نعم لقانون ضد العنصرية لا لكل أشكال الميز العنصري
بمبادرة من فريق التجديد والتقدم الديمقراطي بمجلس النواب، قدمت مقترح قانون يرمي إلى تتميم قانون الصحافة من جهة وتتميم مقتضيات القانون الجنائي في الجوانب المتعلقة بمحاربة العنصرية، والتي تقضي بمعاقبة كل شخص أو هيئة أو مؤسسة مارست أي شكل من أشكال الميز العنصري في حق كل شخص أو مجموعة أشخاص.
لماذا هذه المبادرة ؟
انطلاقا من مقتضيات تصدير دستور المملكة الصادر بتنفيذه ظهير 08 أكتوبر 1996، والذي يعلن تعهد المغرب بالإلتزام بما تقتضيه المواثيق الدولية من مبادئ وحقوق وواجبات، ويؤكد تشبته بحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دوليا باعتباره العضو العامل والنشيط في المنظمات الدولية كدولة ذات سيادة كاملة دينها الإسلام الذي يأمر بالمساواة بين بني البشر ويدعو إلى حماية الإنسان .
وانطلاقا من الإتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 21 دجنبر 1965، والتي وقع عليها المغرب بتاريخ 18 شتنبر 1967 ودخلت حيز التنفيذ ببلادنا بموجب الظهير رقم 19/68 المؤرخ في 28 أكتوبر 1969.
فقد أصبح في حق كل شخص يتواجد على أرض المملكة أن يشعر بحماية قانونية في مواجهة أي شكل من أشكال الميز الذي يكون مصدره الجنس أو الدين أو الإنتماء إلى وطن أو إلى عرق.
فبلادنا التي خطت خطوات شجاعة في مسارها الديمقراطي وهي معززة بمناخ سياسي يطبعه الإستقرار والتعددية الحزبية والثقافية، مدعوة اليوم لملائمة تشريعاتها الوطنية مع المواثيق الدولية التي صادقت عليها.
وحكومة التناوب أخذت على عاتقها مهمة إخراج هذا الورش التشريعي الطموح إلى حيز التنفيذ.
دلالات المشروع
إذا كان التسامح يعتبر من القيم الراسخة في ثقافة بلادنا وتقاليده، فإن ذلك لا يغني عن وضع ضوابط قانونية لمناهضة الميز العنصري بجميع أشكاله وعلى جميع المستويات والأصعدة. وهذا أمر يقتضي دعم مسيرة البلاد في التساكن والتسامح نحو تحقيق الطمأنينة والانسجام والسلم للأشخاص كيفما كان جنسهم أو ثقافتهم أو دينهم أو عرقهم أو وضعيتهم الاقتصادية والاجتماعية.
والمغرب بإعلانه عن رفضه المطلق للممارسة العنصرية، فإنه التزم بمحاربتها، ليس فقط على أرضه وداخل مجتمعه، بل باعتباره عضوا فاعلا في العائلة الدولية. وهو ما يتطلب وضع تشريع داخلي يتلائم مع المواثيق الدولية المناهضة للميز العنصري بكل أشكاله.
لهذا آلينا على أنفسنا في فريق التجديد والتقدم الديمقراطي أن نبادر إلى اقتراح التعديلات التي ترمي إلى تتميم بعض مقتضيات قانون الصحافة والقانون الجنائي في جوانبها المتعلقة بمناهضة الميز العنصري دون تصنيف أشكال الميز إلى فئات حسب الانتماء السياسي أو الثقافي أو العرقي أو الديني وغيره، بل بالعكس:
فمقترحنا الرامي إلى تتميم الفصول 39 مكرر و 44 مكرر من القسم الأول من الباب الرابع من قانون الصحافة في جوانبه المتعلقة بمحاربة الميز العنصري يسعى في جوهره إلى حماية حرية الأفراد في التواصل والتفكير والرأي وإعطاء هذه الحماية مرجعية تشريعية ملزمة بإدراج فصول يعاقب بموجبها كل من حرض مباشرة على الميز العنصري أو على الكراهية أو على العنف تجاه شخص أو جماعة من الأشخاص بسبب أصلهم أو وضعيتهم الاقتصادية أو الاجتماعية أو انتمائهم العرقي أو الثقافي أو السياسي أو عدم انتمائهم إلى وطن أو جنس أو دين معين.
