الحاجة إلى تقييم مرحلي لورش الجهوية المتقدمة وإلى التفكير بشكل عميق في مهام الدولة على المستوى الترابي
يعقد مجلس جهة سوس ماسة دورته العادية لشهر يوليوز، وذلك يوم الاثنين فاتح يوليوز 2024 على الساعة التاسعة والنصف صباحا بالقاعة الكبرى للاجتماعات بمقر عمالة أكادير اداوتنان.
وتكتسي هذه الدورة أهمية بالغة، حيث يتضمن جدول أعمالها 50 نقطة تتعلق خمس منها بالميزانية والشؤون المالية والبرمجة، 14 نقطة بإعداد التراب لانجاز مشاريع التزويد بالماء الصالح للشرب وتأهيل بعض الجماعات بالجهة، فيما تهم 11 نقطة التنمية الاقتصادية ، وكذا 11 نقطة مجال التنمية الاجتماعية، أربع نقاط التنمية البيئية لانجاز مشاريع التطهير السائل والحماية من الفيضانات وخمس نقاط تخص مجال التنمية الثقافية.
وبالمناسبة أعدت مجموعة التقدم والاشتراكية بمجلس جهة سوس ماسة (عبد اللطيف أعمو – محمد لعوينة – العربي كانسي) مداخلة في الموضوع، تحت عنوان : “الحاجة إلى تقييم مرحلي لورش الجهوية المتقدمة وإلى التفكير بشكل عميق في مهام الدولة على المستوى الترابي “ هذا نصها الكامل:
لتحميل نص المداخلة، انقر قوف صورة الغلاف أعلاه
السيد الرئيس،
يتضمن جدول أعمال الدورة العادية لمجلس جهة سوس ماسة لشهر يوليوز 2024 خمسين (50) نقطة موزعة على مجموعة من القطاعات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية… مما يعطي انطباعا قويا عن أهمية هذه الدورة، وعن اهتمام المجلس بجميع مكوناته بمختلف القضايا التنموية الأساسية، آخذا بعين الاعتبار ما تفرضه الظرفية الخاصة التي تعيشها البلاد، بما يتطلب ذلك من مضاعفة جهد الجهة، بجانب ما تقوم به الدولة في مجال الإصلاحات الاستراتيجية، في مطلب من الحكومة بتسريع وتيرة تنفيذ السياسات العمومية، وما يتطلب ذلك من تجاوز العراقيل والعقبات، والتي ما زالت قائمة بخصوص مجال تنفيذ مخطط التنمية الجهوية (تعقيدات اللآتمركز– ضعف الالتقائية والتنسيق– تداخل الاختصاصات- البطء في إعداد وثائق التنفيذ– ثقل المراقبة –الحيطة والحذر والارتياب والشك في قدرات الجهات، …)
فتأكيدا على أهمية الماء الإستراتيجية في مسار التنمية الاقتصادية والاجتماعية لجهتنا، برمج المجلس دراسة مجموعة من اتفاقيات شراكة بشأن تزويد عدة مراكز آهلة بالسكان، خصوصا بالوسط القروي بالجهة بالماء الشروب، إضافة إلى الدراسة والتصويت على مشاريع اتفاقيات شراكة لإنجاز مشاريع الحماية من الفيضانات في عدد من الجماعات المحلية.
كما اهتم المجلس بقطاع تربية الأحياء المائية البحرية بالجهة، بجانب تنمية قطاع الصيد التقليدي والأنشطة الساحلية المتعلقة بتجميع الصدفيات وطحالب البحر، حيث سيتداول مجلس الجهة في دراسة مجموعة من مشاريع اتفاقيات الشراكة في هذا القطاع، وذلك بهدف وضع برنامج لدعم الاستثمار في قطاع تربية الأحياء المائية البحرية في جهتنا.
هذا، بجانب برمجة مشاريع اتفاقيات شراكة تهم التأهيل الحضري وتأهيل مراكز ودواوير الجماعات القروية وتعزيز البنيات التحتية بعدد من الجماعات الترابية بالجهة (12 نقطة).
إضافة إلى المصادقة على اتفاقيات تهم التثمين الثقافي والسياحي والرياضي بالجهة، وضمنها تفعيل مخطط العمل الجهوي ووضع مشاريع خارطة الطريق السياحية للجهة في أفق 2026، بجانب دعم تنظيم العديد من التظاهرات ذات الطابع الاقتصادي والثقافي والرياضي. كما اهتمت الجهة بمجال التكوين وإدماج الشباب في مجال الرقمنة والذكاء الاصطناعي.
