?>

الوضع المقلق بجامعة ابن زهر بأكادير

ouammou1

منذ ما يناهز 20 سنة ومناطق سوس والصحراء تطمح على غرار باقي جهات المملكة في أن تستكمل النواة الجامعية بمختلف عناصرها ومكوناتها الاكاديمية والعلمية بجانب مراكز البحث العلمي المرتبطة بها.

ولا يكاد زائر من أعضاء الحكومة حين تطأ قدماه أرض المنطقة حتى يؤكد تضامنه مع أهلها من أجل استكمال هذا المشروع الجامعي. ولا يكاد مسؤول حكومي بقطاع التعليم العالي يتسلم حقيبته حتى يعد باستكمال بقية الوحدات المرتبطة بمشروع جامعة ابن زهر.

إلا أن دار لقمان تبقى على حالها، وتتبخر الوعود مع حلول كل موسم جامعي، ليحصد أهالي الجنوب الحسرة على مشروع حيوي أضحى سرابا مع توالي السنين، رغم التزايد المهول في عدد الطلبة وإكراهات لا مركزية الجامعة التي تمنع على ساكنة الجنوب التسجيل بالكليات والجامعات الأخرى بمختلف مناطق المملكة. فتجعل طلبة جنوب البلاد المستقبلين لعالم الدراسات العليا أمام خيارين أحلاهما مر: إما القبول بالأمر الواقع أو مغادرة عالم الجامعة إلى وجهة أخرى …

فبقيت جامعة ابن زهر إلى الآن دون كلية للحقوق، والتي قيل أنها أحدثت منذ عدة سنوات على الورق دون أن يكون لها أي وجود فعلي وواقعي، فلا أساتذة عيننا ولا بنايات شيدنا، ولا طاقم إداري كلفنا . ومع ذلك كله يتم تسجيل العديد من الطلبة الحاصلين على الباكالوريا في هذه الكلية الوهمية دون أدنى شعور بالمسؤولية تجاه مستقبل شبابنا.

أما مشروع كلية الطب فما زال في غرفة الانعاش إلى يومنا هذا، رغم التأكيد عليه من طرف الفاعلين السياسيين والحكوميين غير ما مرة.

وهذا الفتور وعدم الاعتناء بالوضع الجامعي أدى إلى تحويل المناطق الجنوبية من فضاء حيوي شاسع يمثل 55 % من التراب الوطني و 14 % من سكان المملكة إلى منطقة بدون تكوين جامعي منسجم ومتكامل، مع غياب الجامعة عن كل الفضاءات المرتبطة بالتنمية و عن المساهمة بشكل فعال في معادلة التكوين والادماج والتأطير الأكاديمي في قلب جهة تعتبر من انشط جهات المملكة اقتصاديا.

إن أوضاع العمل بجامعة ابن زهر بأكادير وبالتحديد بكلية الآداب والعلوم الإنسانية مقلقة للغاية لدرجة أضطر فيها أساتذة التعليم العالي بالكلية للإضراب عن العمل ليومين أيام 25 و 26 أكتوبر للفت الإنتباه لظروف العمل الصعبة بهذه الكلية.

ويمكن اختصار معاناة الأساتذة والطلبة على حد سواء في الأرقام المعبرة التالية:

177أستاذا ل 19723 طالبا بمدرجات الكلية، أي نسبة من بين أدنى درجات التأطير بالتعليم العالي ببلادنا، حيث يؤطر كل أستاذ ما يقارب 112 طالبا، في حين يبقى المعدل الوطني في حدود 27 إلى 35 طالبا لكل أستاذ.

فهل يعقل أن تعاني هذه المؤسسة الجامعية، التي تعتبر الملاذ والمنفذ لحاملي شهادة الباكالوريا والراغبين في استكمال دراستهم الجامعية من الجهات الجنوبية وبالتحديد جهات سوس ماسة درعة و كلميم السمارة والعيون و بوجدور والساقية الحمراء ووادي الذهب و الكويرة، من التهميش ومن مشاكل التأطير التربوي والأكاديمي بمثل هذه الحدة .

والجدير بالذكر أن طاقة الاستقبال المبدئية لكلية الآداب والعلوم الإنسانية لا تتعدى 4500 إلى 5000 طالبا، وهي اليوم تستقبل أضعاف طاقتها الأصلية.

إن مكانة الأمم تقاس بما تقدمه من سبل التكوين والتعليم العمومي كما وكيفا لأبنائها وبناتها، وما توفره من إمكانيات مادية وما تسخره من طاقات بشرية وما تجنده من وسائل التلقين الجيد والملائم للرقي بالمستوى العام لأطرها ونخبها الجهوية والوطنية.

