حوار حول الدورة البرلمانية الربيعية
تحت عنوان “الدورة الربيعية للبرلمان: دورة ساخنة تنتظر حكومة العثماني” حاور الصحفي عبد الغني بايوسف بجريدة الأحداث المغربية البرلماني عبد اللطيف أعمو، قبيل انطلاق أشغال الدورة الربيعية للبرلمان بمجلسيه يوم الجمعة القادم، بهدف معرفة رأي الأغلبية والمعارضة حول رهانات الدورة.
وقدمت يومية “الأحداث المغربية” في عددها 6793 الصادر في 08/04/2019 حوارا مزدوجا في زاوية “وجها لوجه” مع البرلماني العربي المحرشي (عضو فريق الاصالة والمعاصرة في مجلس المستشارين) من جهة والبرلماني عبد اللطيف أعمو عن حزب التقدم والاشتراكية بمجلس المستشارين.
ونظرا لاقتصار الحوار المنشور بيومية “الأحداث المغربية” على جزء من الحوار، ربما لإكراهات تصميم المقال في الصيغة الورقية، مما أدى إلى بثر العديد من المعطيات التي نراها هامة لفهم سياق الجواب وحيثياته، خصوصا في الأجوبة على الأسئلة الثلاثة الأولى، والتي تصب في جوهر العمل والأداء البرلماني، ننشر الحوار كاملا، لتعم الفائدة:
- كمجموعة لحزب التقدم والاشتراكية في مجلس المستشارين، ما هي أهم الرهانات والإنتظارات بالنسبة إليكم خلال الدورة الربيعية للمجلس؟
لقد اختتم مجلس المستشارين، دورة أكتوبر للسنة التشـريعية الرابعة من الولاية التشريعية 2016-2021، ضمن حصيلة عمل متميزة همت مختلف واجهات العمل البرلماني.
ومجموعة برلمانيي حزب التقدم والاشتراكية بمجلسي البرلمان يساهمون بحيوية وفعالية في العمل التشريعي، رغم القلة العددية (13 عضوا بمجلس النواب وعضوين بمجلس المستشارين) بحس نوعي والتزام نضالي، فهم يستشعرون أهمية ودقة المرحلة التي تجتازها بلادنا، ويحرصون على الانخراط الفاعل في مواكبة وتفعيل كل المبادرات على مستوى المؤسسة التشريعية، سواء في ما يتعلق بالقضايا الاجتماعية ذات الطابع الاستعجالي (كالتربية والتكوين، والصحة والتشغيل وقضايا الشباب والمرأة والطفولة، حماية القدرة الشرائية للمواطنين، الحماية الاجتماعية…)، أو بالنسبة للقضايا ذات البعد الاستراتيجي كمشروع النموذج التنموي الجديد، والذي قدم حزب التقدم والاشتراكية بخصوصه مذكرة نهاية شهر مارس الماضي، ساهم في إثرائها منتخبو ومناضلو الحزب.
ومن أهم الرهانات بشكل عام الحرص على المساهمة كبرلمانيين وكممثلين للأمة في النهوض بالعمل البرلماني من خلال النشاط المتواصل والحضور الدائم والوازن، وفي الرفع من جودة القوانين والسياسات العمومية التي يتولى البرلمان تشريعها، ونحرص على أن نجتهد أكثر لرد الاعتبار للبرلمان كمؤسسة دستورية ملازمة لتحقيق الديمقراطية التمثيلية الحقيقية، من خلال الحرص على الرقي أكثر بأداء المؤسسة البرلمانية التي ننتمي إليها لتقوم بوظائفها الكاملة في المجالات التي حددها له الدستور.
وبصفة خاصة، نتمنى أن يحرص البرلمان على استكمال الورش المتعلق بتنزيل الوثيقة الدستورية، وفق ما نص عليه الفصل 86 من الدستور، بإخراج النصوص التي ما زالت في رفوف البرلمان منذ الولاية التشريعية التاسعة. فمع اقتراب منتصف الولاية التشريعية، ينتظرنا كبرلمانيين وكحكومة تحدي إخراج جميع القوانين التنظيمية المكملة لتنزيل دستور 2011، ويتعلق الأمر أساسا بخمسة قوانين وهي: القانون التنظيمي بتحديد مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، والقانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية، والقانون التنظيمي للإضراب، والقانون التنظيمي للدفع بعدم دستورية القوانين.
ومن المفروض أن تبادر الحكومة إلى محاورة الأحزاب والبرلمان حول هذه النصوص من أجل إيجاد صيغة توافقية مقبولة للتصويت عليها، بدل الانتظار وعدم إيلاء الاهتمام لتساؤلات الرأي العام حول مصيرها.