السيد الرئيس،
تأتي هذه الدورة على بعد قرابة شهر من انعقاد اجتماع اللجنة الاستراتيجية لتقييم حصيلة الجهوية المتقدمة بتاريخ 07 يونيو 2024 وصدور رأي المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في موضوع: “من أجل تنمية منسجمة ودامجة للمجالات الترابية: مداخل التغيير الأساسية” في أكتوبر 2023 وإثر صدور التقرير الموضوعاتي حول تفعيل الجهوية المتقدمة للمجلس الأعلى للحسابات في نونبر 2023 وبعد نشر توصيات المنتدى الوطني الأول للوكالات الجهوية لتنفيذ المشاريع في مارس 2019.
وكلها وثائق ذات طبيعة مرجعية انصبت حول تقييم العشرية الأولى من انطلاق مشروع بناء الجهوية المتقدمة، كما تصوره دستور المملكة لسنة 2011 والقانون التنظيمي رقم 111.14، ليثير انتباهنا كفاعلين منتخبين، يبقى على عاتقنا واجب إنجاح هذه التجربة، بتعاون وبتنسيق مع الدولة وكافة الفاعلين الترابيين الآخرين.
مما يزيد من أهمية هذه الدورة، باعتبارها فرصة للوقوف وقفة تأمل ورصد للدينامية الجهوية، وإلى أين تسير؟ خصوصا، وأننا في منتصف الولاية الانتخابية (2021 –2027) التي من المفروض أن تعرف إنجازات محققة، تنفيذا لمخططات التنمية الجهوية… ؟
ويحق لنا أن نتساءل اليوم، ما الذي تحقق من تنزيل هذا الورش الوطني الهام والطموح، ونحن حاليا على بعد سنة من حصيلة 10سنوات من التنزيل الفعلي للجهوية المتقدمة، التي تتبوأ الصدارة في بناء الهيكل الجهوي، كمؤسسة دستورية تمارس الصلاحيات التنظيمية والسياسية في مجالها الترابي. مما يجعل ورش تتبع وتقييم تنزيل الجهوية المتقدمة ذا أهمية قصوى لتكون دائما في صدارة اهتماماتنا كمنتخبين.
ونحن على بعد قرابة عقد من الزمن من بداية أجرأة الجهوية المتقدمة، يمكن القول أننا عمليا أمام وضع، تقدمنا فيه إلى حد ما في تنزيل الإطار القانوني. بالحديث رسميا في تقارير اللجنة الاستراتيجية لتقييم حصيلة الجهوية المتقدمة عن تحديد ثلاث مراحل:
- المرحلة الأولى، تتعلق بتنزيل القوانين والمراسيم، التي امتدت حتى سنة 2021.
- المرحلة الثانية (من سنة 2021 إلى اليوم) ترتبط بتنزيل المشاريع التنموية على صعيد الجهة.
- المرحلة الثالثة من هذه الدينامية، تهم بلورة الخطة المستقبلية المرتبطة بالأجندة التي ستشتغل عليها الدولة في الملف الجهوي.
- ثم، من المرتقب في نهاية هذه السنة، أن تنظم مناظرة لتقييم حصيلة الجهوية المتقدمة.
فالحديث عن قوانين تنظيمية، يحيلنا على سلسلة من التراكمات التدريجية على مدى تسع سنوات:
- أواخر 2015: اعتماد 3 نصوص تطبيقية للقوانين التنظيمية،
- أواخر 2016: المصادقة على 32 نصا، ضمنها 22 مرسوما تتعلق بتنزيل القوانين التنظيمية المتعلقة بالجهوية المتقدمة
- سنة 2017 : تنزيل أكثر من 36 نص تطبيقي،
- سنة2020: تم تغيير وتتميم قانونين، الأول مرتبط بالجبايات الترابية، والثاني، بتنظيم الأملاك العقارية للجماعات الترابية.
لكن الحديث رسميا عن نهاية المرحلة الأولى المتمثلة في تفعيل القوانين والمراسيم، قد يغفلنقطة هامة تتمثل في عدم اعتماد إطار تنظيمي متعلق بالاختصاصات المشتركة مع الدولة، لحد الساعة، وهو الذي سيحدد منهجية تحضير وصياغة وتنفيذ العقود المتعلقة بهذه الاختصاصات وكيفيات التتبع والتقييم وآليات التنسيق بين الفاعلين، بهدف ضبط التزامات ومسؤوليات الأطراف المتعاقدة. وهو ما شكل أحد التزامات الأطراف الموقعة على الإطار التوجيهي لتفعيل الاختصاصات الذاتية والمشتركة. وهذا ما نبه إليه تقرير المجلس الأعلى للحسابات، الصادر في أكتوبر 2023 حول الجهوية المتقدمة.
