عبد اللطيف أعمو في حوار مع “الأحداث المغربية” حول مراجعة قانون مكافحة الارهاب
يومية “الأحداث المغربية” استجوبت عبد اللطيف أعمو ضمن ملف عنونته “الرأي والرأي الآخر” في صفحتين تطرقت فيه لمكافحة الارهاب بين المقاربة السياسية والمقاربة القانونية في خضم الحديث عن مراجعة قانون مكافحة الارهاب.
من موقعه كحقوقي وكمحامي وكرئيس لفريق برلماني شدد ذ. عبد اللطيف أعمو بجانب ذ. محمد الصبار (رئيس المنتدى المغربي للحقيقة والانصاف) على أن ضرورة مراجعة قانون مكافحة الارهاب على ضوء التطورات الأخيرة المرتبطة بتفكيك خلية “بلعيرج” لا يجب أن تكون على حساب إجراءات المحاكمة العادلة والضمانات القانونية. كما أشار إلى أنه حان الوقت لتقييم هذا المسار من التقاضي، بتقييم شمولي لمدى تطبيق المبادئ المسطرة في قانون المسطرة الجنائية، لدعم قواعد المحاكمة العادلة، وإعطاء مفاهيم العدالة الاجتماعية مضامينها الصحيحة على مستوى المجتمع
وفيما يلي نص الحوار الوارد في الصفحة 5 (الملحق السياسي) من عدد 3319 ليوم الاثنين 10 مارس 2008 من جريدة “الأحداث المغربية”.
عبد اللطيف أعمو: رئيس فريق التحالف الاشتراكي بمجلس المستشارين
في حوار مع جريدة الأحداث المغربية
المراجعة تهدف إلى تدارك النواقص
والاختلالات الموجودة في القانون المعمول به
الاثنين 10 مارس 2008
◀ هناك حديث في الأوساط الرسمية يدعو إلى مراجعة قانون مكافحة الإرهاب، وباعتباركم جزءا من الأغلبية الحكومية كيف تنظرون إلى هذا الطرح؟
◀◀ أعتقد أن قانون مكافحة الإرهاب الذي بدأ العمل به منذ سنة 2003، والذي سرع بإدخال قانون المسطرة الجنائية إلى حيز التطبيق، كما أنه في الفترة الفاصلة شهد المغرب سلسلة من المحاكمات شملت مختلف درجات التقاضي، من الابتدائية، الجنائية إلى الاستئناف إلى المجلس الأعلى. فأظن أنه حان الوقت لتقييم هذا المسار من التقاضي، وبما أنه لم يتم لحد الآن إنجاز هذا التقييم، وإن كان العديد من الجمعيات، خصوصا الحقوقية والمعنيين القضائيين، يسجلون بعض المآخذ على العديد من المساطر وكيفية تطبيقها، من خلال مقارنتها بشروط المحاكمة العادلة كما وردت في قانون المسطرة الجنائية. وهذا ما يستدعي القيام بتقييم شمولي لمدى تطبيق المبادئ المسطرة في قانون المسطرة الجنائية، لدعم قواعد المحاكمة العادلة، وإعطاء مفاهيم العدالة الاجتماعية مضامينها الصحيحة على مستوى المجتمع
◀ الكل يتذكر النقاش الذي أثاره طرح قانون مكافحة الإرهاب قبل سنوات، والكل يتذكر أيضا الطريقة التي تمت بها المصادقة على هذا القانون، أليس هناك تخوف من أن يعاد فتح نفس النقاش من جديد والذي قد لا يؤدي إلى أي نتيجة؟
◀◀ أعتقد أن هناك محطات في قانون المسطرة الجنائية وفي قانون الإرهاب بنفسه كانت موضع أخذ و رد وموضوع جدال. وفي الأخير وقع توافق على مستوى التزام الحكومة في الوثائق التحضيرية للقانون بأنها ستعمل على اتخاذ جميع الاحتياطات حتى لا يتم تغليب الجانب الأمني على الجانب الحقوقي في تطبيق القانون. الآن ظهر أن هناك إخلالا على مستوى سرية التحقيق مثلا. ..
