدم تجاوز عتبة معينة من حيث معدل الإصابات، وعدم تعريض المنظومة الصحية المتهالكة أصلا لضغط كبير، قد يفوق قدرات المستشفيات ( التي كانت تعاني من خصاص – 65٪ من الأسرة)، سواء تلك التي تم دمجها في إطار خدمات الإنعاش أو تلك المخصصة للمرضى الذين يحتاجون فقط إلى متابعة يومية بسيطة، وفقًا لما كشفه السيد وزير الصحة أمام قبة البرلمان.
2- توفير الإمكانيات لمواجهة التحديات الصحية
لقد أعلنت الحكومة في 27 مارس 2020 بأنها سحبت من الصندوق الخاص بتدبير جائحة كورونا ( Covid-19 ) ما يلزم لاقتناء 1000 سرير إنعاش، بالإضافة إلى شراء 550 جهاز تنفس وأجهزة أشعة وتصوير. كما تم بأمر ملكي، تعبئة الطب العسكري، ابتداء من تاريخ 23 مارس 2020، وهو الذي يتولى بالمناسبة تدبير البنيتين الاستشفائيتين اللتين تم إحداثهما بتاريخ 13 يونيو بكل من مدن بن سليمان وبن كرير لاستقبال الحالات النشطة لكوفيد 19 وطنيا.
ولكن عندما سينتهي هذا الوباء، سيتعين على المنظومة الصحية الوطنية الاعتماد مرة أخرى على مواردها الذاتية. وهي موارد تبقى محدودة وهزيلة، على الرغم من أن نفقات نظامنا الصحي عرفت ارتفاعا مطردا على مدى السنوات العشرين الماضية، وارتفعت ميزانية الصحة سنة 2020 لتصل إلى مستوى 19 مليار درهم بزيادة قدرها 14.5 % مقارنة مع 2019، مع انتقال المنظومة الصحية المغربية من حوالي 500 سرير للإنعاش قبل الجائحة، إلى حوالي 3 آلاف سرير متوفر حاليا.
إلا أنها مقارنة مع أقرب جيراننا المغاربيين، تبقى متدنية مقارنة مع الناتج المحلي الإجمالي، حيث ينفق المغرب 5.25٪ من ناتجه المحلي الإجمالي، في حين أن هذا المعدل يصل على التوالي إلى 7.23٪ و 6.37٪ و 6.05٪ في كل من تونس والجزائر و ليبيا.
وقد سبق للمجلس الأعلى للحسابات أن طالب بإصلاح المنظومة الصحية في تقاريره العديدة. وآخر وثيقة صدرت في الموضوع في 11 شتنبر 2020 دعت إدارة الصحة إلى “تخصيص موارد بشرية كافية بالموازاة مع إنشاء مستشفيات جامعية ومستشفيات جديدة”، “وتفعيل استخدام دليل للمشتريات، قصد إضفاء الشفافية عليها، والمضي قدما في تنويع الموردين وفتح باب المنافسة، مع إيلاء اهتمام خاص للدراسات الأولية ولتوقع الحاجيات القطاعية ” كما طالب التقرير بإنشاء قاعدة بيانات تتعلق بالموردين والأسعار والمنتجات من أجل التحكم في أسعار السلع والمشتريات .
وهذا ما يجعلنا نؤكد على ضرورة وضع نظام للحكامة يؤمن توفير الإمكانيات المادية والبشرية لتقوية المستشفى العمومي وجعله قاطرة فعالة ومؤثرة ومنظمة وموجهة لكل سياسة عمومية في مجال الصحة.
3- العدالة الترابية، مطلب مشروع للمواطن
لا حاجة هنا لأرقام مستفيضة ولمعطيات دقيقة تهم الخريطة الصحية وتوزيع الموارد البشرية واللوجيستية لتبيان الهوة الصحية والفرق الشاسع بين جهات المملكة، وتمركز المؤسسات والأطر الصحية في جهات محورية دون أخرى.
فلكي يكون لما بعد كوفيد 19 طـعم مغاير لما قبله، فمن التوصيات الحيوية بالنسبة للأداء السليم للمنظومة الصحية الوطنية، توجيه الانتقاد الكبير للنظام الصحي الوطني، بغض النظر عن ضعف المردودية وقلة الفعالية والموارد، والمرتبط أساسا بــــالعدالة الترابية.