فهل تمكن مسار الجهوية من التأثير فعليا وبشكل ايجابي على الحياة اليومية للمواطن؟ وهل استطاعت الجهة أن تتحول إلى فضاء لتوطين السياسات العمومية، ولتفعيل وأجرأة البرامج التنموية الجهوية، التي لها انعكاس مباشر على الحياة اليومية للمواطن؟
من الصعب الحديث عن أن أثر الدينامية الجهوية وانعكاسها على الحياة اليومية للمواطن هو ذو مردود فعلي وواضح وجلي.ومن الصعب كذلك إعطاء تقييم دقيق لمسار الجهوية الموسعة .
فإذا عدنا إلى تقرير المجلس الأعلى للحسابات لسنة2023، عند الحديث عن البرنامج الخاص بمحاربة آثار الفوارق المجالية والاجتماعية، تحدث التقرير عن إرجاء وتأخير دراسة الآثار وتقديم الخلاصات والتوصيات إلى حين إصدار التقرير المقبل لسنة 2024، بمعنى أننا لا نتوفر اليوم على تقييم دقيق لآثار الجهوية المتقدمة على الحياة اليومية للمواطن.
لكن، يمكننا المجازفة بتقديم تقييم أولي على مستويات عدة للتأثير:
فعلى المستوى التمثيلي والسياسي، يمكن القول أنه بعد مرور تسع سنوات من الممارسة الفعلية، والتي أفرزت نخبا سياسية جهوية جراء انتخابات سنتي 2015 و2021، يمكن اعتبار تجربة الولاية الانتدابية الجهوية الأولى والثانية، بمثابة مرحلة بناء سياسي ضروري لتفعيل المنظور الجديد للتنظيم الترابي اللامركزي ولتفعيل متطلبات هذا الورش الجهوي، وذلك عبر اعتماد رزنامة من الإجراءات والتدابير العملية، خاصة فيما يتعلق باستكمال الترسانة القانونية والتنظيمية.
ويمكن الإقرار بأن المواطن قد يستشعر الأثر الايجابي للانتخابات بالاقتراع المباشر للنخبة السياسية الجهوية في إدارة شؤون الجهة، لكن، على مستوى التنمية الاجتماعية والاقتصادية، لا زال الأمر يبدو محدود الأثر والتأثير، ولم يحقق التطور النوعي المطلوب.
لمـــــــــــــــــاذا؟
نلاحظ أن تنزيل الجهوية المتقدمة عرف، على امتداد قرابة عقد من الزمن، مجموعة من المعيقات والإكراهات، من أهمها:
- ضعف نقل الاختصاصات التقريرية من المستوى المركزي إلى المستوى اللآمركزي لدى المصالح الوزارية. فعلى سبيل المثال، تم نقل 30% فقط من الاختصاصات المركزية من المصالح الوزارية إلى القطاعات اللآممركزة، وهي نسبة ضئيلة وضعيفة جدا.
- استمرار الإكراهات المرتبطة بالموارد البشرية وبالموارد المالية.
فالجهة في إطار مواردها الذاتية مرتبطة في شق كبير منها بالموارد التي ترصدها الدولة، والتي تصل إلى نسبة 97%، فيما تقابلها نسبة 3% فقط كمصادر ذاتية للتمويل بالنسبة للجهة.
وهو ما أثر سلبا في الحصيلة الإجمالية أو الإنتاجية الضعيفة لمجموع 12 جهة، حيث لم يتعدى مجموع الإنجاز من المشاريع نسبة 36%، لمجموعة من الاعتبارات، أهمها:
- ضعف الموارد المالية
- ضعف إلتقائية السياسات العمومية في هذا المجال.
فعلى المستوى التعاقدي بين الدولة والجهة، تم رصد التأخر على مستوى تنزيل مجموعة من المشاريع، التي لم تتجاوز 25% من الإنجاز في إطار التعاقد بين الجهة والدولة: فمن أصل 265 مشروعا، تم تنزيل 65 مشروعا فقط، وفقا لتقرير المجلس الأعلى للحسابات.