هذا، بالإضافة إلى العديد من مشاريع ومقترحات القوانين التي ما زالت في طور الدراسة داخل اللجان البرلمانية الدائمة، وهي ليست باليسيرة، بالإضافة إلى النصوص المتبقية من الولاية السابقة، دون إخضاعها للمناقشة والدراسة، وفق ما تنص عليه المسطرة التشريعية قبل المصادقة عليها، إضافة إلى الأوراش التشريعية التي يسطرها البرنامج الحكومي، باعتبار أن مختلف المجالات والقطاعات الحكومية لديها أجندة برلمانية، والتي على الحكومة إنتاجها بصفة منتظمة لكي تساير تنفيذ برنامجها الحكومي.
- في الدورة الخريفية لمجلس المستشارين تمت المصادقة على 44 مشروع قانون من بينها 21 اتفاقية، تهم اتفاقيات للمملكة مع دول أخرى، مما يعني 23 مشروع قانون لدورة امتدت لأربعة أشهر، بالنسبة لكم هل تتوقعون دينامية أكثر في الدورة الربيعية على مستوى مناقشة مشاريع قوانين..؟
يبدو من سؤالكم أنكم تقصون الاتفاقيات الدولية عن مجال التشريع، في حين أن الدستور، ومن مستجداته، دعم توسيع مجال البرلمان في المصادقة على مشاريع القوانين المتعلقة بالاتفاقيات الدولية. وهي كغيرها من المشاريع تخضع لنفس المسار التشريعي. ويمكن أن يتطلب الأمر مراجعتها، إذا ما وجد البرلمان صعوبة في تمريرها. وهي تناقش في اللجنة المختصة كما تناقش باقي المشاريع.
وفيما يخص حصيلة مجلس المستشارين، فوفقا للحصيلة الرسمية لأداء مجلس المستشارين، صادق المجلس خلال دورة أكتوبر 2018 على 47 نصا قانونيا، ضمنها مشروع قانون تنظيمي واحد، و20 مشروع قانون، و23 مشروع قانون يوافق بموجبه على اتفاقية دولية ثنائية ومتعددة الأطراف، و03 مقترحات قوانين. همّت جميعها مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والحقوقية. كما عقدت اللجان الدائمة 79 اجتماعا تشريعيا، استغرقت 254 ساعة عمل، وأسفرت عن تعديل جوهري ل9 مشاريع قوانين من أصل 23 من إجمالي النصوص المصادق عليها القابلة للتعديل، مع العلم أن مجموع التعديلات المقدمة من طرف مستشاري الأمة بلغت 647 تعديلا حول مختلف النصوص التشريعية، منها 219 تعديلا همت مشروع قانون المالية لسنة 2019،
والحصيلة الإجمالية للغرفتين عند اختتام الدورة الأولى من السنة التشريعية الثالثة، حسب الأرقام الرسمية تبين أنه من أصل 176 مشروع قانون أحيل على البرلمان سواء في نهاية الولاية السابقة أو في هذه الولاية، تمت المصادقة بشكل نهائي على 143 مشروعا، فيما ما يزال 33 مشروع قانون قيد الدرس بالبرلمان، كما بلغ عدد النصوص المصادق عليها خلال هذه الدورة 48 مشروع قانون بما يمثل ضعف المعدل الذي تم اعتماده في الدورات السابقة، منها 25 مشروع قانون في عدد من المجالات و23 مشروع قانون يتعلق باتفاقيات.
هذا وتجدر الإشارة إلى أنه وفقا لمقتضيات الفصل 78 من الدستور، تودع مشاريع القوانين بالأسبقية لدى مكتب مجلس النواب، فيما تودع بالأسبقية لدى مكتب مجلس المستشارين مشاريع القوانين المتعلقة بالخصوص بالجماعات الترابية وبالتنمية الجهوية، وبالقضايا الاجتماعية. ويتداول مجلسا البرلمان بالتتابع وفقا للفصل 84 في كل مشروع أو مقترح قانون، بغية التوصل إلى المصادقة على نص واحد.
وقد تعرف دورة برلمانية أو ولاية برلمانية نوعا من الانتظام والسير العادي أو أنها قد تعرف تعثرا في جزء من نشاطها. وقد تختتم دورة ما بحصيلة كمية متواضعة، مقارنة مع أخرى، وهذا طبيعي، لأن البرلمان جزء من المنظومة السياسية ككل ويتأثر بإكراهات الظرفية والأجندة السياسية.