فكما نعلم، فتوزيع غالبية الأطباء اليوم متمركز بين الرباط والدار البيضاء والجديدة والقنيطرة، في حين تفتقد باقي مدن وقرى المملكة لهياكل صحية يتوفر فيها الحد الأدنى من التجهيزات ومن الموارد البشرية اللآزمة، وخاصة الأطباء الأخصائيين. فعلى سبيل المثال، لا نجد سوى قرابة 140 طبيبا، في القطاعين العام والخاص، بجهة العيون – الساقية الحمراء، فيما يفوق تمركز الأطباء بالدار البيضاء الكبرى هذا العدد بحوالي 30 مرة (أي 4.060 طبيب تحديدا).
هذا، ويكتشف المغاربة بحدة هذا الاختلال في التوازن غداة أزمة كورونا، بحكم أن الهياكل الصحية المتوفرة كانت عاجزة في غالب الأحيان عن توفير بعض الخدمات الصحية لسبب أو لآخر، مما يضطر المواطنين إلى التنقل ما بين 100 و 300 كلم للوصول إلى أقرب مؤسسة صحية قادرة على توفير العلاج الضروري والملائم.
هذا، مع العلم أن المغرب يعاني عموما من خصاص في الموارد البشرية: 1.51 إطار صحي لكل 1000 نسمة ، فيما توصي منظمة الصحة العالمية بشكل عام بمستوى متوسط في حدود 4.45.
4- تكوين الأطر والبحث العلمي وإشكالية الهجرة
في ظل ما يعيشه العالم اليوم بأسره ارتباطا بالجائحة الوبائية لفيروس كورونا المستجد، وما يفرضه الأمر من أسئلة، تهمّ الصحة والسلامة وشروط الوقاية، بالنسبة لمهنيي الصحة، يظل التمريض خط الدفاع الأول للتعامل مع المرضى، لأنه يستحيل تقديم خدمة صحية جيدة وشاملة بدون خدمات تمريضية في المستوى المطلوب من الكفاءة والتعبئة. واعترافا بالدور الحيوي لمهنة التمريض، اختارت منظمة الصحة العالمية سنة 2020 كسنة للممرضات والقابلات.
ومن هذا المنطلق، يتعين دعم تكوين جهاز التمريض ومده بسبل التدريب والتعليم والتكوين المستمر واكتساب المهارات المهنية في زمن الأزمات، مع تحسين ظروف عملهم وأوضاعهم المهنية.
والمغرب يعاني من خصاص مهول في الأطر الطبية والأطر التمريضية وتقنيي الصحة بكل تخصصاتها، مما يصنّفه ضمن خانة 70 دولة الأكثر خصاصا في العالم. وهو ما يفرض إعادة النظر في التكوين الطبي والتمريضي وتجويده، مع الاهتمام بتوفير وسائل الوقاية والحماية الشخصية والجماعية في تكوين الأطر الصحية، إضافة إلى ضمان المناصب المالية القارة والدائمة لاستيعاب الخريجين الجدد والعاطلين والاهتمام بالتكوين المستمر لهيئة التدريس، وتوفير وسائل العمل واللوجيستيك وضمان المواكبة على مستوى التكوين المستمر وعلى مستوى الوسائل اللوجيستيكية، المتاحة للأساتذة والطلبة، كما ونوعا وتحسين كل ما يمس جوهر جودة التكوين.
كما أن فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19)، بجانب تأثيره المباشر على صحة المواطن، فقد كان تأثيره ملموسا كذلك على مستوى المنشآت والتجهيزات الصحية، من أجهزة تنفس صناعي ومن مستلزمات طبية ووقائية… وأن التجارب الوطنية والرائدة والناجحة في هذا المجال، ستحفزنا مستقبلا على تشجيع الابتكار والتركيز على البحث العلمي، لابتكار أجهزة ذات كلفة منخفضة وجودة عالية، وتشجيع إنتاج اللقاحات والأمصال والمستلزمات الطبية.. وغيرها.
مع العلم أن المعاهد العليا للمهن التمريضية وتقنيات الصحة، ومعاهد التكوين المهني في الميدان الصحي وكليات الطب هي المشتل الأساسي للأطر الصحية، وأن التحفيز يخلق الكفاءة ويشجع على روح المبادرة.