كما سٌجل ضعف تطوير عقود الشراكة مع القطاع الخاص من أجل تخطيط وإنجاز المشاريع الجهوية الكبرى، والتي عادة ما تتطلب موارد مالية مهمة، وخبرة تقنية عالية، وطرق تدبير حديثة ومبتكرة، مع محدودية عدد الشراكات التي أبرمتها الجهات مع القطاع الخاص. فمن أصل 12 جهة، أربع جهات فقط، هي من أبرمت شراكات مع القطاع الخاص على المستوى الجهوي. وليس من بينها جهتنا.
وفي مجال النقل، نسجل غياب منظومة حكامة تشرك مختلف الفاعلين في تدبير إشكاليات تدبير النقل على المستوى الجهوي، مع تسجيل غياب نص تنظيمي يحدد كيفية إعداد تصاميم النقل داخل التراب الجهوي.
بمعنى أنه حتى الآن، وبعد قرابة عقد من الأجرأة، ليست هناك تمثلات حقيقية لدى فئات عريضة من المجتمع، بأن مرحلة الجهوية التي تحدث عنها الدستور، قد ترجمت فعليا إلى شعور حقيقي لدى المواطن، بأن الفضاء الجهوي يتسع لطموحاته المشروعة في النماء والازدهار وتحقيق العدالة المجالية والترابية.
وهذا مرده إلى مجموعة من الأسباب، من ضمنها: تداخل الاختصاصات وتوزيع الصلاحيات عند تنزيل المشاريع وتعدد المتدخلين والفاعلين في هذا الورش الجهوي. وهناك كذلك ضعف عنصر الالتقائية وطنيا وجهويا. وما له من تأثير على مستوى التأخر في اعتماد التصاميم الجهوية والتأخر في التأشير على برامج التنمية الجهوية، وتنفيذها الفعلي.
فهناك حاجة إلى التقائية فعلية.وقد أشارت مجموعة من المؤسسات الدستورية في توصياتها (المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، المجلس الأعلى للحسابات، المنتدى الوطني للوكالات الجهوية لتنفيذ المشاريع، …) عن الحاجة إلى الإلتقائية بين المستوى الحكومي والجهوي، والحاجة إلى إلتقائية بين مختلف المتدخلين على المستوى الجهوي.
كما تحدث التقرير الموضوعاتي للمجلس الأعلى للحسابات صراحة عن عدم تملك وترسيخ ثقافة نقل الاختصاصات التقريرية من المركز إلى المستوى اللآممركز لدى المصالح الوزارية. فالدولة تدفع بمبدإ التمايز والتدرج، لكن تبقى الدولة المركزية هي صاحبة المبادرة، وهي التي تحدد الاحتياجات والجوانب ذات الأولوية في كل جهة بقدر جاذبيتها. مما يحد من فعالية اتخاذ القرار الجهوي. والتقارير الصادرة تشير، في مجملها، إلى المحدودية في توفر المصالح اللآممركزة على سلطة اتخاذ القرار داخل الفضاء الجهوي.
فالقانون التنظيمي المتعلق بالجهة 111. 14 يتحدث عن اختصاصات ذاتية ومشتركة ومنقولة. لكن الاختصاصات المنقولة ضعيفة جدا، إن لم نقل منعدمة.
فإذا كان الهدف الدستوري هو الارتقاء بالجهة اقتصاديا واجتماعيا بهدف تحقيق التنمية بأبعادها الأربعة وتحقيق العدالة المجالية، فإحداث الأقطاب الفلاحية الكبرى ضعيفة المردود، كما أنه على مستوى إنعاش السكن وكذلك حماية المنظومة البيئية والغابوية، فهذه السياسة غير مفعلة في العديد من الجهات.
وفيما يخص الاختصاصات المنقولة، بين الجهة والدولة، فإلى حدود الآن، لم يتم، على مستوى الإطار القانوني، تحديد الحد الأدنى من الاختصاصات التي ستكون الدولة مستعدة فعليا لنقلها لصالح الجهات.كما أن الإطار التنظيمي للاختصاصات المشتركة لم يعتمد إلى يومنا هذا.
لدينا مشكل عدم تفعيل الاختصاصات المنقولة، وعدم التفعيل الجدي للاختصاصات المشتركة، وضعف الانسجام والالتقائية. وهو ما انتبهت إليه كل تقارير المؤسسات الاستشارية التي أصدرت توصياتها في الموضوع،
كما يطرح سؤال النخب الجهوية وتدبير الموارد البشرية إشكاليات كبرى على مستوى الجهات.