والأكيد على ضوء هذه المعطيات أن لا مجال للإرتقاء بمستوى التكوين الجامعي بهذه الكلية، بل أن ظروف العمل في هذه الأجواء تهدد السير العادي للمؤسسة الجامعية بكاملها، لدرجة يصعب فيها على الطلبة متابعة المحاضرات بالمدرجات ولو وقوفا ، أما الحصول على مقاعد للجلوس فمن قبيل المستحيلات بالنسبة للسواد الأعظم من طلبة هذه الكلية.

أما عن الدروس التطبيقية التي تمكن الطلاب من المدارك والمعرفة الملموسة بجانب الدروس النظرية، فتكاد تستحيل برمجتها في مثل هذه الظروف. وبعض المواد التي تستدعي أفواجا قليلة من الطلبة لاستيعابها بشكل جيد ، فهي قد حذفت بالمرة من المقررات هذه السنة.

أما عن الامتحانات والمراقبة المستمرة التي تعتبر مقياس تقييم عمل الطلاب على طول السنة، فما جدواها يا ترى في مثل هذه الأجواء العامة؟

أما خارج الكلية، فلا تكاد المعاناة تفارق الطالب الأكاديري، فظروف السكن وضعف القدرة الايوائية في الإقامة الجامعية بأكادير يضاعفان من مشاكل الطلبة وذويهم المادية والمعنوية على حد سواء ، حيث لا يكاد الحي الجامعي الحالي يكفي لإيواء 2000 طالبا من بين 26266 طالبا مسجلا بمختلف شعب الدراسات الجامعية بأكادير. مع العلم أن الغالبية العظمى للطلبة الجامعيين بأكادير ليسوا من أبناء المدينة، ويضطرون للبحث عن سكن إن لم نقل عن زاوية للسكن داخل حجر مستأجرة لمجموعة من الطلبة بأثمان مرتفعة.

أضف إلى كل هذا عدم توفر المدينة على مطعم جامعي وعلى نقل جامعي في المستوى وعدم تأهيل الخزانة الجامعية لكي تشفي غليل الطلبة من المدارك وبحور المعرفة واضطرارهم لولوج مقاهي الأنترنيت لتعويض هذا النقص .

كل هذا لا يوفر المساواة أمام المعرفة، ولا يضمن التوازن والتكافؤ بين المؤسسات الجامعية على الصعيد الوطني، بل يعزز الاحساس بالتهميش واللامبالاة.

فإذا كانت مناطق أكادير إلى تخوم الصحراء بالجنوب وبالجنوب الغربي لا تتوفر لحد الآن إلا على جامعة مبتورة الأطراف ولم تستكمل بعد كل وحداتها العلمية والتخصصية، فإن ذلك يعتبر في حد ذاته عائقا أمام تطوير مؤهلات المنطقة الاقتصادية وهو في نفس الوقت مخاطرة بمستقبل الشباب الذي يعتبر رهان التأهيل الاقتصادي والاجتماعي بالمنطقة وحرمان من حق التكوين وولوج التعليم العالي وبالتالي حرمان من الحق في الاندماج وولوج سوق الشغل بأحسن مقومات النجاح والتفوق. وعلى المسؤولين الحكوميين أن ينتبهوا إلى مخاطر هذه المعضلة والعمل على تدارك الوضع قبل استفحاله أكثر.

وما الوقفات الاحتجاجية للطلبة المتتالية إلا تعبير عن غياب الحد الأدنى من شروط التمدرس والسكن اللآئق والتغذية المناسبة و المنح الجامعية. ورغم المجهودات التي تبذلها جهة سوس ماسة درعة والمحسنون وجمعيات المجتمع المدني، ورغم تنبيه الاساتذة الجامعيين إلى عدم توفر الشروط الدنيا لتطبيق وتفعيل الاصلاح الجامعي باعتبار جودة التكوين الجامعي والبحث العلمي هما جوهر الاصلاح، فهشاشة الوضع بالجامعة لم تعد توقظ مضجع الحاكمين ، واضحى الأمر عاديا بالنسبة لهم، مما أدى إلى خلق وضع شاذ وغير مستقر يهدد بالانفجار في كل لحظة وحين.

عبد اللطيف أعمو









الرجاء من السادة القراء ومتصفحي الموقع الالتزام بفضيلة الحوار وآداب وقواعد النقاش عند كتابة ردودهم وتعليقاتهم. وتجنب استعمال الكلمات النابية وتلك الخادشة للحياء أو المحطة للكرامة الإنسانية، فكيفما كان الخلاف في الرأي يجب أن يسود الاحترام بين الجميع.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

الموقع الرسمي للمستشار البرلماني عبداللطيف أعمو © www.ouammou.net © 2012