وروح المبادرة والخلق والإبداع لن تنتعش في ظل غياب ثقافة بحثية حقيقية، وعلى الجامعات أن تتوقف عن اجترار المعرفة والاكتفاء بنقل المعرفة “المستعملة”. فهذا “الاستهلاك المعرفي” للإنتاجات العلمية يؤثر سلبًا على جودة التدريس، ويساهم في تكوين طلبة يفتقدون في غالب الأحيان للحس النقدي العلمي المتمثل في فحص المعلومة والنظر في مصادرها وتقويم مدى أصالتها.
كما يتعين اعتماد نظام وظيفة عمومية صحية تعزّز فيه المكتسبات وتراعى فيه العدالة والإنصاف في التعويض عن الأخطار المهنية، ومراجعة نظام الترقية، ورفع الحيف الذي طال منذ زمن طويل الأطر الصحية.
ويظل نزيف هجرة الأطر الطبية مستمرا، رغم تزايد حاجيات البلاد إلى أطباء وجراحين وممرضين وكل أنواع المهن الطبية. مما يتطلب الكشف عن الأسباب والبحث عن وسائل معالجتها وتدبيرها بشكل يؤمن للمغرب الاستفادة من تكوين أطره الصحية.
فالأرقام تتحدث اليوم عن أن هناك أكثر من سبعة آلاف طبيب مغربي مسجل بهيئات مختلفة بفرنسا وحدها، ويمارسون باستمرار في القطاع العمومي والخصوصي. ولا شك أن الأسباب لا تعود إلى الجانب المادي وحده، بل هناك أسباب أخرى لا بد من الكشف عنها واعتبارها في مخطط إعداد ما بعد الجائحة.
5 – الوقاية خير من العلاج
إن الإدارة الفعالة لموارد المنظومة الصحية، رغم علاتها وقصورها ومحدودية قدراتها، لن تستوي إلا إذا تم تجاوز المنظور القطاعي الضيق وربط الصحة العمومية بمفاهيم جودة الحياة والتغذية السليمة وحماية البيئة والتحفيز على الممارسة الرياضية مدى الحياة .. وهذا استثمار أساسي في المستقبل. مما يضفي على السياسة الصحية طابعا عرضانيا نكاد نجده في كل القطاعات (الفلاحة – البيئة – الإسكان – النقل – الرياضة – التعليم -…)
وفي انتظار ما ستؤول إليه الأبحاث العلمية حول اكتشاف اللقاح، فإن الأمر يتطلب تكثيف المجهودات الوقائية المختلفة، عبر تكثيف حملات التحسيس والتوعية وتعبئة كل وسائل الإعلام العمومي المرئي والمسموع وتكثيف النقاش والحوار بمشاركة كل الفاعلين من منظمات مدنية وهيئات حكومية وغير حكومية، عبر سياسات إرادية والتقائية تمكن من حملة وطنية للتربية على الذوق الغذائي والوقاية الصحية.
وفي هذا الإطار، يتعين تفعيل قواعد ومبادئ المسؤولية الجماعية حتى لا يبقى المواطن يتحمل لوحده وزر غياب سياسة عمومية وقائية، ويبعد مسؤولية منتجي البؤر الملوثة في القطاع الصناعي والفلاحي والخدمات. مما يهدد باستمرار الجائحة وعودتها في موجة ثانية.
6- رفع التخوفات المشروعة تجاه الاستثمار الخاص
إذا كان القطاع الخاص شريكا أساسيا للقطاع العام في مجال الصحة العمومية، فإنه لا يمكن المراهنة عليه ليحل محل الدولة . وهو ما ظهر بقوة خلال مدة مواجهة فيروس كورونا (كوفيد 19)، وفي نفس الوقت، لا يمكن الاستغناء عنه. لذلك، لا بد من وضع جسور للتكامل والتشارك والتناغم وخلق توازن في إطار يجعل الدولة صاحبة المبادرة، ومركز التوجيه والتأهيل.
لقد أشار السيد وزير الصحة غير ما مرة إلى تسريع العمل بالشراكات بين القطاعين العام والخاص (PPP) والذي يرى فيه وسيلة ستساعد على تحقيق “ترشيد الموارد البشرية والمادية [و] تجميع الموارد “، حسب ما صرح به في ندوة عبر الإنترنت تم نشرها في 21 يونيو من قبل الجمعية الوطنية للعيادات الخاصة (ANCP).
وفي هذا الاتجاه، ينبغي الإشارة إلى فتح رأسمال العيادات الخاصة، بموجب القانون رقم 131-13 المتعلق بممارسة الطب، والذي سمح على وجه الخصوص لفاعلين وطنيين بالمساهمة في رأسمال عدة عيادات في الدار البيضاء، بالإضافة إلى عيادتين في مراكش وطنجة، بجانب مساهمات دولية محدودة.