والمقترح الثاني الرامي إلى تتميم الفصول 225 و399 و445 و609 من القانون الجنائي يصب في اتجاه تمتيع الأفراد بالحد الأدنى من شروط المواطنة المسؤولة.
فإذا كان القانون الجنائي المعتمد منذ يونيو 1963 يحمل ضمن مقتضياته بعض جوانب حماية الأشخاص من بعض ممارسات الميز، فإن الوضع الحالي يتطلب تدابير جديدة لتقوية هاته الحماية وتقوية الزجر على المخالفات العنصرية بضبط عدد من التصرفات التي تقع في هذا المجال وتمس بكرامة المواطن وبشرفه وبشخصه.
كما عملنا جادين على إدراج مقتضيات زجرية خاصة بشأن الميز في حق الأشخاص الذين يعانون من ضعف بين راجع إلى السن المتقدم أو إلى مرض أو إعاقة أو نقص جسماني أو عقلي (…) أو في حق الأحداث أو الأطفال القاصرين دون الخمسة عشر ربيعا…
كما تضمن المشروع إجراءات زجرية خاصة بالميز العنصري في حق الأفراد إما برفض التزويد ببضاعة أو تقديم خدمة أو عرقلة ممارسة عادية لنشاط اقتصادي مشروع أو التمييز في التشغيل بالطرد أو رفض التشغيل أو إخضاع عرض عمل أو طلب قضاء فترة تدريبية أو تكوين بمقاولة لشرط من شروط التمييز العنصري.
لكي نحفظ لمقتضيات القانون روحها
فعلى كل مواطن مسؤول، وعلى كل متشبع بقيم الحداثة والديمقراطية أن يعي خطورة الميز العنصري. فظاهرة ممارسة العنصرية بمختلف الأساليب تتطور باستمرار في العالم منذ الحرب الكونية الثانية وتتخذ أشكالا وألوانا مختلفة إلى درجة يمكن القول بأن العنصرية أصبحت مصدرا للعنف داخل المجتمعات وظاهرة من ظواهر عرقلة نموها وقدراتها الإبداعية. وفوق هذا كله، فهي تمس في العمق أغلى ما يمتلكه الإنسان : الكرامة.
وتصدينا كديمقراطيين لهذه الظاهرة الفتاكة- في محيط تؤسس فيه العولمة المتوحشة لمزيد من الفوارق الاقتصادية والاجتماعية بين الدول الغنية والفقيرة، وتزيد فيه حدة المطالب الثقافية وأسئلة الهوية التي ظلت عالقة دون جواب- يطرح علينا كديمقراطيين السؤال الجوهري حول منظومة القيم الحضارية والانسانية التي سنتركها لأبنائنا وللأجيال القادمة.
هذه المجموعة من المقترحات المتممة لقانون الصحافة وللقانون الجنائي- رغم تواضعها- قد تشكل- إن تابر كل الديمقراطين على رعايتها وتبنيها- لبنة من لبنات بناء تشريع عصري وحداثي متفتح في مواجهة فكر الإنغلاق والانكماش على الذات.
حقيقتي
أثناء تفحصي لتقديم العريضة التي نشرت تباعا في عددي 3-9 و 10-16 ماي 2002 من أسبوعية “لافيريتي” (La Vérité) الصادرة باللغة الفرنسية، شعرت بنفس الاستياء والتذمر- الذي عبرت عنه بكل مشروعية أغلب مكونات الحقل الثقافي الأمازيغي- خصوصا وأن إقحام إسمي ضمن الموقعين على العريضة المذكورة تم دون استشارتي المسبقة حول مضمون ومحتوى الخطاب الموجه للرأي العام الوطني في الموضوع.