◀ ما هي في نظركم البنود والنصوص التي ظهرت الحاجة إلى مراجعتها؟
◀◀ هناك مستويان في المراجعة، الأول يتعلق بدعم المظاهر الاستثنائية أو الخاصة لخصوصية قانون مكافحة الإرهاب، باعتباره يعالج ظاهرة إجرامية خطيرة ذات طابع استثنائي ولها أبعاد خطرة جدا، وهذا موجود في دول العالم، ويتمثل في الحاجة إلى تغيير مادة من القانون كلما اشتدت الحاجة إليه داخل المجتمع. لأن الغرض من ذلك هو ضمان الأمن والسلامة للمجتمع من خلال تحدي المخاطر القائمة. ومن هنا يظهر أن الحكومة أو النيابة العامة تدفع في اتجاه تبني الصرامة، ولو أن الصرامة أحيانا تكون دائما على حساب إجراءات المحاكمة العادلة وقواعد العدالة الجنائية. خصوصا ما يتعلق بضمانات الاعتقال والاستنطاق، وطريقة البحث والتقصي، والأجهزة التي لها الصلاحيات. لأننا نلاحظ أن هناك العديد من الأجهزة. ومن الناحية القانونية فالجهاز الوحيد الذي له صلاحية القيام بالتحريات القضائية هي الشرطة القضائية، إلا أننا نعلم أن هناك أجهزة أخرى مخابراتية تقدم المعلومات وقد تلجأ إلى الاعتقال أيضا. وهذا كله يدخل في إطار التشديد والصرامة للإحاطة بالظاهرة الإجرامية المرتبطة بالجريمة المنظمة وبالإرهاب على وجه الخصوص. بجانب ذلك، هناك اتجاه ثان في المراجعة الذي يرى أن هناك إخلالا في الالتزامات التي وردت على مستوى إعداد ومناقشة القانون الحالي. هذه الالتزامات التي تهم تفسير وتأويل وإعطاء الأولوية لإجراءات المحاكمة العادلة، أصبحت تنطوي على كثير من الاختلالات، بدليل عدم وجود التوازن بين قواعد المحاكمة العادلة وحاجيات المجتمع في الأمن. ومن هنا نستنتج أن هناك تيارين، الأول حقوقي يقبل بقانون لمكافحة الإرهاب، مع الدعوة إلى الحيطة والحذر حتى لا يكون على حساب حريات الأشخاص وقواعد العدالة والمحاكمة العادلة، والثاني أمني يرى أن الإرهاب أصبح يكتسي أبعادا ومظاهر متعددة، وبالتالي يستدعي الوعي بهذه الخطورة لمصلحة المجتمع وتحريك آليات التعديل التشريعي لإعطاء الموضوع ما يستحقه. وهذا ما تقوم به جميع الدول عبر العالم. حيث صدر مثلا قرار من طرف المحكمة الدستورية بألمانيا قبل أسبوع، له علاقة باستعمال وسائل الاتصال عن بعد، مثل «الأنترنيت» واحترام الحرية الشخصية للأفراد، أو ما يجري الإعداد له في فرنسا، من خلال سياسة وزيرة العدل الحالية، للعديد من النصوص التشريعية لتدعيم الجانب الأمني على حساب الجانب الشخصي. وبما أن المغرب ليس بعيدا عما يجري من تحولات في العالم في التعاطي مع قضايا الإرهاب، باعتباره مهددا دائما بالإرهاب فلابد للآلية التشريعية أن تتحرك، ولكن بشكل متزن. وهنا يستدعي الأمر حضور الفاعلين الحقوقيين لضمان هذا التوازن، وأيضا الوعي بمخاطر هذه الجريمة وضرورة الإحاطة بها. فالمسألة لا يمكن أن تتم بشكل دوغمائي أو بشكل قمعي، بقدرما يجب أن تتم من خلال تقدير الواقع ومخاطره، والاجتهاد من أجل تحديد الحلول المناسبة لتدعيم التفاعل بين ما هو حقوقي ومتطلبات أمن المجتمع في توازن تام