ومع ذلك، فما زال التخوف قائما من أن يؤدي هذا الانفتاح، وخاصة فكرة الاستفادة من هذا الاستثمار عمومي/ خصوصي، إلى خوصصة النظام الصحي في آخر المطاف، وانسحاب الدولة من رعاية القطاع.
ويرى مراقبون أن الحديث عن نجاح الشراكة بين القطاع الـــــعام والــخاص (PPP) في المجال الصحي، يسبقه حتما التوفر على قطاع عام قوي كما ونوعا، يضمن أسس وركائز الصحة العامة على الصعيد الوطني، مع ضمان توزيع ترابي عادل للخدمات الصحية ذات الجودة.
7- تدابير حماية المنظومة الصحية (المسؤولية الاجتماعية)
يجب ألا تنجر منظومتنا الصحية بسبب انتشار وباء كورونا، وانشغال الأطقم الطبية والباحثين به، إلى تأجيل أو وقف البروتوكولات العلاجية المختلفة المتعلقة بالأمراض الأخرى، والتي تعج بها المستشفيات العمومية. وأن يؤثر ذلك على أداء المستشفيات في العلاج والوقاية أو خلق الارتباك في تتبع المرضى.
كما أن التدبير الرشيد للأزمة يستدعي الانتباه إلى نتائج الاندفاعات والسرعة وعدم تقدير المخاطر، خصوصا عندما يتعلق الأمر بالمرضى المصابين بأمراض مزمنة ومن ذوي الهشاشة.
كما أن توابع الأزمة يقتضي الانتباه إلى متطلبات إدارة النفايات الطبية، بجانب جمع وفصل الأقنعة المستعملة من طرف المواطنين والتخلص منها بشكل سليم.
ونحن ندرك جيدا أن ربط العلاج بالوقاية وشمولية التدبير في ظرف الأزمات، يتطلب مجهودات إضافية وميزانيات باهضة. مما يتطلب تسلح صانعي القرار بالجرأة والشجاعة وبالمبادرة والإبداع والثقة في اتخاذ إجراءات قوية وحاسمة ومصيرية، سواء تعلق الأمر مستقبلا بمنع انتشار الأوبئة الجديدة، والتي تبرهن جائحة كورونا Covid-19، أنه بسبب التشابك والروابط الاقتصادية والتجارية العديدة الموجودة حاليًا بين مختلف دول العالم، والتي تتقوى يوما عن يوم، لن يكون مجديا الإنطواء على النفس والانكماش على الذات، بل تتطلب مواجهة جادة وتقوية الأنظمة الصحية لتكون قادرة على مواجهة التحديات، لتمكين البلاد من الاستفادة من نظام صحي جيد، سهل الولوج وميسر للجميع بدون تمييز اجتماعي أو مجالي.
8- تطوير المنظومة القانونية
نترك جانبا كل ما يتعلق بالفراغ التشريعي للمنظومة الصحية التي ما زالت تشكو من عدة نقائص في العديد من المجالات، وخاصة الإطار القانوني الضامن لحقوق المريض ولجودة العلاج وقواعد المسؤولية الطبية، لكون مجال هذه المداخلة منحصرا في ظروف جائحة كورونا. وستأتي فرصة للرجوع إلى هذا الموضوع في مناسبة أخرى. وأن ما تقتضيه الظرفية حاليا، وبصفة مستعجلة هو فرض التدابير الحمائية على القطاع المنتج (الصناعي العصري أو التقليدي والفلاحي).
9- فرض التدابير الحمائية على القطاع المنتج
إن ظهور عدد من البؤر المرتبطة بالجائحة الوبائية لفيروس كورونا المستجد في وحدات صناعية وتجارية، شيء مقلق، ويعيد إلى السطح النقاش حول أهمية وحضور طب الشغل، سواء تعلق الأمر بالقطاع العام، أي على صعيد المستشفيات والمؤسسات الصحية المختلفة، أو في القطاع الخاص بالمقاولات الصناعية والتجارية وغيرها.
فلطب الشغل أدوار متعددة في متابعة الأوضاع الصحية للمستخدمين، وإعداد التقارير والمخططات التي تحول دون تسجيل حالات لانتشار العدوى في وبائيات كالتي تعرفها بلادنا، والأمراض المهنية والحوادث بشكل عام، كما أن له ودور في حماية مهنيي الصحة بالمستشفيات العمومية والمراكز الصحية المختلفة من الأمراض المهنية، ومتابعتهم طبيا.