وبالنظر إلى طبيعة دورة أكتوبر من كل سنة، والتي يهيمن على جدولها الزمني ضغط مشروع قانون المالية، الذي يفرض تعبئة استثنائية لدراسته وفق الآجال المحددة في القانون التنظيمي لقانون المالية، فهذا السياق يفرض أن تكون دورة أبريل الربيعية أكثر إنتاجية مما عرفته الدورة الخريفية .
ونتمنى أن يتمكن البرلمان بغرفتيه من تسجيل حصيلة نوعية، في مجالات التشريع ومراقبة العمل الحكومي وتقييم السياسات العمومية والدبلوماسية البرلمانية بشكل عام، بجانب الانفتاح والتواصل مع محيطه والتفاعل الإيجابي مع انتظارات المواطنات والمواطنين.
- ماذا عن الدور الرقابي، هل تتوقعون في الدورة الربيعية استجابة والتفاعل بشكل إيجابي مع المبادرات البرلمانية، سواء ما تعلق بمقترحات القوانين أو مراقبة العمل الحكومي؟
مع حلول نصف الولاية التشريعية الحالية، يثار الجدل حول حصيلة العمل البرلماني. وكثيرا ما يتم التركيز على الجانب الكمي وعدد النصوص القانونية التي تم التصويت عليها أو التركيز على جوانب مثيرة لفضول الرأي العام بوجه خاص أو التركيز بشكل حاد على وزن مقترحات القوانين في الكفة، في إشارة إلى ضعف المبادرة التشريعية للبرلمان في مواجهة الحكومة.
وهذا شيئا ما مجانب للصواب، باعتبار أن الوظيفة التشريعية الأساسية والمحددة دستوريا تكمن في التصويت على القوانين ومراقبة عمل الحكومة وتقييم السياسات العمومية. والمبادرة التشريعية للحكومة تكاد تكون مهيمنة، فيما مبادرة البرلمان في مجال التشريع قد تكون في بعض الأحيان مقيدة، كما هو الحال في قوانين المالية أو القوانين الإطار ، لكن يحق له مناقشتها وتعديلها. ومن الطبيعي أن يكون الأداء التشريعي للحكومة كواجهة أساسية للمبادرة التشريعية إحدى آليات وأدوات تنفيذ برنامجها الحكومي. والأصل في المبادرة التشريعية أن تكون بيد الحكومة دون التنقيص من حق مبادرة البرلمان إلى صياغة وتقديم مقترحات القوانين.
وقد صادق مجلس المستشارين خلال دورة أكتوبر 2018 على 47 نصا قانونيا، ضمنها 3 مقترحات قوانين. فيما سجل مجلس النواب من جهته تواضعا في نسبة ما تم التجاوب معه من مقترحات القوانين من قبل الحكومة، حيث لم تتجاوز المقترحات المصادق عليها 7.75 %، أي 9 مقترحات من مجموع 116 مقترحا تقدم بها أعضاء المجلس منذ بداية الولاية.
وقد تظهر الحصيلة التشريعية للبرلمان ككل في منتصف ولايته، هيمنة الحكومة على الإنتاج التشريعي، بالنظر إلى أن غالبية النصوص القانونية المصادق عليها، يكون مصدرها هو الحكومة، مع العلم أن هناك عدد لا يستهان به من مقترحات القوانين في رفوف البرلمان تنتظر المعالجة، بعضها مرت عليه سنوات دون أن يدخل إلى المسطرة التشريعية للمصادقة عليه. وقد سبق لنا أن ذكرنا بهذه الإشكالية في إحاطة باسم فريق التحالف الاشتراكي في 8 ماي 2012 بشأن تفعيل المادة 82 من الدستور التي تنص على تخصيص يوم واحد على الأقل في الشهر لدراسة مقترحات القوانين، ومن ضمنها تلك المقدمة من طرف المعارضة، مذكرين حينها بعدة مقترحات قوانين لفريقنا البرلماني تهم إحداث المجلس الوطني للمناطق الجبلية والحماية من الكوارث والوقاية المدنية ومقترح قانون بتعديل القانون 37.93 المتعلق بالحالة المدنية لحماية السكان الأمازيغ في استعمال الأسماء الأصلية لأبنائهم… وغيرها ، ونتأسف أنها ما زالت في رفوف المجلس إلى يومنا هذا دون معالجة.