◀ هل يمكن اعتبار أن التطورات والمستجدات الأخيرة المرتبطة بتفكيك ما سمي بـ «شبكة بلعيرج» هي التي أظهرت الحاجة إلى مراجعة قانون مكافحة الإرهاب؟
◀◀ هذا صحيح، فهذه الشبكة تبين أن لها امتدادا زمنيا يعود إلى أكثر من 15 سنة، أي منذ 1992. وما راكمته من قدرة على التستر وعلى التلون مع الواقع، وكذلك القدرة على إمكانية تنمية قدراتها وإمكانياتها والقدرة على اختراق مؤسسات الدولة ومؤسسات المجتمع بجميع أشكالها. وهذا يعني أن ما أحدثه اكتشاف هذه الشبكة جعل قانون مكافحة الإرهاب بصيغته ينظر إلى الإرهاب ظاهرة إجرامية قائمة، عوض أن ينظر إليها كظاهرة تتطلب متطلبات وقائية، وبالتالي عندما تريد الآلة القضائية أو الأمنية أن تضع يدها على مرتكبي هذه الأفعال تصطدم بالعديد من المعوقات، ترتبط بكيفية إجراء التحقيق والتحريات، وكيفية ضبط المشكوك فيهم، وإجراءات الاستنطاق، ومدة الحراسة النظرية، وما إلى ذلك. فضلا عن كيفية التعامل مع الإعلام. كل هذه القضايا لم يحسم فيها القانون المعمول به حاليا بالشكل المطلوب. وهو ما يفتح الباب للاتهامات والشكوك، مثلما يقع الآن. هذه القضية وما تلتها من ردود الفعل كشفت وجود العديد من النواقص، سواء أمنية أو حقوقية،ويجعل من الضروري على المشرع تدارك وضبط هذه النواقص، بالشكل الذي يمكن من دعم الثقة لدى المواطن في سلامة عمل الأجهزة الأمنية والقضائية، والمغرب محتاج أكثر من أي وقت مضى إلى هذه الثقة. فمن جهة لازال هناك من يشكك في أمر هذه الخلايا، بالمقابل هناك شعور عام بخطورة هذه المخططات الإرهابية التي تهددنا بشكل قوي. ومن ثم لابد من فتح حوار حول الآليات التي يجب أن يثبت بها الوضع الأمني بالبلاد بما فيها الآليات الحقوقية وحوار بين مختلف الفاعلين الحقوقيين والسياسيين لتقييم التجربة القضائية في هذا المجال
◀ خطر الإرهاب موجود ولا أحد ينكر ذلك، فهل تكفي الآليات التشريعية والقانونية وحدها لمعالجة هذه الظاهرة؟
◀◀ أبدا، أبدا، لا يمكن للآليات التشريعية أن تقوم بهذا الدور لوحدها، فمعالجة الظاهرة الإرهابية تقتضي مقاربة شمولية، من خلال تسريع ورش الإصلاح الديني بالشكل الذي يؤمن الدين ويجعله بعيدا عن الإرهاب. وهذا الهاجس قائم. وتشغيل كل الآليات، بما فيها مجالس العلماء، والتربية على القيم والانفتاح وقبول الآخر، وورش إصلاح منظومة التربية والتكوين، والإسراع بورش إصلاحات التنمية الاجتماعية، والتعجيل بإصلاح الإندماج الاجتماع لكل مكونات المجتمع، كل هذا ضروري وإلا سيكون الوضع الاجتماعي والنفساني للمواطن، فضاء مناخا لانتعاش مظاهر الإرهاب. فلابد من معالجة هذه المظاهر والعوامل التي تشكل أرضية خصبة في مجتمعنا.
أضف تعليقاً