والمشكل الأكبر يكمن في نوعية المنتخبين، رغم أنه مسلسل تراكمي مستمر لا يتحقق دفعة واحدة، لكن، في قلب هذا المسلسل، يلعب المنتخب دورا هاما. وهناك كذلك الجانب المتعلق بالموظفين .فالجهات تتوفر على 865 موظفا بمعدل 72 لكل جهة، مع العلم أن 68% تقريبا من الموارد البشرية تتمركز في خمس جهات فقط. فيما جهتنا تتوفر على 85 موظفا، بمعدل 13 % من مجموع الموارد البشرية الجهوية وطنيا.
ولمواجهة مشكل الموظفين، تشير الأرقام الرسمية المتداولة إلى أنه يجب أن يصل المعدل إلى 115 كمتوسط بدل 72، مع ضرورة اعتماد برامج للتكوين المستمر بهدف الرفع من كفاءات ومؤهلات وقدرات الموارد البشرية على الصعيد الجهوي.
ويجب كذلك، على مستوى الموارد البشرية، الانتباه إلى التباين في التوزيع، وإلى التدبير المرتكز أساسا على تدبير إداري غير قائم على الوظائف والكفاءات. مما يتعين معه تفعيل منظومة التدبير التوقعي للوظائف ولإعداد الكفاءات، من خلال وضع دلائل مرجعية في أفق خلق مناصب وكفاءات تتلائم مع خصوصيات المجال الترابي الجهوي. ويجب على الفاعل، سواء على المستوى المركزي، أو على المستوى الجهوي، أن يأخذها بعين الاعتبار.
بخصوص مشكل التمويل، فالجبايات لم تعد كافية. ومن الحلول المقترحة الانفتاح على القطاع الخاص، وفي إطار التعاقد والتحفيز على إبرام اتفاقيات مع العديد من المؤسسات الدولية الداعمة، لأن الجهة تعتبر مجالا جاذبا وجذابا للاستثمار. كما أن المجالس الجهوية للاستثمار يجب أن تحظى بثقة أكبر. فتبقى مشكلة الدراسة والتخطيط والالتقائية تطرح باستمرار على مستوى تدبير الموارد المالية، وعلى مستوى وضع البرامج التنموية.وهذا ما جعل بعض الجهات تضع برامج تتجاوز سقف قدراتها المالية.
وبخصوص مؤشر التعاقد بين الدولة والجهات لتنفيذ برامج التنمية الجهوية، فالملاحظ أن هناك محدودية.فأربع جهات من أصل 12 جهة، هي فقط المتوفرة على إمكانية إبرام هذه العقود، بسبب عدم توفر الالتقائية بين التوجهات الاستراتيجية القطاعات الوزارية، وبين المجالس الجهوية. حيث من الواضح أن هناك تباين على مستوى الأولويات، بين ما هو مركزي وبين ما هو جهوي.
السيد الرئيس،
من الناحية السياسية، يقال أن هذه المرحلة(2021 – 2026) تتميز عن غيرها بكونه االمرحلة المناسبة لتقعيد مسلسل الانسجام الجهوي. من منطلق أن مكونات الأغلبية تبدو في تناغم وفي انسجام تام بين المكونات السياسية للحكومة والمكونات السياسية على المستوى الجهوي،
لكن فكرة التناغم السياسي الموجود بين المستوى المركزي والمستوى الجهوي تبدو لنا تناغما ظاهريا.ففي الماضي، كنا نلاحظ أن التركيبة والتحالفات غير منسجمة على مستوى المركز والجهات. أما الآن،فنفس الأحزاب المشكلة للأغلبية الحكومية هي نفسها المهيمنة على الخريطة الجهوية. لكن، يبدو أن الفعالية مفقودة في هذا المجال السياسي كذلك. مما يدل على أن هناك غياب للرؤيا في تنزيل ووضع شروط مشاريع تنموية تتناغم مع حاجيات الجهة.
السيد الرئيس،
السيدات والسادة أعضاء المجلس الجهوي،
بالنظر إلى كل هذه المعطيات، فأمام جهتنا، على مرمى الاحتفال بعقد من الزمن من بداية أجرأة الجهوية المتقدمة، تحديات كبرى، علينا جميعا رفعها بهمة واقتدار وإرادة قوية.