ويتعين تحسين ظروف عمل أطباء الشغل، وتوسيع التكوين الطبي في هذا الاختصاص مع تحسين شروط الاشتغال في المستشفيات العمومية ومعالجة الاختلالات البنيوية التي تعانيها المتعلقة بندرة الموارد البشرية، وقلة التجهيزات الطبية، وضعف ميزانية القطاع .
10- جعل الصحة قاطرة تنموية
لقد تعاملت الدولة طيلة عقود مع قطاع الصحة، مثله مثل قطاع التربية والتكوين، على أنه عبء ثقيل يتعين حمله، لاعتبارات سياسية واجتماعية، مع الحرص على التقليص منه قدر المستطاع.
ويتعين اليوم التفكير في قطاع الصحة من منظور الفرصة التنموية الهائلة، بحكم فرص الاستثمار القائمة، والطاقات الهائلة، التي يمكن استغلالها لبناء اقتصاد جديد قائم على إنتاج وتصدير الخدمات الصحية والمنتوجات الطبية والصيدلية.
فمن جهة، لا يمكن إنكار توفر بلادنا على مؤسسات جامعية وعلى معاهد عليا للمهن التمريضية وتقنيات الصحة، وعلى معاهد للتكوين المهني في الميدان الصحي، من مهامها النبيلة والوطنية المتعددة، تكوين الأطر الصحية الكفؤة والكفيلة بالتصدي لكل خطر يمس الأمن الصحي للمواطنات والمواطنين . ويجري استقطابهم للعمل خارج الوطن باستمرار، حيث كشف تقرير صادر عن منظمة العمل الدولية تحت عنوان “هجرة الكفاءات من الدول المغاربية نحو أوروبا” أن هجرة الأطر العليا في ارتفاع مستمر في السنوات الأخيرة، وشمل الأطر الطبية، موضحا أن 45 % من الأطر العليا قررت الانتقال صوب أوروبا، ليحتل المغرب بذلك المرتبة الثالثة عالميا بالنسبة لهجرة الأدمغة.
وهذه المؤسسات التكوينية يمكن تحويلها، إذا ما توفرت الإرادة السياسية، إلى أقطاب قارية لدراسة الطب والتكوين في مختلف التخصصات الصحية، تمكن الطلبة المغاربة والأفارقة والعرب … وغيرهم من التكوين الأكاديمي في اختصاصات واعدة وذات قدرة تشغيلية عالية. وهو ما يستدعي وضع برنامج وطني طموح في هذا المجال.
من جهة ثانية، فإن تطور السياحة الاستشفائية … وغيرها، قد يدفع المغرب إلى وضع برنامج وطني طموح يتعدى التجارب والمبادرات الفردية المعزولة لمؤسسات القطاع الخاص على شكل منتجعات صحية إلى منظومة صحية متكاملة، تستهدف تطوير الشراكة بين القطاعين العام والخاص، بهدف تقديم خدمات قائمة على الجودة والتنافسية، مع الحرص على توفير الخدمات والتسهيلات القانونية والمالية، وتجويد خدمات الصحة العمومية.
من جهة ثالثة، تلعب الصناعة الصيدلية دورا اقتصاديا واجتماعيا مهما في المغرب، وتوفر أكثر من 40 ألف منصب شغل بشكل مباشر أو غير مباشر. كما تحتل الصناعة الصيدلية المغربية مكانة مهمة في القارة الإفريقية من حيث الحجم ورقم المعاملات. وانتقل عدد المؤسسات المصنعة من 8 مؤسسات سنة 1965 إلى 40 مؤسسة سنة 2012.
ويمكن الاستفادة من رصيد هذه النواة الوطنية، بحكم القدرة التنافسية الهائلة للقطاع، جودة وكلفة، بجانب قربها من الأسواق الواعدة قاريا وعربيا، حيث ارتفع معدل الإنفاق والطلب على الأدوية والتلاقيح والأمصال والمستلزمات الطبية والشبه الطبية، وأعيد النظر في عدد من سياسات الدول. وهي فرصة للمغرب للتموقع في هذا السوق، والمنافسة فيه.
للإطلاع على نص المداخلة بصيغة PDF
“رهانات صحية لما بعد جائحة كورونا“
أضف تعليقاً