فمبادرتي باقتراح قانون ضد العنصرية على أنظار المؤسسة التشريعية تصادف مع نشر الأسبوعية المذكورة أعلاه لعريضتها بشكل يدعو للإرتباك والخلط، مما يفسد للمقترح غايته- رغم تصحيح ذات الجريدة لصيغتها التقديمية في إصدارها الثاني.
وبما أن اسمي قد أقحم ضمن الموقعين على العريضة دون موافقتي المسبقة أو حتى اطلاعي على النص التقديمي لها، وأكثر من هذا، فإن هذا النص التقديمي لها يتعارض كلية مع روح النص التشريعي الذي دأبت على إعداده بكل جدية واقتناع.
وبما أن حزب التقدم والاشتراكية الذي أنتمي إليه قد تبنى مواقف شجاعة في دفاعه عن الحقوق اللغوية والثقافية ببلادنا وعلى رأسها الأمازيغية، والتي أكدها في أكثر من مناسبة كانت آخرها بيان مؤتمره السادس الذي انعقد في بداية الصيف الماضي والذي طالب فيه بدسترة اللغة الأمازيغية كلغة رسمية بجانب اللغة العربية.
وانطلاقا من جذوري الأمازيغية وانتمائي لهذا الرافد الثقافي المتجدر ببلادنا، فإن أمازيغتي لا تستحمل المزايدة، وأنا أعيشها وأستنشقها يوميا مع نسيم كل صباح وبكل افتخار. وانطلاقا من قناعاتي السياسية والحقوقية وانتمائي للعائلة التقدمية ووفاء لنضالي من أجل ترسيخ القيم الانسانية في مفهومها الكوني، فلا يمكن لي تصور وجود الثقافة الأمازيغية إلا كموروث حضاري حي في ملك كل المغاربة، علينا الحفاظ عليه وتبليغه للأجيال القادمة باعتباره مكونا رئيسيا ضمن مكونات هويتنا الوطنية ومميزا جوهريا للشخصية المغربية .
هذا التصور للمواطنة المشتركة والمسؤولة هو ما نؤسس عليه قناعاتنا دون المساس بحقوق “الآخر”. هذا “الآخر” المختلف “عني” والقريب “مني” في نفس الوقت.
فنضالنا السياسي من أجل تمتيع المواطنين المغاربة بحقوقهم المدنية والسياسية، وتعلقنا بالديمقراطية في أسمى وأنبل مقاصدها لا يرمي إلى إقصاء أي إنسان، ولا يدافع عن أصل أو عرق ضد آخر ولا عن عقيدة أو دين ضد آخر .
هذا النضال من أجل المواطنة الحقة المسؤولة يجعلنا متمسكين- في نطاق وظيفتنا التشريعية والبرلمانية- بدعم كل مجهود يرمي إلى تحقيق المساواة في الحقوق والواجبات لكل إنسان متواجد على أرض الوطن. كما يدفعنا لتأطير مساهماتنا المتواضعة في هذا الورش التشريعي في نفس الإتجاه.
ولكي نحافظ لهذه المبادرة عن مدلولها العميق, ولكي نحفظ لمقتضيات القانون روحها، أوجه نداء لكل الديمقراطيين الذين يشاركوننا الحرص على بناء دولة الحق والقانون بعيدا عن كل فئوية أو تعصب، لدعم مقترح قانون ضد العنصرية، لكي نمكن بلادنا من ملائمة تشريعاته الداخلية مع المواثيق الدولية المناهضة للميز العنصري ولكي نساهم جميعا في تعزيز تشريع وطني عصري يتجه نحو الحداثة والتقدم في مواجهة الانكماش والانغلاق على الذات.
عبد اللطيف أعمو
نائب برلماني
أضف تعليقاً