أولها: تحدي الموارد البشرية
فالآلية البشرية هي المحرك الحقيقي للجهوية المتقدمة. وهو ما يعني وضع النخب الجهوية والكفاءات البشرية المجندة ونوعيتها وحجمها في قلب الرهان التنموي الجهوي، بالنظر إلى حجم وضخامة الإشكاليات المطروحة على المستوى الجهوي، حاضرا ومستقبلا (85 موظفا غير كافية تماما).
ثانيها: تحدي الموارد المالية
كلنا ندرك بأنه مهما بلغ مستوى تحويل الموارد، فالانتظارات وسقف الطموحات يزداد ارتفاعا، في عدد من المجالات الحيوية، التي ستتحمل فيها الجهة مسؤولية مؤسساتية متصاعدة، كمجال الشغل والتكوين والنقل والسكن والطاقة والموارد المائية والطبيعية والبنيات التحتية، …وغيرها. مما يجعل جهتنا في حاجة إلى موارد إضافية ومتعددة المصادر وطرق وسبل التمويل.
وهو ما يضعنا أمام تحدي إنتاج وإبداع وخلق موارد جديدة والبحث عن مصادر جديدة، خصوصا، وأننا في ظل “رهان اقتصاد الندرة” وأمام شح مختلف الموارد، المائية منها والطاقية والغابوية،… وغيرها، مدعوون إلى مزيد من الحكامة والتبصر والمرونة والقدرة على التكيف، أمام مرحلة متميزة بندرة الموارد المالية وصعوبة تعبئتها كذلك.
ثالثها: تحدي الحكامة
وهو رهان على واجهتين أساسيتين: تتمثل الأولى في قدرة الجهة على التوفر على قيادة مؤسساتية حكيمة ومنسجمة لكل البرامج التنموية على الصعيد الترابي، والتفعيل الحقيقي لمفهوم ” النخب الاستراتيجية ” الذي جاء ذكره في اجتماع اللجنة الاستراتيجية، بهدف التمكين من الاستخدام الأمثل للموارد البشرية والمالية، وكذلك ضمان تحقيق التنسيق والالتقائية المطلوبة، وتحقيق التجانس بين البرامج والسياسات العمومية الموجهة للجهة. فيما تتمثل الواجهة الثانية في قدرة القيادة الجهوية على المتابعة والمراقبة والتقييم لكل البرامج التنموية على الصعيد الجهوي وتفعيل مبدإ ربط المسؤولية بالمحاسبة.
رابعها: تحدي الاستفادة من التجارب الفضلى
وهو رهان يستلهم من التجارب المماثلة والمقارنة سبل الاجتهاد والارتقاء بمستوى الحكامة الجهوية، وذلك باستثمار واستغلال الممارسات الجيدة في مجال الديمقراطية التشاركية على صعيد الجهات، وطنيا ودوليا.
وهو ما يسائلنا، بشكل جماعي، عن مدى قدرتنا كفاعلين سياسيين، على خلق آليات للحوار بين كل الفاعلين المؤثرين على صعيد المجال الترابي، بهدف الإشراك الواسع لكل فعاليات الجهة في الإقلاع الجهوي المنشود وفي صنع القرارات وفي بلورة السياسات العمومية ذات الطابع الجهوي .وهنا وجب التذكير بأهمية إحداث قناة مؤسساتية لتفعيل العلاقة بين مراكز القرار الوطني ومراكز القرار الجهوي.
خامسها: تحدي الذكاء الاقتصادي الترابي
وهذا الرهان الخامس يسائلنا حول مدى قدرة جهتنا على التوفر على بنيات الذكاء الاقتصادي الترابي الضروري للاستثمار الأمثل لنبوغ الجهة ولذكائها الجماعي، بهدف خلق منصات جهوية للابتكار والإبداع، على شاكلة مدينة الابتكار سوس – ماسة، حتى تتمكن الجهة من تحويل مجالها الترابي الجهوي إلى قطب تنافسي، يساهم في كسب رهان إنجاز مشاريع ترتقي بالقطب الجهوي أكادير وبمحيطه الجهوي إلى المرتبة الوسطية centralitéعلى الصعيد الوطني. مما يحثنا على إخراج حلول مبتكرة، تساهم في خلق الثروة من جهة، وفي ضمان الاستدامة للأجيال القادمة وفي إدماج أوسع الفئات المجتمعية في النسيج الجهوي، وفي مقدمتهم الشباب والنساء.
أضف تعليقاً