إحاطة المجلس علما في جلسة 8 ماي 2012
حول تجميد مناقشة مقترحات القوانين بمجلس المستشارين (من الأرشيف)
وعلى مستوى مراقبة العمل الحكومي، التي تشمل جلسات الأسئلة والمهام الاستطلاعية ولجان تقصي الحقائق، بجانب رصد التزامات الحكومة، فقد عرفت الدورة الخريفية انعقاد 14 جلسة عمومية للمراقبة من أصل 32 جلسة عامة عقدها المجلس خلال الدورة، وحظيت جلسات الأسئلة الشفهية بالقسط الوافر بين جلسات للأسئلة الشفهية الأسبوعية، والجلسات الشهرية المتعلقة بالسياسة العامة، وجلسة عامة لمناقشة تقرير المجلس الأعلى للحسابات برسم سنتي 2016-2017، كما تفاعلت الحكومة بشكل جيد مع النقاشات المجتمعية والإعلامية الهامة التي واكبتها.
ويتعين عند الحديث عن تجويد الأداء التشريعي التركيز أكثر على الجانب النوعي للقوانين، والخوض أكثر في جوهر النص التشريعي، بدل الاقتصار على الجوانب اللغوية والشكلية والفنية للنصوص. كما أن البرلمان مطالب بوضع مرجعية لآليات الرقابة على العمل الحكومي، وأن يفعل هذا الاختصاص بشكل واسع ودقيق. والحكومة مطالبة من جهتها بضرورة إرفاق المشاريع التي تحيلها الحكومة على البرلمان بدراسة الآثار المتوقعة منها Impact والأهداف المحددة لها، باعتبار أن لديها الأدوات والإمكانيات للقيام بقراءة استباقية لفعالية النصوص التي تقترحها وتأثيرها.
- أنتم كجزء من الأغلبية هل أنتم راضون على ما أنجزته الحكومة خلال 3 سنوات؟
الرضا الكامل عن الأداء أمر صعب المنال بشكل عام، فالسنوات الأولى للحكومة الحالية – التي يرأسها الدكتور سعد الدين العثماني لم تكن سنوات عادية، وكانت امتحانا للتجربة الحكومية بالنظر للتحديات والصعوبات التي واجهتها. وفي نفس الوقت هي امتحان للتجربة الديمقراطية في البلاد ككل، خصوصا بعد دستور 2011.
ففي سياق مطبوع بحدة الاحتجاجات التي شهدها عدد من مدن الهامش، وهي نتاج مشاكل في مناطق عانت من التهميش والتمييز لعقود. وهو ما يؤشر إلى ضرورة الانتباه للفوارق المجالية والاجتماعية، وعلى الحكومة أن تواصل دينامية الإصلاحات التي انطلقت منذ عقود، وأن تتوفر على تصور عملي لأجرأة البرنامج الحكومي وفق أولويات دقيقة وأن تمتلك رؤية محددة في الزمان والمكان. وانتقاد النواقص لا يفسد للدور الحيوي الذي تلعبه المؤسسات المنتخبة ككل ودا.
- بالنسبة للخلافات المستمرة داخل الأغلبية، هل لهذه الخلافات تأثير في نظركم على العمل الحكومي وعلى الوضع السياسي العام..؟
إن الاختلاف في الرأي أمر إيجابي طالما يصب في المصلحة العامة. ويبقى العامل المشترك هو السعي نحو تحقيق البرنامج الحكومي الذي تعاقدت على أساسه مختلف مكونات الأغلبية الحكومية. أما الخلاف فمصدره أساسا عدم القدرة على تدبير الاختلاف، وهو ما يبدو في كثير من تجليات عمل الحكومة، ويؤدي في كثير من الأحيان إلى العجز عن جمع قادة مكوناتها الحزبية. فمن الطبيعي أن يكون لمثل هذه الحالات تأثير سلبي على الأداء الحكومي وعلى الوضع السياسي العام.
وهذا ما يتجلى في كثير من القضايا الجوهرية، كجبايات التجار والحوار الاجتماعي ووضع تصور مشترك للنموذج التنموي، وغير ذلك من القضايا التي تتحول من قرار حكومي إلى تصرفات انفرادية وراءها ما وراءها من خلفيات. مما يشوه عمل الحكومة ويعيق أداءها. وتظهر هذه الحالة باستمرار من خلال نشاط وعمل البرلمان، كما هو الحال بالنسبة لمشروع القانون الإطار المتعلق بالتربية والتكوين، وعدد من مشاريع القوانين التي تم تجميدها. وهذا كله راجع في اعتقادي إلى الكيفية التي تم بها تشكيل الحكومة وملابساتها. مما يطرح سؤالا عريضا حول الديمقراطية ومسألة الإصلاح السياسي بشكل عام.
عبد اللطيف أعمو
وللإطلاع على المقال الصادر في جريدة “الأحداث المغربية” تحت عنوان:
” الدورة الربيعية للبرلمان: دورة ساخنة تنتظر حكومة العثماني”
أضف تعليقاً